«تسريب سيناء» يحرج الجيش المصري.. و«الصحوات» رهان خاطئ يؤجج المواجهة

الجمعة 21 أبريل 2017 05:04 ص

ما بين مؤيد، اعتبر «تسريب سيناء» فاضحا لسياسات الجيش المصري ضد العزل من أهالي سيناء، ومعارض قال إن «الفيديو تم فبركته»، بقيت الإشارة الأهم في التسريب المروع الذي بثته قناة «مكملين» المناوئة للانقلاب العسكري في مصر، مساء أمس الخميس، وهي العمليات القذرة التي يقوم بها «صحوات سيناء».

«تسريب سيناء» أظهر فيديو لجندي مصري مع عدد من زملائه في سيناء يطلقون النار بشكل مباشر على رأس اثنين من شباب سيناء العزل فيما يشبه الإعدام الميداني بدون محاكمة أو تحقيقات، كما كشف الفيديو عن قيام منفذي عملية الإعدام، بإلقاء أسلحة آلية بجوار جثث الضحايا، والتقاط صور لهم، لإظهار مصرعهم وكأنه حدث إثر اشتباكات، لم تحدث من الأساس، بحسب التسريب.  

«صحوات سيناء» تنظيم يضم مسلحين ينتمون إلى قبائل سيناوية، ويحملون أسلحة زودهم بها الجيش المصري، ويقيمون نقاطا للتفتيش في ظاهرة تشبه الصحوات التي تشكلت في العراق لمساندة السلطة ضد جماعات متشددة.

وفي مدينة «الشيخ زويد» التي تقع بين «العريش» عاصمة شمال سيناء، و«رفح» المحاذية للحدود مع قطاع غزة، ينتشر هؤلاء المسلحون الذين يتم تزويدهم بالسلاح من قبل الجيش المصري وحتى بالذخيرة بل ويحاسبهم على عدد الطلقات التي يتم إطلاقها.

يطلق عليهم اسم المجموعة 103 أو مجموعة الموت، ويبرر الشق الأول للاسم بأنه على غرار الكتيبة التي تتمركز بها قوات الجيش وتحمل اسم الكتيبة 101، ومسلحي سيناء الذين يعطيهم الرقم 102، أما الشق الثاني: مجموعة الموت فلأنهم «معرضون للموت في أي لحظة على يد مسلحي تنظيم الدولة لكنهم يهبون حياتهم من أجل الوطن والجيش»، وفق رواية أحدهم التي أوردها موقع «الجزيرة نت».

الناشط السياسي «أبو أحمد الرفحاوي» من جنوب رفح، يقول إن «معظم أعضاء الفرق المسلحة ١٠٣ لديهم سجل جنائي أو أحكام غيابية صدرت بحقهم في قضايا سابقة وتم إسقاطها مقابل التعاون مع الجيش».

الشيخ «إبراهيم المنيعي»، وهو رئيس اتحاد قبائل سيناء، اعتبر أن ظاهرة الصحوات هذه ليست إلا مجموعات قليلة تنتمي لعشائر صغيرة غير مدعومة من القبائل الكبيرة بالمنطقة، واصفا الظاهرة بأنها ليست إيجابية وقد تتسبب بمشكلات في المستقبل للعائلات التي ينتمي لها هؤلاء المسلحون، وقد تجر العائلات إلى فتنة قبلية يصعب السيطرة عليها مستقبلا.

هوية الضحايا

عقب بث الفيديو المسرب، سعت صفحات سيناوية على مواقع التواصل إلى توثيق الوقائع بالتواريخ والأسماء وتفاصيل الرواية الرسمية للمتحدث العسكري وأهالي سيناء.

«سيناء 24»، كشفت عبر صفحتها على موقع «فيسبوك»، هوية بعض الضحايا، وقالت إن «اثنين من الـ8 الذين ظهروا في #تسريب_سيناء أشقاء واعتقلهم الجيش منذ نحو 9 شهور من منطقة الحرية جنوب رفح».

وأضافت الصفحة في تدوينة ثانية، أن «#تسريب_سيناء أظهر الطفل إبراهيم محمد أبو معارك، اعتقله الجيش لأيام وعثر عليه ضمن 5 تم تصفيتهم وقال المتحدث العسكري إنهم قتلوا في اشتباكات مع الجيش».

