«ديفيد هيرست»: الملك «سلمان» لن يحزن إذا أطاح ضابط آخر بـ«السيسي»

الخميس 3 مارس 2016 08:03 ص

فسر الكاتب البريطاني، «ديفيد هيرست»، اقتباس الرئيس المصري، «عبدالفتاح السيسي»، في خطابه الذي ألقاه الأسبوع الماضي، سؤالا وجهه العقيد «معمر القذافي» لمعارضيه قبل وقت قصير من رحيله عندما خاطبهم بغضب: «من أنتم؟»، معتبرا أن ما دعى «السيسي» إلى هذا الاقتباس هو شعوره بأن نهايته كرئيس للبلاد قد اقتربت بعد غرقه في الأزمات.

وفي مقال نشره على موقع «ميدل إيست آي» تحت عنوان «من انت يا سيسي؟»، رأى الكاتب البريطاني أن السعوديين لم يعودوا يرون في «السيسي» رهاناً آمناً.

واستردك قائلا إن «هذا لا يعني أن المملكة على وشك التخلي عن قناعتها بأنه لا يجوز لمصر أن تُحكم سوى من قبل العسكر، لكنه قد يعني أن الملك لن يشعر بالحزن والأسى لو قام ضابط مصري آخر بالإطاحة بالضابط الذي يحكم حالياً، وهو السيناريو الأقرب في الوقت الراهن».

وإلى الترجمة العربية لنص المقال:

القليل من القادة العرب اليوم يرغبون في مقارنتهم بالعقيد «معمر القذافي»، الديكتاتور الليبي الذي لقي نهاية مروعة.

عدد أقل يدعو لعقد تلك المقارنة من خلال الاستشهاد بكلمات تفوه بها «القذافي» متحدثا من أنقاض مبنى سبق أن دمرته غارات أمريكية جوية عام 1986.

واستغل «القذافي» المشهد ليناهض الثورة الليبية بعد شهر من اندلاعها صارخا في وجه معارضيه: «من أنتم؟».

ما الذي جعل الرئيس المصري، «عبدالفتاح السيسي»، يقتبس تلك الكلمات في خطابه الأسبوع الماضي؟

وقال «السيسي»: «انتو مين..قسما بالله اللي هيقرب لها (يقصد: مصر) لأشيله من فوق وش الأرض».

«السيسي» قال الكثير بخلاف تلك الكلمات، مثل أنه فقط الذي يعرف ما يفعل، ومطالبته كل مصري بالتبرع للحكومة بجنيه (العملة المصرية) صباح كل يوم.

وتابع: «لو ينفع أتباع هتباع» من أجل خاطر مصر، معتبرا أن الوقت ما زال مبكرا لتحقيق الديمقراطية، مطالبا المصريين بالاستماع إليه فحسب.

وعبر «السيسي» عن ذلك قائلا: «أنا بقول لكل اللي بيسمعني في مصر لو سمحتم ما تسمعوش حد غيري، أنا بتكلم بمنتهي الجدية ما تسمعوش كلام حد غيري».

وتخلل الخطاب نوبات من الضحك الهيستيري، وتعنيف الحكومة، ودموع الأسى.

هذا الأداء الذي قدمه رئيس مصري في افتتاح مؤتمر يحمل اسم «مؤتمر إطلاق استراتيجية مصر للتنمية المستدامة.. رؤية مصر 2030» يمثل تحديا للفكرة.

الخطاب لم يكن الوحيد الذي تسبب في إثارة توجس أنصار «السيسي» تجاه  حكمه.

ففي خطاب مذاع عبر التلفاز، طلب «السيسي» من المصريين أن يشدوا الأحزمة، بينما كان يطلق سلسلة من المشاريع التطويرية في العديد من المحافظات.

وأشار إلى أن دعم المياه  يكلف  الدولة 40 مليون جنيه مصري يوميا، واصفا ذلك بالعبء الذي  لم تعد الدولة قادرة على تحمله.

قال «السيسي»: «الدولة لا تستطيع الاستمرار هكذا. لا يعني هذا أنها لا تريد الاستمرار في تقديم الدعم، ولكنها ببساطة لم تعد قادرة على ذلك».

لكن في طريقه للمؤتمر المذكور، سارت سيارات موكبه الرئاسي على سجادة حمراء بطول ثلاثة أميال.

العميد «إيهاب القهوجي» اعتبر أن السجادة الحمراء تجلب البهجة والاطمئنان للمواطن المصري، تجاه قدرة «شعبنا وقواتنا المسلحة على تنظيم أى شئ يبعث بالراحة فى نفوس المواطنين بشكل عام».

