برامج الـ«توك شو».. «منابر صماء» هجرها المصريون

الجمعة 16 مارس 2018 08:03 ص

انفضت عنهم الجموع، وتركتهم على منابرهم الإعلامية التي اعتادوا من خلالها مخاطبة الجماهير المليونية يتحدثون، ولكنهم لا يجدون ما اعتادوا عليه من المشاهدة أو الاهتمام.

جد في الأمور جديد إذن، وطرأت على الساحة متغيرات، وبعدما كانت برامج الحوارات ومساحات الـ«توك شو» تلقى حفاوة وتوضع في مكانة سامية لا تكاد تلمس الأرض، تحول معظمها إلى ساحات صماء يصدر عنها كثير من الصخب من دون ردود فعل شعبية تذكر، وفضاءات خاوية على رغم أن جاراتها تشهد إقبالاً منقطع النظير.

وليس هناك أدل على ذلك من الصرخات الصادرة بصفة شبه يومية ليلية من عشرات المقاهي المتلاصقة في كثير من شوارع القاهرة، حيث يصيح مشجعو النادي «الأهلي» على وقع كل هدف أو شبه هدف في المباريات المعروضة على الهواء مباشرة، وذلك رغم أنوف عشرات البرامج المزحزحة من على عرش المشاهدة.

كما أنه لا أوضح على ظاهرة الانفضاض من تلك الجلسات المسائية حيث الكنبات المتخمة بأعداد هائلة من أفراد الأسر القابعة أمام الأفلام القديمة والحديثة، والمسلسلات العربية والغربية، وبرامج المسابقات وفقرات الطهي والتجميل والتنحيف، دون أن تجد البرامج ذات الشعبية الغابرة اهتماما يذكر.

وعمليات التغيير والتبديل، والتعديل والتحديث التي تدور رحاها على معظم قنوات التليفزيون المصرية، بما فيها قنوات «ماسبيرو» الرسمية، لم تغن عن ظاهرة العزوف شيئا، رغم أنها حركة محمومة لكنها تدور في دوائر مغلقة أقرب ما تكون إلى رقعة الشطرنج، والمحصلة النهائية.. أن تبقى علاقة المشاهد بالشاشة لا تتغير كثيرا.. قطيعة لا تتزحزح، وفقا للتقرير الذي نشرته «الحياة».

خابت كل التوقعات التي روج لها البعض من أن مذيعًا بعينه أو مذيعة ما، قادرة على بعث الحياة في قناة ميتة، أو استعادة جذب البساط الإعلاني من تحت أقدام منافس شرس؛ لكن واقع الحال هذه الأيام يشير إلى أنه نظراً لعوامل سياسية معقدة، واقتصادية متشابكة، ومعيشية مستعصية فإن الأدوار الجاذبة بشدة والحيوية بضراوة التي كانت تقوم بها الشاشات تغيرت.

لعبة التنقلات والتغيرات الكثيرة التي يطالعها متابعو الصحف والمواقع الخبرية والتي لا تعدو انتقال هذا المذيع من هنا إلى هناك، أو عودة ظهور هذه المذيعة بعد طول غياب، أو طلة غير معتادة من مجموعة مذيعين تم لم شملهم وتجميع شتاتهم من مجموعة قنوات ليظهروا عبر شاشة بعينها، لم تعد تجد إقبالاً أو تسفر عن رفع نسب مشاهدة، رفعاً كذلك الذي كان سائداً وقت اعتبر المصريون شاشاتهم منصة بديلة للأحزاب السياسية «هايد بارك» فضائياً معتبراً.

«هايد بارك» الشاشات، في زمن السماح للفضائيات المصرية الخاصة منذ أواخر التسعينيات وحتى هبوب رياح الربيع في كانون الثاني/يناير 2011، كانت ملجأ وملاذاً للباحثين عن من يردد متاعبهم ويجاهر بمشكلاتهم، ويندد بالمصاعب التي يواجهونها في حياتهم اليومية.