وتابعت في تدوينة ثالثة، «#تسريب_سيناء يعيدنا بالذاكرة لـ مارس/آذار 2016 حيث قتل الجيش الشاب زياد فريج أبوفرية كان يستعد للزواج في أسبوع مقتله، وأعلن المتحدث العسكري إنه إرهابي».

ونفذت السلطات المصرية عمليات تصفية عديدة طالت عددا من النشطاء والمعارضين، أغلبهم من الشباب، وتبين لاحقا أنهم من المختفين قسريا.

وبينما تدعي السلطات المصرية أنها اضطرت إلى قتل هذه العناصر، التي تصفها بـ«الإرهابية والتكفيرية»، عندما بادرت إلى إطلاق النار عليها، تقول جهات حقوقية ومن أقرباء من تعرضوا للتصفية إنه تم تعمد تصفيتهم لا لشيء سوى كونهم من معارضي الانقلاب العسكري على «محمد مرسي»، أول رئيس مدني منتخب في البلاد في 3 يوليو/تموز 2013.

لكن الأخطر والأهم، ما كشفته الصفحة بشأن لغز الملتحي المرافق لقوات الجيش المصري، قائلا إنه «ابراهيم العرجاني دليل الجيش اللي ظهر في الفيديو من قبيلة (الترابين) اللي الناس بتقول إنه ضابط بدقن بيتكلم بدوي، دول بيكونوا اسمهم 103.. الصحوات»، في إشارة إلى «مجموعة الموت» التي يستعين بها الجيش المصري لتنفيذ عمليات قذرة بحق سيناويين.

المجموعة 103

ظهرت «فرقة الموت» أو المجموعة 103 في العام 2015 في شوارع مدينة الشيخ زويد ومنطقة الكوثر وحي الزهور وموقف مواصلات المدينة وسط الركاب والأهالي.

قبل الانتشار الميداني في شوارع المدينة، كان دور المدنيين المساندين لعمليات القوات المسلحة من أهالي سيناء يقتصر على التواجد داخل معسكرات الجيش الذي كان يستخدمهم في التحقيق مع المحتجزين لتسهيل انتزاع المعلومات منهم، نظرا لانتماء كل من المحتجزين والمحققين لعائلات وقبائل المنطقة. في أحيان أخرى كان هؤلاء المدنيون يرافقون حملات الجيش أثناء مداهمتها لقرى جنوب الشيخ زويد وجنوب مدينة رفح وغربها وشرق الماسورة.

لكن تطور الحال إلى حمل هؤلاء الأفراد لسلاح الجيش وانتشارهم في شوارع المدينة علنا جاء ليعكس إدراك السلطات لصعوبة المواجهة التقليدية للمسلحين في سيناء عبر الحملات البرية، واضطرارها للاعتماد على فرق مشكلة من أهالي المنطقة فيما يشبه تجربة الصحوات في العراق.

«هناك مناطق لا يستطيع الجيش دخولها وحده بدون متعاونين منا، فنحن من نعرف العائلات بدقة والتوزيع الجغرافي للقبائل»، وفق رواية أحد أفراد الفرقة الذي شرح لـ«مدى مصر» طريقة عملهم.

يقول:«إن فرقته تنتشر داخل الشيخ زويد في مجموعات مقسمة، كل مجموعة تضم خمسة افراد بينهم قائد مسئول عنهم يكون حلقة الوصل مع الضابط الموجود داخل المعسكر، فجميعنا لا يستطيع التعامل مع قيادة الجيش مباشرة. ويمنح الجيش عددا منا حق التعامل بالسلاح وقت اللزوم فقط إذا تطلب الأمر».

وعن طبيعة نشاطهم يقول المسلح، إنهم قاموا بتنفيذ «عمليات نوعية» داخل الشيخ زويد، أغلبها تمثل في القبض على أفراد مطلوبين للجيش من منازلهم. «المدرعات والدبابات لا تناسب جميع العمليات، فأحيانا العمليات النوعية السرية الصامتة هي الأدق»

أصبح من المألوف الآن ظهور هؤلاء المدنيين الملثمين كعناصر ثابتة على أكمنة الجيش للتعرف على الأشخاص المطلوبين، وبذلك أضيف إلى ألقابهم العديدة وصف «أبو أصبع» أي الشخص الصامت الذي يرفع إصبعه ليشير إلى متهم مطلوب، أو إلى منزل لا بد من هدمه. يشير الأهالي أيضا في حديثهم إلى «المناديب» أي مندوبو الجيش في التعامل مع أهالي المدينة.