ولكن أسواق مصر المالية لا ترى الأشياء على هذا النحو، فقد انخفض الجنيه المصري لمستوى قياسي في السوق السوداء، ولامس الدولار مستوى 9 جنيهات، وزادت  الضغوط على الحكومة لتخفيض قيمة العملة.

الاحتياطي الأجنبي تراجع إلى النصف منذ ثورة 2011، وتحديدا من 36 مليار دولار في يناير/كانون الثاني 2011 إلى 16.4 مليار دولار الآن.

ويأتي ذلك بالرغم من ضخ السعودية والإمارات والكويت أموالا لمصر بلغت زهاء 50 مليار دولار في الفترة من أغسطس/آب 2013 إلى يناير/كانون الثاني 2014، وتمويلات إنقاذ مالي أخرى تقدر بـ 12 مليار دولار في مارس/آذار 2014.

الاحتياطي الأجنبي الآن يكفي لثلاثة شهور واردات، وهو الحد الأدنى في توصيات صندوق النقد الدولي.

المصادر التقليدية للعملة الأجنبية أصيبت بالجفاف.

إذ انخفضت إيرادات السياحة، التي تولد من 9 إلى 11% من العملة الأجنبية، بنسبة 46% الشهر الماضي مقارنة بالفترة ذاتها من العام السابق.

كما تراجعت إيرادات (الممر الملاحي العالمي) قناة السويس في عام مشروع التوسعة الذي تكلف 8.2 مليار دولار.

وكان الفريق «مهاب مميش»، رئيس هيئة قناة السويس، ادعى أن مشروع التوسعة من شانه أن يزيد الإيرادات إلى أكثر من الضعف، لتبلغ 13.5 مليار دولار سنويا عام 2023.

لكن العام الماضي انخفضت الإيرادات السنوية  خلاله من 5.5 إلى 5.2 مليار دولار.

الاستثمارت الأجنبية تبلغ الآن 40% مما كانت عليه عام 2007.

موقف أحد المستثمرين الأجانب ينبغي أن يقلق «السيسي» بشكل خاص؛ فالسعودية تحت قيادة الملك «سلمان» أثبتت أنها أقل صداقة «للسيسي» من حقبة الملك «عبد الله» الذي مول الانقلاب.

هناك عدة أسباب يمكن أن تفسر برود العلاقات المصرية مع الرياض، منها أن المملكة تعاني من شح مالي؛ بسبب انهيار أسعار النفط، وهو الانهيار الذي تمخض عن سياسة انتهجتها المملكة في البداية؛ بهدف إجبار منتجي الزيت الصخري في الولايات المتحدة الأمريكية على الانسحاب من السوق.

لكن لعل السبب الأهم والمسكوت عنه هو أن المقربين من الملك «سلمان» لم يعودوا يرون في «السيسي» رهاناً آمناً.

إلا أن ذلك لا يعني أن المملكة على وشك التخلي عن قناعتها بأنه لا يجوز لمصر أن تُحكم سوى من قبل العسكر، ولكنه قد يعني أن الملك لن يشعر بالحزن والأسى فيما لو قام ضابط مصري آخر بالإطاحة بالضابط الذي يحكم حالياً، وهو السيناريو الأقرب في الوقت الراهن.

يمكن الاستدلال على هذا النهج السعودي الأكثر صرامة من خلال بعض المشاهدات. ففي ديسمبر/كانون الأول الماضي، وافق السعوديون على استثمار 30 مليار ريال سعودي (أي ما يقرب من 8 مليارات دولار) في مصر من خلال صناديق حكومية وسيادية؛ وذلك بهدف مساعدة مصر على اجتياز أزمة شح الاحتياطي من العملة الأجنبية.

وعلقت «بلومبيرغ» بأن تقديم هذا الدعم يوحي بأن المملكة لا تزال ملتزمة بدعم مصر، رغم انخفاض أسعار النفط والحرب في اليمن.

لكن جريدة «المصري اليوم» (المصرية الخاصة) قالت إن الجانب السعودي في مجلس التنسيق المصري السعودي المشترك رفض عدداً كبيراً من المشاريع التي كان من الممكن أن تجذب ما قيمته 8 مليارات دولار من الاستثمارات. وحسب مصادر تلك الجريدة، المفاوضات شاقة؛ لأن الجانب السعودي ينظر إلى هذه المشاريع بعين تجارية فقط.

لقد ولّت تلك الأيام التي كان «السيسي» يقول فيها ضاحكاً إن بلدان الخليج «عندها فلوس (أموالٌ) مثل الرز (الأرز)»؛ فعلامات نقص السيولة في مصر تُرى في كل مكان.

ثمة نقص في الأدوية؛ لأن الصناعات الدوائية المصرية عليها أن تدفع ثمن المواد الخام بالدولار، وتقبض ثمن الأدوية التي تنتجها بالجنيه المصري.

