«من ضهر راجل»..السينما المصرية تنعي الوطن بتوقيع «السبكي فيلم»!

الاثنين 8 مايو 2017 11:05 ص

هل الأفلام المصرية بعد هزيمة 1967م كانت بمثل فوضى وضراوة أفلام ما بعد انقلاب 2003م؟

يبدو أن الإجابة فيها كثير نظر؛ بخاصة أن ما اصطلح على تسميته بـ«أفلام النكسة» كان فيه كثير من الأعمال ذات السياق السينمائي الجيد من مثل: «ميرمار»؛ «شىء من الخوف»، «يوميات نائب في الأرياف»، «البوسطجي»، «الرجل الذي فقد ظله»، بالإضافة إلى رائعة والد الروائيين المصريين المُحدثين «يحيي حقي»، رحمه الله، «قنديل أم هاشم»، ويجمع بينها جميعًا أنها مأخوذة عن أعمال أدبية روائية المستوى بداية من «نجيب محفوظ» وحتى «فتحي غانم»؛ وهو ما يصعب علينا اقتفاء أثره اليوم أو الوصول إلى فيلم مصري واحد جيد بعد أو قبيل الانقلاب!

الشيطان يعظ

الحارة المصرية بضيقها وتكدس البشر فيها؛ والمُثل والأخلاق العالية..المُستمدة من الديانتين الإسلامية والمسيحية كانت منذ فيلم «عنتر ولبلب» (1952م) لـ«شكوكو»، «سراج منير»، «عبد الوارث عسر»، من إخراج «سيف الدين شوكت»؛ بالإضافة إلى أفلام ملك الترسو «فريد شوقي»، «توفيق الدقن»، و«محمود المليجي»، تاريخ مكتظ مكدس بعشرات الأعمال الروائية كانت تنتصر في النهاية للخير مهما تعمدت إبراز الشر.

كما أن ظاهرة «السبكي فيلم» أو العائلة التي ترتب لأفلام «التيك أوي» من إنتاج وإخراج وأحيانًا تمثيل ليست جديدة على السينما المصرية التي عرفت أفلام المُقاولات بعد «أفلام النكسة»؛ وهي الأفلام ذات الخلطة المضمونة الجماهيرية:جنس+عنف+ انتقاد عنيف للدين..والنتيجة أرباح طائلة لإنتاج بأقل التكاليف.

حينما يُشاهد أي عربي فيلم هذه الظهيرة «من ضهر راجل» للمُخرج «كريم السبكي»؛ إنتاج «أحمد السبكي» يُوقن أنه أمام مهزلة من طراز نادر ربما في منظومة «أفلام السبكي» و«هزيمة 67» والاحتلال الإنجليزي وقد يكون في تاريخ السينما المصرية كلها!

وقبل التعرض للفيلم الذي تم إصداره في 6 من يناير/كانون الثاني 2016م ننوه إلى أن شابًا مصريًا من الأقاليم (وجه بحري) لقي مصرعه منذ أيام قليلة جدًا لأن منتج فيلم الظهيرة رفض إعطاؤوه بقية حقه عن مشاركته واستئجاره فراشة خاصة بالكُهرباء لفيلم أخير لـ«عائلة السبكي» «الماء والخضرة والوجه الحسن»..هذا قبل أن نتعرض لحديث فيلم «السبكي» لهذه الظهيرة عن الدين..!

السقوط بلا حذر

يعاني الشباب المُقبل على الحياة اليوم في مصر من أفلام المُمثل «محمد رمضان»، وأمثاله..أو الأفلام التي تصور الحياة على أنها مجرد دائرة للانتقام والحصول على المال وتكديسه مهما كلف الأمر؛ ويمكنهم، حتى إن قتلوا أن يتوبوا، لكن بعد تحقيق المُراد..

وهي أفلام تتكاثر بالدفع الذاتي أي أنه ليست هناك حبكة فنية أو درامية تقف وراءها؛ كما أنه ليست هناك عملية تصوير بالمعنى المفهوم حتى في سينما «الأبيض والأسود» في الثلاثينيات من القرن الماضي، فالأمر لا يزيد اليوم عن استئجار حي في مدينة السينما لأيام قليلة؛ وتوليف موسيقى تصويرية حزينة، وقص ولصق المشاهد إلى جوار بعضها بعضًا مع مراعاة مساحة دور كل ممثل، وأحيانًا ترك أخطاء مونتاج وعدم تصحيح ألوان هائلة بل (راكور) أو ما يخص تناسق مفردات المشاهد إلى جوار بعضها فتبدو ضربة الموس على وجه البلطجي «حنش» يمينًا مرة ويسارًا أخرى (الممثل وليد فواز).

