«السيسي» يرضخ لطلبات صندوق النقد الدولي والاقتصاد يعاني بسبب تدخل الجيش

السبت 12 نوفمبر 2016 09:11 ص

عندما لا يتبقى لديك الخيارات، ربما تستسلم للأمر المحتوم. هذا ما فعله الرئيس المصري الأسبوع الماضي. فمع عجز موازنة بلغ أكثر من 12% من الناتج المحلي الإجمالي ونقص حاد في الدولار أدت إلى وصول الجنيه المصري في السوق السوداء إلى ما يقارب نصف سعره الرسمي، لم يكن لدى «السيسي» أي خيار. وبالعودة إلى أغسطس/ آب، عرض صندوق النقد الدولي على الجنرال (سابقًا) قرضًا بقيمة 12 مليار دولار، لكن مع شروط قاسية. وبعد طول انتظار وفّى الرئيس بهذه الشروط، وستبدأ أموال الصندوق قريبًا بالتدفق. ولكن يجب أن تكون تلك هي البداية، وليست نهاية الإصلاحات.

وحتى الآن، اجتهد «السيسي» في 3 أمور صعبة ولكن ضرورية، تلبيةً لطلبات صندوق النقد الدولي. قام السيسي بتعويم الجنيه في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني. ويتم يتداول الجنيه الآن حول سعر 18 جنيه للدولار في السوق الرسمية، وكان قبل ذلك القرار مثبتًا بشكل مبالغ فيه عند 8.88 للدولار. ومع ذلك، فإنّه لا يزال من غير الواضح ما إذا كان هذا تعويمًا حقيقيًا. فلا شيء يمنع الحكومة، تحت الضغط، أن تعلق التعويم وتعود السوق السوداء مرة أخرى. وما زال هناك قيود على تحويلات بطاقات الائتمان الخارجية، لذا فالسوق ليست حرة حتى الآن بشكل كامل.

وبالمثل، تم الوفاء بشرطي الصندوق الآخرين فقط لتحقيق غاية ما. فقد أقرّ البرلمان في أغسطس/ آب قانونًا طال انتظاره بفرض ضريبة القيمة المضافة. ورغم شموله الكثير من الإعفاءات، إلا أنّه يبقى ضرورة ملحة للحصول على العائدات المطلوبة، ومن المتوقع زيادة معدل الضريبة العام القادم. كما تم المضي قدمًا في تقليص الدعم الحكومي الأسبوع الماضي أيضًا، مع زيادات في سعر البنزين بالعملة المحلية بلغت 50%، بعد زيادة أسعار الكهرباء في وقت سابق. ولكن ما زالت أسعار الاثنين أقل بكثير من أسعار السوق الحقيقية. وللأسف، لم يتم تخفيض الدعم على السلع الغذائية على الإطلاق، رغم التكلفة الباهظة والتعقيد وعدم ذهاب الدعم الغذائي إلى مستحقيه والتعرض للاحتيال. وبدلًا من دعم سعر الخبز، يمكن للحكومة ببساطة مساعدة الناس بتسليم الفقراء دعمًا نقديًا.

مع ذلك، لنعطِ الجنرال حقه، فقد فعل ما يكفي من طلبات صندوق النقد الدولي ليحصل على الأموال، ويكاد يكون هو الزعيم الأول الذي يقاوم فعل أشياء مؤلمة بينما ليس أمامه بديل. والأهم هو ما سيحدث لاحقًا. أولًا، من الضروري عدم وجود أي تراجع عن الإصلاحات. وقد يبدأ الاقتصاد في الانتعاش سريعًا. ومع انخفاض قيمة العملة المصرية للنصف تقريبًا، أصبحت مصر الآن أكثر جذبًا للمستثمرين الأجانب وللسياح أيضًا، إذا تناسوا تفجير (الدولة الإسلامية) لطائرة تحلق خارج شرم الشيخ العام الماضي (وبدون ذكر تعذيب ومقتل باحث إيطالي). وإذا بدأ الضغط يخف على ميزانية «السيسي»، من المحتمل أن يبدأ بتغيير مساره بشأن الدعم.

ثانيًا، على الحكومة ألا تتصور أنّها قد أنهت عملها الآن. ما تزال مصر في موقع محبط للغاية للاستثمار، حيث تحتل المرتبة 122 في مؤشر سهولة ممارسة الأعمال الخاص بالبنك الدولي. وأثرت كثيرًا الخطوات التي اتخذتها الحكومة بالاستيلاء على مخزون السكر لدى شركة بيبسي وعدد من الشركات المحلية الشهر الماضي على سمعة البلاد. ولا يزال الجيش يتدخل في الاقتصاد، وهو الأمر الذي ازداد سوءً منذ تنصيب «السيسي» نفسه على رأس السلطة في انقلاب عسكري عام 2013. وهناك إرث ثقيل من رأسمالية المحسوبية للشركات الكبيرة القائمة، بطرق لا تعد ولا تحصى، بدءً من الترخيص وحتى الوصول إلى رأس المال، يجعل من الصعب على الشركات الناشئة أن تتنفس. ويجب أن يكون الهجوم الشامل على الروتين هو الهدف الكبير التالي للرئيس «السيسي». كما تم إهدار الكثير من المال العام على مشاريع كبرى مثل توسعة قناة السويس والتي فشلت في تحقيق الكثير من المنافع. وكان من الأفضل إنفاق الأموال في إصلاح البنية التحتية المتداعية وتحسين الخدمات العامة.

«السيسي» اليوم

الأهم من ذلك كله، كيف سيتعامل السيسي مع رد الفعل المحتوم على إصلاحاته من المصريين العاديين، الذين يتحملون غالبية العبء. فالتضخم مرتفع بالفعل لدرجة مؤلمة عند 14% أو نحو ذلك، وستستمر الأسعار في الارتفاع هذا العام مع الاستمرار في الاستيراد المكلف للوقود والسلع الغذائية. وكان الخوف قد بدأ من أنّ الاستياء بسبب ارتفاع الأسعار من الممكن أن يثير عدم الاستقرار (في منطقة شهدت فوضى بالفعل) مما قيد يد «السيسي» لفترة طويلة. من المرجح وجود احتجاجات. وعليه ألا يقابلها برد فعل مفرط من الغاز المسيل للدموع والعصي والاعتقالات الجماعية. سيكون النهج الأفضل بتقليص الدعم غير الفعال واستخدام أموال الدعم في الدفع النقدي للفقراء. وعلى المحتجين، من جانبهم، عرض وجهات نظرهم بسلمية.

من المثير للسخط، أن تطلب الحكومات غير الديمقراطية التضحية من شعوبها. لكن المستثمرين والسياح لن يعودوا لبلد تبدو وكأنّها على حافة الفوضى من جديد. وإذا استطاعت مصر الاستمرار في نفس المسار، ستنقشع غمة ألم الإصلاحات على المدى القصير، وسيتبعها منافع النمو على طويلة الأجل.

  كلمات مفتاحية

السيسي تعويم الجنيه قرص صندوق النقد الاقتصاد المصري

«صندوق النقد» يطالب الحكومة المصرية بقرارات جديدة مؤلمة

وزير المالية المصري: فائدة قرض صندوق النقد تصل إلى 1.75%