في شهر ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، وصل عدد الأدوية التي تعاني من شُح في السوق إلى 232 دواءً، بما فيها 43 دواءً لا يوجد له بديل.

وقالت مجلة «بيوفارما دايف» المتخصصة في صناعة الأدوية: «لقد قامت وزارة الصحة المصرية بتثبيت أسعار الأدوية، وهذا يعني أن المنتجين هم من يتحملون تكلفة المواد الخام. وهكذا توجب على المنتجين أن يتوقفوا عن إنتاج أدوية محددة لتقليص حجم خسائرهم».

كما نقلت وكالة أنباء الخليج أن شركة إير فرانس غير قادرة على تحويل أرباحها البالغة 100 مليون جنيه مصري إلى الخارج منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي بسبب النقص في سيولة الدولار.

وقالت مديرة فرع الشركة في مصر إن «هذه مشكلة خطيرة جداً جداً؛ لأن كل عائداتنا محتجزة من قبل البنك، ولكننا في نفس الوقت نستمر في صرف النقود على تكاليف العمل مثل إيجار الطائرات، والوقود، وطواقم الطائرات، وحقوق الطيران والمدارج.. إلخ. وكل هذه النقود يجب أن تُدفع بالدولار؛ لذا كيف سنتمكن من الاستمرار في هذه العمليات كلها دون توافر السيولة الكافية؟».

قامت شركة «BP» بتحويل شحنة من الغاز السائل إلى البرازيل في شهر يناير/كانون الثاني بعد أن جمّدت مصر عملية دفع ثمنها حتى شهر مارس/آذار، حسب ما أفادت وكالة «إنترفاكس» الروسية للأنباء.

وأضافت الوكالة أن مصر مدِينة بثلاثة مليارات دولار لشركات النفط العالمية، وأنها غير قادرة على دفع هذا المبلغ قبل نهاية عام 2017.

العالم يضيق على «السيسي» شيئاً فشيئاً، ولهذا كلما تعمّقت أزمة حكمه أكثر، ابتعد عن الواقع أكثر.

سلوك «السيسي» لم يعد مفهوماً حتى بالنسبة لمؤيديه.

كان من المفروض أن يكون «السيسي» قد أسس الآن حزبه الحاكم، أو على الأقل بطانةً تشاركه أعباء الحكم.

وبدلاً من ذلك يبدو أنه يقوم بالعكس تماماً؛ فهو يلعب دور الفرعون الذي يحمل وحده مصيرَ مصر بين يديه.

لقد شق هذا الفرعون طريقه حتى الآن من خلال حرق مليارات الدولارات نقداً، وتمكن في هذه الأثناء من نبذ معظم الذين دعموه وأيدوا انقلابه ضد الرئيس الذي ينتمي لجماعة «الإخوان المسلمين».

ومع مرور الوقت لن يتمكن «السيسي» من الاستمرار في لوم «الإخوان المسلمين» على حالة الفوضى التي تعيشها مصر، ولعل تزايد وتيرة النقد العلني له في وسائل الإعلام عرض من أعراض السخط المتنامي في أوساط المقربين منه.

وفي نهاية المطاف سيجد «السيسي» نفسه خالي الوفاض من الأعذار، تماماً كما وجد «القذافي» نفسه خالي الوفاض من الكلمات.

سيكرر «السيسي» السؤال ذاته الذي قاله القذافي ذات يوم: «من أنتم؟»، وستكون الإجابة عنه: «نحن مصر».

 

المصدر | الخليج الجديد + ترجمة عن موقع «ميدل إيست آي»

  كلمات مفتاحية

مصر السعودية العلاقات السعودية المصرية الملك سلمان السيسي القذافي ديفيد هيرست

«ناصر الدويلة»: نظام «السيسي» لا يكن ودا للخليج ولا مفر من حل سياسي في مصر

«سعد الدين إبراهيم» يدعو «السيسي» لإطلاق مصالحة شاملة «قبل فوات الأوان»

فلكي مصري: اغتيال «السيسي» رمضان المقبل وسط الجيش

موقع موالي لـ«السيسي» ينشر كاريكاتيرا مسيئا للملك «سلمان»

خطاب «السيسي» في "رؤية مصر": انكشاف الفشل العام

من أنت يا «سيسي»؟

هل تقدم التجربة التشيلية مخرجا لمصر؟

«الخارجية المصرية»: العلاقات مع السعودية ممتازة.. وزيارة الملك «سلمان» في موعدها

غدا..الانتهاء من اللمسات الأخيرة للاتفاقيات المزمع توقيعها بين السعودية ومصر

«مصر» لـ«السيسي»: «ارحل» (2-2)