أسهم في ذلك ضعف الأحزاب السياسية في الشارع وعجزها عن التغيير وتحولها لأحزاب ورقية لا تطل على ملايين المصريين إلا عبر جرائدها حيناً وفي مواسم الانتخابات البرلمانية حيناً، وعزوف المواطنين التاريخي عن المشاركة السياسية الحقيقية والاكتفاء بالمطالبة بتأمين حد أدنى من مقومات المعيشة، فانغمس الملايين في شاشات الـ«هايد بارك»، وتحولت البرامج إلى ملاحم نجاح، وأصبح مقدموها أيقونات.

لكنه بعد ثماني سنوات من الثورة شهدت ما شهدته من متغيرات سياسية وتدهورات اقتصادية، انتهت بانحسار الشعبية عنها أنهكت المشاهدين إنهاكاً أدى إلى فقدان الشاشات عنصر الإثارة وعامل الزعامة.

ورغم تشابك محاولات استعادة الزعامة التليفزيونية مع غالبية الصحف الورقية حيث هيئات التحرير وقوائم الإعلاميين والمعدين هنا وهناك واحدة تقريبا، والموضوعات المطروحة في كليهما متطابقة إلا ما رحم ربي، ووقع خسارة انصراف المتابعين واقعة عليهما بالتساوي، ومحاولات إيجاد ثغرة تعيدهما إلى قلب المواطن وعقله مترابطة، فالمصير واحد والوضع الراهن ضاغط.

المصاعب الاقتصادية الضاغطة على الشارع من جهة، وإحباطاته السياسية من جهة أخرى لمعرفته شبه يقينية أن المسار السياسي- الاقتصادي الحالي لا بديل له، حيث لا وجود للاعبين مؤهلين فعلياً، وليس شفهياً، لطرح خطط أخرى وتقديم حلول مغايرة لا يقل أيضا عن ذلك الذي تجد فيه الشاشات نفسها من إحباط وعجز.

فالبرامج التليفزيونية التي التي كانت تتصور أنها منصات سياسية بديلة وأن إعلامييها قادة رأي وزعماء شعبيون، وأيقونات قادرة على توجيه دفة الوطن مرة ذات اليمين وأخرى ذات اليسار تعرف أنها لم تعد كذلك.

زاد من ذلك أن الظروف والأوضاع الداخلية الضاغطة، والمشاهد الإقليمية الصادمة، والمجريات الدولية الكاشفة لم تترك مساحة مرئية أو محسوسة أو منطقية من الأحلام والتوقعات والمطالب، حيث الأمن متقدم على الاقتصاد، ومجابهة الإرهاب متفوقة على مواجهة التضييق على الحريات، والحفاظ على الوضع الراهن دون مزيد من الصعاب إنجاز في حد الذات.

المزاج العام في الشارع يؤكد أن الغالبية باتت تمقت تسفيه العقول وتوجيه القلوب توجيهاً فجاً مبالغاً في نبراته ومغرقاً في أثيره، أثير الشاشات ينضح كل ليلة بكم هائل من اللعب على أوتار الوطنية والضغط على مخاوف التآمرية.

غالبية المشاهدين لم تعد تعتبر برامج الـ «توك شو» هي الزاد والزواد الذي تعتمد عليه قلباً وقالباً، والغالبية نبذت المثل الشعبي القائل «الزن على الودان (الآذان) أمر من السحر»، بل تميل إلى العكس، حيث نتج عن «الزن» انصراف جماعي إلى مباريات الكرة وفقرات الطبخ وفقرات التجميل والتنحيف مع كثير من الدراما عبر الأفلام والمسلسلات.

وفي الحالات النادرة التي يهتم المشاهد بما سمعه من أن حلقة الأمس من برنامج كذا حفلت بفقرة رهيبة، حيث قال المذيع عبارة نارية، أو بث مقطعاً مصوراً من واقعة يشيب لها الولدان، أو استضاف ضيفين تراشقا بالمياه وعبارات السباب، فإن المشاهد يلجأ متثاقلا إلى «يوتيوب» لمشاهدة ذلك المقطع الناري ليبدي فيه رأي عابرا، سرعان ما يتوه وسط الاهتمام بالمباراة التي يحفل بها الجميع، دون شقاق يقطع أواصر المودة والقربى.

المصدر | الخليج الجديد + الحياة

  كلمات مفتاحية

توك شو الإعلام إعلامي برامج فضائيات سياسة