رحلة النفط: نقاط الاختناق الجيوسياسية بين الخليج وشرق آسيا

الأربعاء 19 أبريل 2017 08:04 ص

كان تدفق التجارة الدولية دائما عرضة للمخاطر والصراعات الجيوسياسية. وتواجه التجارة تحديات تفرضها الحقائق الجيوسياسية على طول طرقها، ولكن بعض المسارات هي أكثر خطرا، فيما يصعب التنقل في البعض الآخر. ويعد أحد هذه الطرق التجارية البحرية هو مسار نقل النفط من الخليج إلى المستهلكين شرق آسيا حيث يواجه نقطتي اختناق حرجتين لا مفر منهما كقيود جغرافية.

ويعتبر الخليج العربي هو المنطقة الرائدة المنتجة للنفط ، حيث يسيطر على 30% من الإمدادات العالمية. وفي الوقت نفسه، فإن شرق آسيا هي منطقة رئيسية مستهلكة للنفط وتتلقى 85% من صادرات الخليج، وذلك وفقا لإدارة معلومات الطاقة (EIA). ويمر الطريق الأكثر شيوعا لشحنات النفط بين المنطقتين عبر مضيق هرمز، في المحيط الهندي، وعبر مضيق ملقا.

مضيق هرمز

مضيق هرمز هو الطريق البحري الرئيسي من المصدرين في الخليج وهم البحرين، إيران، العراق، الكويت، قطر، المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة إلى الأسواق الخارجية. وفقط السعودية وإيران لديهما طرق بديلة للوصول لخطوط الملاحة البحرية. ويبلغ عرض أضيق منطقة في المضيق 21 ميلا، وتحدها إيران وسلطنة عمان. وتشير التقديرات إلى أن ما يقرب من 17 مليون برميل من النفط يوميا أي حوالي 35% من مجموع صادرات النفط المنقولة بحرا تمر عبر هذا المضيق. وهذا المسار هو أيضا الطريق الأكثر كفاءة وفعالية من حيث التكلفة من المنتجين إلى المستهلكين في شرق آسيا.

تعتمد دول الخليج بشكل كبير على الإيرادات من هذه الصادرات ولهذا السبب، فإن المرور عبر مضيق هرمز يعتبر على حد سواء من القضايا الاقتصادية والأمنية للدول في المنطقة. وفي حال حدث تعطل في المضيق يعيق الشحن في الوقت المناسب للنفط: فإن المصدرون أمام مخاطر فقدان إيرادات كبيرة والمستوردين قد يواجهون نقص في الإمدادات وارتفاع التكاليف وزيادة الخسائر كلما طالت فترة الانقطاع.

وقد هددت إيران ذات الغالبية الشيعية بإغلاق مضيق هرمز وزرع الألغام البحرية لتأكيد سلطتها على السعودية والدول السنية الأخرى. وتواصل السعودية وحلفائها التدريبات البحرية لتحسين قدرتها على الرد على إيران.

ونظرا لاعتمادها المالي على إيرادات النفط، فقد حاولت دول الخليج التخفيف من المخاطر المرتبطة بالصادرات الثمينة التي تمر عبر المضيق بطريقتين. أولا، وضعت طرق تصدير بديلة. حيث قامت السعودية ببناء خط الأنابيب الذي ينقل النفط من حقول في الشرق إلى المصافي في الغرب ومن هناك، يتم شحنها عن طريق البحر الأحمر. وبالمثل، قامت الإمارات ببناء خط أنابيب النفط الخام في أبوظبي لتجاوز مضيق هرمز وتصديره من ميناء الفجيرة. وفي كلتا الحالتين، فإن قدرة خط أنابيب ليست كافية لتخفيف الاعتماد على مضيق هرمز.

ثانيا، بنت دول الخليج تحالفات مع الدول الأمنية التي لها مصلحة في الحفاظ على فتح المضيق. وغالبا ما تنطوي هذه التحالفات شراكة أمنية مع الولايات المتحدة. في عام 2016، تلقت الولايات المتحدة 18% من وارداتها النفطية من الخليج. وبالتالي، فإنها تريد الحفاظ على ممر آمن عبر المضيق، وتمتلك الولايات المتحدة أيضا أسطولا بحريا هو الأكثر نفوذا في العالم. وهذه القوات يمكن نشرها بسرعة عند أي انسداد محتمل للمضيق، والأساطيل الأخرى في المنطقة لا يمكن أن تتنافس مع البحرية الأمريكية.