على أن الأدهى في فيلم اليوم أن بإمكاننا على طريقة المثل المصري الدارج «خذوا الحكمة من أفواه المجانين» أن نستخرج حقيقة الوضع في مصر عبر مشهد قرب نهاية الفيلم المُمتد بلا توقف في ترهل غير مبرر ولا معقول إلى قرابة 142 دقيقة؛ وهو العمل الذي كانت تكفيه على الأكثر ساعة وربع الساعة..!

في مشهد قتل بطل الفيلم الأول (آسر ياسين) على يد الشيخ «طه» (شريف رمزي) في خناقة مُفتعلة بعد حصوله على بطولة المحترفين العرب في المُلاكمة يقف الجميع مُشدودين من قتلة وأهل قتيل فالخريطة الشعبية الحالية في الحارة المصرية هي كالتالي: والد الشيخ «طه»، و«طه» إمام المسجد الحقود القاسي القلب المُرشد للأمن (!) ووالده «ناصر عثمان» (محمد لطفي)، الذي كان يحارب إلى جوار القتيل منذ قليل وهو مدربه في الكارتية ووالد القاتل في وقت واحد.

أما حبيبة القتيل فهي التي تبكي على رأسه وهي «مي» (ياسمين رئيس) زوجة القاتل الحامل في شهرها الأخير من القتيل نتيجة اغتصابه لها ليلة زفافها على القتيل فيما هو يؤذن لصلاة الفجر!

أما البلطجي الذي سلط القتلة على «رحيم» فهو «حنش» شقيق حبيبة أو فلنقل عشيقة القتيل وهو المُمثل «وليد فواز» شقيق المُكلف بقتل القتيل من العقيد رئيس مباحث المنطقة العقيد «علاء شمس» (صبري فواز)، والأخير بالمناسبة شقيق البلطجي أو المُمثل الذي أدى دور البلطجي في الحياة..

وهذا «العك الجنسي والحياتي» في الأساس هو في النهاية فيلم سينمائي ممتليء بالألفاظ البالغة البذاءة والتصرفات الحقيرة؛ والقطع المتوازي لإبراز إجرام فئتين أئمة المساجد من خريجي الأزهر الشريف أو دارسي الفقه وحافظي القرآن الكريم بحسب الفيلم (إمام المسجد طه)، والبلطجية القتلة سفاكي الدماء من العاملين تحت قيادة المباحث، أيضًا؛ فالقتلة والجناة يعملون لحساب الشرطة والأمن المصري؛ ووفق مصالح الأخيرين ويقتلون بعضهم بعضًا من أجل دفع الإتاوة للحكومة المصرية في سياق يُعري مصر ويتهمها بخلط الأنساب وإدمان الخيانة الجنسية، ويبرر لـ(الإرهاب) طالما أن ضباط المباحث من ذوي الرتب خونة يعملون لحساب جيوبهم ويسخرون من رب السماء(!) لإنه لا أحد يستطيع إيقاف رغبتهم في جمع المال التي استجاب لدعوات أمهاتهم بتحقيقها.

انحطاط مهني

أما على مستوى فنية العمل الشكلية فلم يخل من الانحطاط هو الآخر..ومن المُناسب هنا تذكر أنه في آخر سنيّ حياته شارك المُمثل الراحل «نور الشريف» في فيلم مع «أحمد عز» فيلم «مسجون ترانزيت» إخراج «ساندا نشأت» عام 2008م وفيه قال «نور» حول أزمة اسمه على أفيش أو إعلانات الفيلم: «طالما أن هناك مَنْ يتقاضى أكثر مني..فليوضع اسمه قبلي»..أي أن الأمر يخص المال من الأساس (!) وللأمانة فقد كان فيلم «نور الشريف» محترمًا بمراحل عن فيلم الظهيرة هذه لـ«محمود حميدة» أو «أدهم عطية» البلطجي السابق المختبئ في إمامة المسجد ليربي البلطجي الحالي بعد تسببه في قتل «ماجدة أمه (رانيا يوسف)، ثم ليعود إلى أعمال البلطجة لاحقًا مع ابنه بضغط من المباحث..!

و«العك السابق» كله مُطور بالحرف، عن فيلم «إبراهيم الأبيض» للراحل «محمود عبد العزيز» و«أحمد السقا» من إخراج «مروان حامد»؛ حتى أن المُشاهد يشك في تلبس أرواح أبطال العمل الأخير لأبطال فيلم هذه الظهيرة إن جاز إطلاق اسم فيلم عليه..!

ولهم الله المصريين مما يعانونه من فساد ذمم وأخلاق بداية من اللحوم المغشوشة الخاصة بالحمير للجزارين الذين تولوا الإخراج والإنتاج والتحالف مع الدولة لإفساد الحياة في بر مصر الآن (عائلة السبكي الفنية ذات جذور مستمرة تمتد إلى عالم الجزارة).

المصدر | الـخليــــج الجــديــد

  كلمات مفتاحية

السينما المصرية نعي الوطن توقيع السبكي فيلم