ويروي العنصر 14 أنه خلال عمله مع «الصحوات» كان يحصل على راتب شهري من الجيش، بخلاف المكافآت المالية والعينية التي يحصلون عليها بعد تنفيذ عمليات خاصة. يضيف: «كافة متطلباتنا اليومية من أكل وشرب وكروت شحن وطريقة نقل من مكان لآخر كنا نحصل عليها، ونحمل كارنيهات شخصية مختومة من الجيش والمخابرات لتسهيل المرور على الأكمنة وتنفيذ العمليات النوعية دون التعطيل على الطرق».

لا يعرف أهالي المدينة كل من يعمل مع الجيش، فبعضهم معروف في المدينة بسبب تعاملات سابقة، بينما كثيرون آخرون يظلون مجهولين لسكان الشيخ زويد. ولكن بعض سكان المدينة يتداولون بينهم أن الشكوك في التعاون مع الجيش تلاحق في الأغلب كل من يحمل السلاح الميري من عائلات (الشواطرة والبطين والجريرات)، وبعض العائلات المنتمية إلى قبيلة «السواركة» بالمدينة.

ردود فعل غاضبة

التسريب المروع عن تصفية الجيش المصري لمواطنين بسيناء ثم ادعاء قتلهم في اشتباكات، أثار ردود فعل غاضبة على مواقع التواصل، وتشبيهات قارنت بين الجيش المصري، والميليشيات الشيعية في العراق وسوريا.

الناشط والمدون المصري المعروف «وائل عباس»، كتب يقول على موقع التدوينات «تويتر»: «بعد فيديو الحشد الشعبي المصري (الجيش سابقا) مش عايزين حد يعمل نفسه انه أتفاجئ بمقابر جماعية في سينا زي البوسنة ورواندا».

وعلق «Yasser Adam‏»، قائلا: «ممكن الأستاذ اللي هناك يقولنا إيه الفرق بين داعش المدنية وداعش العسكرية المصرية.. مفيش.. حضرتك كله قتل للعُزل خارج القانون».

وقال حسن اليافعي «الله المنتقم . ستسألون يوما»، فيما علق آخر بالقول «يسقط حكم القتلة».

وأشار «عبدو محمد»، إلى أنه تحدث عن هذه الجرائم وأكثر بكثير فى سيناء بعد 30 يونيو/ حزيران 2013 وقبل ظهور عمليات «أنصار بيت المقدس» بـ 4 شهور، قائلا: «ظن البعض أني أبالغ.. العسكر المصرى هو نفس عقيدة العسكر السورى والعراقى، وما تراه فى سوريا والعراق هو نفس ما يصنعه العسكرى المصرى فى سيناء».

وعن النتائج المتوقعة، قال «Omar El-Araby»، إن «أهل العيال دي بيتحولوا لارهابيين وبيرفعو السلاح في وش الجيش وفي النهايه بينضموا لداعش»، على حد قوله.

وكتب «Mohammed Badr»، «عرفتم يا أهل مصر الأباتشي والرافال والغواصات النووية شارينها لمين؟ عرفتم يا أهل مصر مين عدوكم اللي بيكذب عليكم ويدلس عليكم طول الوقت؟ قالكم إن المجاهدين هيقتلوا أولادكم ويغتصبوا نسوانكم، وهو اللي بيصـفي الشباب العزل المعتقلين ويقول عليهم اتقتلوا في اشتباكات في سيناء. قالكم إن المجاهدين صناعة اسرائيلية وهو اللي بيعترف إنه بيحارب في سيناء عـشان أمن إسرائيل. فوقتوا ولا هتفضلوا تتفرجوا على الابراشي وأحمد موسى ولميس، لحد ما تلاقوا الطيران بيقصفكم بالبراميل زي بشار في سوريا؟»، وفق تدوينته.