مضيق ملقا

مضيق ملقا هو أقصر طريق بحري لنقل البضائع من الخليج العربي إلى أسواق آسيا، وهو أقصر من أقرب طريق بحري بديل. ولو لم يكن متوفرا لزادت التكلفة بالنسبة للمستهلكين، حيث أن ما يقرب من ربع النفط المنقول بحرا (أكثر من 15 مليون برميل يوميا) يمر عبر مضيق ملقا، مما يجعله في المرتبة الثانية بعد مضيق هرمز في نقل النفط من حيث الحجم.

يبلغ طول مضيق ملقا 550 ميلا ويمر بين أندونيسيا وماليزيا وسنغافورة. في أضيق نقطة، فإن عرض المضيق 1.5 ميل. وهذا الضيق يجعل السفن أكثر عرضة للقرصنة (وهو أمر منتشر في المنطقة).

تعتمد كل من اقتصادات اليابان والصين اعتمادا كبيرا على واردات النفط التي تمر عبر مضيق ملقا. ولذلك، فإن الوصول المفتوح عبر المضيق هو مفتاح الأمن الاقتصادي. أكثر من 80%من واردات الصين من النفط (عن طريق البحر) وحوالي 60% من إجمالي واردات النفط اليابانية تمر حاليا عبر هذا المضيق. هذه البلدان لها تاريخ طويل من العداء والحرب لأنها تتنافس مع بعضها البعض لتكون القوة الجيوسياسية السائدة في المنطقة.

ومع ذلك، فإن أي محاولة لمنع المضيق ستكون سلاحا ذا حدين بالنسبة للقوى الإقليمية. كما أن تقييد تدفق التجارة خلال المضيق يمكن أن يكون وسيلة لإلحاق الألم الاقتصادي بالمنافس، وهذا يمكن أن يؤدي إلى الانكماش الاقتصادي والمشاكل السياسية الداخلية اللاحقة. من ناحية أخرى، فإن بدء أي حصار يمكن أن يشكل سابقة خطيرة من أجل السيطرة على المضيق.

تحرص اليابان والصين على تأمين وسيلة لضمان المرور الآمن للنفط عبر هذا المضيق. وتعتمد اليابان مثل دول الخليج على تحالفها مع الولايات المتحدة لضمان التنقل الحر للبضائع عن طريق البحر، وعلى ساحل الولايات المتحدة على المحيط الهادئ تجري كمية كبيرة من التجارة مع شرق آسيا، وتعتمد طوكيو اعتمادا كبيرا على تحالفها مع واشنطن لإحداث توازن مع قوة في الصين وأي تهديدات محتملة من آخرين في المنطقة.

وتنطوي استراتيجية الصين على تقوية العلاقات العسكرية والسياسية في المنطقة حيث أقامت بكين علاقات سياسية واقتصادية قوية مع البلدان التي تحيط بمضيق ملقا، وبخاصة أاندونيسيا. بل هي أيضا منخرطة في عملية بناء قوة بحرية كبيرة وذلك بهدف كسب المزيد من السيطرة على البحار المحيطة بها.

استنتاج

بالنسبة لكل من المصدرين في الخليج والمستهلكين شرق آسيا فإن حرية مرور شحنات النفط أمر ضروري. ومع ذلك، يجب أن تمر الشحنات عبر اثنين من نقاط الاختناق الجيوسياسية: من مضيق هرمز، المهدد بالخطر الرئيسي من الصراع بين القوى السنية والشيعية في المنطقة، ومن مضيق ملقا، المهدد بالتنافس الإقليمي بين الصين واليابان.

وعلى كل من هذه الدول أن تتخذ تدابير للتخفيف من المخاطر وتأمين حرية المرور عبر المضائق الذي يؤدي إغلاقها إلى آثار مدمرة للاقتصادات المحلية. ولا تفسر الجغرافيا السياسية أهمية وضرورة هذه التدابير فحسب، بل توضح أيضا أي التدابير هي الأكثر مناسبة للدول المعنية.

المصدر | جيوبوليتيكال فيوتشرز

  كلمات مفتاحية

مضيق ملقا مضيق هرمز اليابان الصين السعودية إيران