السعودية واليمن... ليس لدى المملكة مَن تخاطب

الخميس 12 فبراير 2015 01:02 ص

نشرت صحيفة العربي الجديد تحليلا للكاتب «بشير البكر»، قال فيه أن إمكانية تدخل السعودية اليوم في المشهد اليمني محدودة جدا؛ فالرياض للمرة الأولى لا تمتلك حلفاء مباشرين لهم قدرة التأثير على مجريات الأمور، والأمر ذاته ينسحب على بقية دول مجلس التعاون الخليجي، باستثناء سلطنة عمان التي لديها علاقات جيدة مع الحوثيين.

وكشف أن زيارة المبعوث الدولي إلى اليمن «جمال بنعمر» قبل أن تعلن جماعة أنصار الله (الحوثيون) عن حل الدولة اليمنية مساء السادس من الشهر الحالي من خلال الإعلان الانقلابي، كان الهدف منها هو الاستنجاد بالمملكة قبل أن يقلب الحوثيون الطاولة.

طرق أبواب المملكة لا يأتي من فراغ، فهي صاحبة تأثير خاص ونفوذ في اليمن لم ينقطع منذ ثلاثينيات القرن الماضي، وكان لها دور رئيسي في تحديد اتجاهات الشأن اليمني الداخلي، بما في ذلك قواعد الحكم.

وهنا يمكن تسجيل تاريخين هامين، الأول وصول علي عبدالله صالح إلى حكم شمال اليمن عام 1978، والثاني تحقيق الوحدة بين شمال وجنوب اليمن عام 1990. وليس سراً أن صالح وصل إلى حكم الشمال بعد تدخّل مباشر من السعودية.

وباتت الرواية معروفة حين اصطحبه الشيخ «عبدالله بن حسين الأحمر» إلى الرياض بعد اغتيال الرئيس «أحمد حسين الغشمي»، ليقدّمه إلى المسؤولين السعوديين الذين وافقوا على دعم ترشيحه بوجه ضباط آخرين، وساندوه اقتصادياً، ولم تتأثر العلاقات معه إلا خلال غزو العراق للكويت، إذ أيّد صالح الرئيس العراقي الأسبق «صدام حسين»، وهو الأمر الذي ردت عليه الرياض بتأييد الجنوبيين خلال حرب عام 1994.

وأضاف الكاتب أن تحقيق الوحدة كان يمكن أن يتعثر ويواجه مصاعب كبيرة لولا المباركة السعودية. حيث تعهّد «علي عبدالله صالح» للملك «فهد» بترسيم الحدود بين السعودية واليمن، وهو ما تكلل لاحقاً من خلال «معاهدة جدة» في 12 يونيو/حزيران عام 2000. 

ويضيف «البكر» أنه نظراً لخصوصية العلاقات السعودية اليمنية والتداخلات الحدودية والعمالة، أنشأت له السعودية هيئة عُرفت بـ«اللجنة الخاصة»، التي كانت تحت إشراف وزير الدفاع السابق، الأمير «سلطان بن عبد العزيز» الذي تولى الملف اليمني منذ أوائل ستينيات القرن الماضي حتى رحيلة في أكتوبر/تشرين الأول 2011.

ورصد الكاتب عدة تغيرات منذ عام 2007، أضعفت من تأثير ونفوذ ودور المملكة في اليمن:

التحالف مع آل الأحمر

أولها رحيل الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر شيخ مشايخ قبائل حاشد الذي بنى علاقة تحالف راسخ مع السعودية تعود إلى الستينيات، وبفضل الدعم السعودي الاقتصادي والسياسي شكّل مركز قوة داخل اليمن يتحكم بالقرار.

وعزز ذلك بعد الوحدة من خلال إنشاء «حزب التجمع اليمني للإصلاح» الذي هو كناية عن تحالف الإخوان المسلمين والقبائل تحت مظلة الشيخ الأحمر وبمساعدة الشيخ عبد المجيد الزنداني.