الرهان الخاطئ

الملفت أن القوات المسلحة المصرية لم يصدر عنها، أي تعليق حتى كتابة هذه السطور، بشأن الفيديو المسرب، الذي أظهر رواية مغايرة لبيانات المتحدث العسكري المصري، فضلا عن تطابق صور الضحايا الواردة خلاله مع صور القتلى التي نشرها المتحدث العسكري المصري، عبر صفحته على موقع التواصل «فيسبوك»، في فبراير/شباط من العام الماضي.

وتراهن جهات سيادية نافذة في مصر، على الحرب القبلية في سيناء، بشكل يستنسخ تجربة «الصحوات في العراق»، ويدفع بالقبائل إلى مواجهة التنظيمات المسلحة التي تنشط في محافظة شمال سيناء؛ أبرزها «أنصار بيت المقدس» الذي أعلن في نوفمبر/تشرين الثاني 2014، مبايعة زعيم «تنظيم الدولة»، «أبو بكر البغدادي»، وغير اسمه لاحقا إلى «ولاية سيناء».

وتتعرض مواقع عسكرية وأمنية شمالي شبه جزيرة سيناء لهجمات كثيفة في الأشهر الأخيرة، مما أدى إلى مقتل العشرات من أفراد الجيش والشرطة، بينما تعلن الجماعات المسلحة المسؤولية عن كثير من هذه الهجمات.

وكانت قبائل سيناوية تحت اسم «تحالف القبائل»، وبدعم من الجيش المصري، أصدرت خلال اجتماع سري في العاشر من مايو/أيار 2015، عقد في منطقة «السر والقوارير» في وسط سيناء؛ لإنشاء تحالف قبلي لمساعدة الجيش في محاربة الإرهاب، بيانا حول مواجهة تنظيم «ولاية سيناء»، حمل توقيع رموز قبيلة «الترابين»، إحدى القبائل المتورطة في عمليات التصفية بحق مدنيين سيناويين. للعلم من بين الموقعين «ابراهيم العرجاني» دليل الجيش المصري، الملتحي الذي ظهر في الفيديو المسرب.

كان مثيراً للريبة أن تتلقف وسائل الإعلام الموالية للسلطة طرفا حقيقيا من هذه الأنباء وتضيف إليه مبالغات وأساطير عن حرب «الترابين المقدسة» ضد الإرهاب. بدا أن السلطات الاستخبارية والأمنية ترحب ـ للمرة الأولى ـ بوجود تحرك أهلي مسلح ضد تنظيم «ولاية سيناء»، لكن أماني توكيل الشريك المحلي لإنجاز ما فشل الجيش في تحقيقه يبدو أنها عرضة للتحطم العنيف على صخور الواقع المركب، وفق «إسماعيل الاسكندراني»، الباحث في الشأن السيناوي، والمعتقل حاليا في السجون المصرية، بتهمة نشر أخبار مضللة عن سيناء.

وشهدت سيناء مؤخرا حالات من التهجير القسري وثقتها المنظمات الحقوقية خاصة في رفح والعريش، فيما بلغ إجمالي القتلى خارج إطار القانون 107 مدني، منهم 10 نساء و9 أطفال خلال الأشهر الثلاث الأولى فقط من 2017 وبلغ إجمالي المصابين ما لا يقل عن 111 مدني، منهم 28 امرأة، و21 طفلاً في نفس الفترة، طبقا لما ذكرته «منظمة سيناء لحقوق الإنسان»(مستقلة).

وتعيش محافظة شمال سيناء أوضاعا أمنية متدهورة، تحكم حكم الطوارئ منذ أكثر من 3 سنوات، ازدادت سوءا في مدينة العريش، عاصمة المحافظة، ويبدو أن التسريب الجديد الذي يخصم من رصيد الجيش المصري، ربما يدفع بالأوضاع في المنطقة إلى عمليات ثأر وانتقام قبلية تكبد السلطات المصرية خسائر فادحة على كافة المستويات.

المصدر | الخليج الجديد + مدى مصر

  كلمات مفتاحية

تسريب سيناء صحوات سيناء مكملين الجيش المصري شمال سيناء تنظيم الدولة