فيما بعد ومع صعود «حميد الأحمر» الطامح للرئاسة محل «علي عبد الله صالح»، حدث شرخ في التحالف بين صالح وعائلة الأحمر، ما لبث أن اتسع مع الثورة الشبابية في فبراير/شباط 2011، حين انحاز آل الأحمر للثورة ضد صالح.

القاعدة في جزيرة العرب

والتغير الثاني هو اتحاد فرعي تنظيم القاعدة في اليمن والسعودية عام 2009 تحت مسمّى «القاعدة في جزيرة العرب»، وذلك نقل الاهتمام إلى الأمن، وصار دأب السعودية الرئيسي درء عمليات القاعدة من اليمن، التي وصلت إحداها إلى استهداف وزير الداخلية محمد بن نايف في أغسطس/آب 2010.

وشكل اليمن قلقاً أمنياً كبيراً للسعودية، فبعد الضربات الكبيرة التي تلقاها التنظيم في السعودية بدءاً من عام 2003، صار اليمن ملاذاً آمناً له، وبات السعوديون قوة كبيرة داخل التنظيم، ووصلوا إلى القيادة، فقد تولى سعيد الشهري دور المسؤول العسكري حتى مقتله في يوليو/تموز 2013 بواسطة طائرة أميركية من دون طيار، وحل محله منظّر التنظيم إبراهيم الربيش.

رحيل الأمير سلطان 

التغير الثالث رحيل الأمير سلطان ونقل الملف اليمني إلى الأمير نايف بن عبد العزيز الذي لم تكن إدارته لهذا الملف على مستوى خبرة ودراية شقيقة سلطان الذي خبر الشاردة والواردة في شؤون اليمن، وكانت له تدخلات مشهودة في مراحل مفصلية، خصوصاً دعم انفصال الجنوبيين عام 1994.

ومنذ وفاة سلطان تراجعت درجة متابعة السعودية للتطورات في اليمن إلى حد أن المرتبات الكبيرة التي كانت تدفعها لشخصيات قبلية وسياسية وإعلامية تمت إعادة نظر فيها، وأوقفها الملك عبد الله من باب ترشيد الإنفاق، وهنا فقدت السعودية ما كان يُعرف بـاللوبي السعودي الذي كان ظهيراً قوياً لها في كافة منازعاتها مع اليمن.

تم حل «اللجنة الخاصة» من قبل الملك عبد الله في عام 2013، وتشكيل هيئة مكونة من وزير الخارجية سعود الفيصل ووزير الداخلية محمد بن نايف وبندر بن سلطان الأمين العام لمجلس الأمن الوطني وسلطان بن سلمان الأمين العام رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار. لكن هذه الهيئة لم تتحول إلى جهاز فعال يمكنه متابعة تطورات الوضع اليمني.

المبادرة الخليجية

تولت السعودية رعاية المبادرة الخليجية عام 2011 التي أزيح بموجبها علي عبدالله صالح من رئاسة الدولة، وهو أكثر الحلفاء موثوقية بالنسبة للسعودية، ولا يقل دوره في ملف العلاقات السعودية اليمنية عن دور الشيخ الأحمر. وهنا يمكن القول إن السعودية خسرت أهم استثمار لها في اليمن منذ أواخر السبعينيات، تاريخ وصول صالح إلى الحكم بدعم وتزكية منها، ورغم أن الرياض اختلفت مع الرئيس اليمني السابق في أكثر من مرة، ووصلت الخلافات إلى درجة القطيعة خلال غزو الكويت وحرب عام 1994، فإنها تعاطت معه كأمر واقع، وظلت تدعمه سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وكان الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر يقوم بهندسة التصدعات كلما حصلت.

ورغم أن الرياض رفعت الغطاء السياسي عن صالح فإنها أبقت على الأبواب مفتوحة معه حتى دخول الحوثيين إلى صنعاء، ولذلك رفضت طلبه بالحضور إلى العزاء برحيل الملك عبد الله. وقد راهنت الرياض بعد رحيل صالح على نائبه الذي تولى مهامه الرئيس عبد ربه منصور هادي، وقدمت له الدعم السياسي والاقتصادي، وفي حسابها أنه يشكل مع بقية حلفائها من آل الأحمر واللواء علي محسن الأحمر، سنداً قوياً.

لكن هذا الحلف أخذ يتهاوى بسرعة تحت ضربات الحوثيين، فقد سقط آل الأحمر في عمران، ثم تبعهم اللواء علي محسن في صنعاء، الأمر الذي اضطره للفرار إلى الرياض، وأخيراً الرئيس هادي الذي يخضع للإقامة الجبرية في صنعاء وتمنعه جماعة الحوثي من مغادرة صنعاء إلى لندن للعلاج، في وقت تؤكد فيه مصادر يمنية أن السعودية لا تزال متمسكة بعودته لممارسة مهامه.

لكن الحوثيين فتحوا بورصة التداول حول اسم الشخص الذي سيتولى رئاسة مجلس الرئاسة الخماسي، ورمى جمال بنعمر اسم الرئيس الجنوبي الأسبق علي ناصر محمد، غير أن ترتيبات الحوثيين تميل إلى وزير الدفاع السابق اللواء محمود الصبيحي الذي أسندوا إليه مسؤولية رئاسة اللجنة الأمنية، وهو جنوبي من محافظة لحج، يحظى بقبول عام في الجنوب، وليس لديه حسابات سياسة خاصة، وبعيد الصلة عن ملفات الماضي في الجنوب والشمال.

البحث عن حلفاء

إن إمكانية تدخل السعودية اليوم في المشهد اليمني محدودة جداً، فللمرة الأولى لا تمتلك الرياض حلفاء مباشرين لهم قدرة التأثير على مجريات الأمور، والأمر ذاته ينسحب على بقية دول مجلس التعاون الخليجي، باستثناء سلطنة عمان التي لديها علاقات جيدة مع الحوثيين. بالتالي صارت إعادة العمل بالمبادرة الخليجية أمراً من الماضي، ومن غير المستبعد أن يستمر الحوثيون في التصعيد داخلياً، وتفيد معلومات يمنية بأنهم يعدون لكشف ملفات أمنية تخص رجالات الحكم السابق، بمن فيهم علي عبدالله صالح، ونجل الرئيس هادي (جلال)، ويتعلق بعض الملفات بمنح مالية كبيرة تلقاها اليمن كمساعدات خارجية، ولكنها لم توضع في خزانة الدولة، بل عرفت طريقها إلى حسابات خاصة لمسؤولين كانوا في أعلى هرم الدولة حتى وقت قريب، ومن شأن ذلك أن يعيد إليهم بعض الشعبية في شارع يعاني من الفقر.

أما العلاقة مع السعودية فإن الظاهر حتى الآن هو أن الحوثيين أرسلوا رسائل تطمينات إلى الرياض بصدد تأمين حدود منطقة صعدة القريبة من المنطقة الشرقية في السعودية، والحفاظ على مصالح المملكة في اليمن، وتعهدوا بعدم استهدافها، ولكن أوساطاً يمنية لا ترى في هذه الرسائل أكثر من تعهدات وقتية من شأنها أن تذهب مع رياح التجاذبات الإقليمية والدولية التي تهب على اليمن.

المصدر | بشير البكر، العربي الجديد

  كلمات مفتاحية

السعودية اليمن جمال بنعمر علي عبد الله صالح الحوثيون عبد ربه منصور هادي

خاص لـ«الخليج الجديد»: السعودية تعيد الاتصال بالإخوان في اليمن وتسقبل وفدا قياديا بـ«الإصلاح»

«القدس العربي»: القوى الإقليمية أوكلت للحوثيين مهمة الإطاحة بالإسلاميين من قوى الثورة