«فورين بوليسي»: «فلاديمير بوتين».. الصديق الحميم الذي يحتاجه الشرق الأوسط

السبت 17 مارس 2018 02:03 ص

كتب الباحث في مجلس العلاقات الخارجية «ستيفن كوك» مقالا في مجلة «فورين بوليسي» حول التنافس الأمريكي الروسي في المنطقة الشرق الأوسط، وعزا في مقاله النفوذ الذي اكتسبته موسكو في المنطقة إلى فقدان ثقة حلفاء الولايات المتحدة في قدرتها على حمايتهم ما يدفعهم للبحث عن أصدقاء جدد.

ودعا الكاتب الولايات المتحدة إلى زيادة التزامها تجاه حلفائها حتى لو تطلب ذلك التغاضي عن جرائمهم مثل تعزيز دعمها العسكري لنظام «عبدالفتاح السيسي» الوحشي في مصر، كما دعا واشنطن لتفهم مخاوف تركيا من الأكراد المتحالفين مع حزب العمال الكردستاني.

وينشر «الخليج الجديد» في السطور القادمة نص مقال الباحث الأمريكي:

عندما تدخلت روسيا في سوريا في سبتمبر/أيلول عام 2015، كانت مفاجأة للجميع تقريبا، وامتنعت موسكو عن استعراض القوة خارج حدودها أو حدود البلدان القريبة منها لمدة 25 عاما تقريبا، لكن جاء قرار الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» بإنقاذ الرئيس السوري «بشار الأسد» ليغير كل ذلك.

ومنذ ذلك الحين ، ظهر مفهومان مختلفان اختلافا جذريا عن القوة الروسية، وأصبح العديد من المحللين يفهمون التظاهر الروسي بالسلطة والنفوذ في الشرق الأوسط كمؤشر على أن التنافس العالمي بين واشنطن وموسكو في الماضي هو نفسه في الحاضر والمستقبل.

ومع ذلك، لا تزال هناك مجموعة صغيرة من المعارضين للنظام الروسي، منهم أخصائيون روس، ومسؤولون أمريكيون سابقون، وصحفيون، ضد هذا الرأي، وهم يعتقدون أن الروس في الواقع ضعفاء جدا، ويعانون ماليا، وأنهم تورطوا في المستنقع السوري.

وقد تكون هذه الادعاءات غير منطقية، كونها غير دقيقة، فالروس لديهم استراتيجية وقوة للبقاء؛ والسؤال هو ماذا تفعل الولايات المتحدة حيال ذلك؟

البديل الموثوق

في 26 ديسمبر/كانون الأول عام 1991، تم إنزال المطرقة والمنجل، الشعار الخاص بالاتحاد السوفييتي، من سارية العلم فوق الكرملين للمرة الأخيرة.

وكان هذا يوما سيئا بالنسبة لـ«بوتين»، ليس لأنه شيوعي، بل لأنه قومي فخور، والآن، حان وقت استرداد الكرامة، بعد ما يقرب من 3 عقود من إذلال موسكو، ولا يوجد أي مكان أفضل للبدء منه من الشرق الأوسط، حيث تهتز صورة الولايات المتحدة بالفعل حتى بين حلفائها.

ومنذ إظهار موسكو للقوة - بمساعدة إيران - في سوريا، أكد الروس أنفسهم كبديل موثوق للأمريكيين مع الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة.

ومع مبيعات الأسلحة والصفقات الاقتصادية والمناورات الدبلوماسية، كانت روسيا فعالة في سحب تركيا ومصر بعيدا عن الولايات المتحدة، ولكن ليس بشكل كامل.

وسافر الملك «سلمان»، عاهل المملكة العربية السعودية، إلى موسكو في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وهي أول زيارة يقوم بها ملك سعودي، للتحدث عن أسعار النفط والتحوط ضد تراجع الدور الأمريكي.

والآن، بعد أن أصبحت الولايات المتحدة أكبر منتج للبترول في العالم، من المحتمل أن يكون هناك المزيد من التعاون بين الروس ودول الخليج العربية في محاولة لضمان استقرار أسعار النفط العالمية فيما يخدم مصالحهم.

وحتى الإسرائيليين سلكوا طريقا إلى موسكو على مدى الأعوام القليلة الماضية، على أمل إقناع «بوتين» بالاعتناء بمصالحهم في سوريا.

ويعد هذا سجلا قويا من الإنجاز في المنطقة، وفي غضون أقل من عقد من الزمان، انتقل الشرق الأوسط من منطقة كانت فيها الولايات المتحدة مهيمنة بشكل كبير، إلى منطقة تتنافس فيها واشنطن وموسكو.

وفي سوريا، أظهر الروس الإرادة السياسية وقوة البقاء، وهذا الأمر أكثر أهمية من حجم اقتصاد روسيا مثلا، الذي تم استخدامه كمؤشر على ضعف موسكو، ويولد الاعتقاد في ضعف موسكو والتقليل من مخاطرها رضا واسترخاء، وواشنطن بحاجة إلى العكس تماما.

فما الذي يجب على الولايات المتحدة فعله حيال روسيا في الشرق الأوسط؟ قبل القيام بأي شيء، يجب على واضعي السياسات أن يدركوا حقيقة أن الروس لم يتخلوا عن أهدافهم، وأن لديهم استراتيجية لإضعاف الغرب، وتبدأ من الشرق الأوسط.

وعلاوة على ذلك، لم يعد لدى موسكو تمسكا بالأيديولوجية الشيوعية، ما يجعل من السهل عليها أن تقطع أشواطا جيدة في المنطقة.

والخطوة التالية هي أن يطرح نفس المسؤولين سؤالين، أولا، ما هو الشيء المهم للولايات المتحدة في الشرق الأوسط؟ والإجابة واضحة إلى حد ما، وهي احتواء إيران، ومكافحة الإرهابيين، والمساعدة في ضمان أمن (إسرائيل)، والتأكد من عدم هيمنة أي بلد على المنطقة.

وثانيا، ما الذي يجعل القادة في المنطقة يبحثون عن علاقات أوثق مع موسكو؟ والإجابة هنا أقل وضوحا ومثيرة للجدل إلى حد ما، ولكنها تتلخص في القيادة والالتزام.

البحث عن صديق

وبالنظر إلى الأتراك والمصريين والإسرائيليين والسعوديين والإماراتيين، نجد أنهم مراقبون دائما للسياسة الأمريكية، وهم يدركون أن الخلل السياسي في واشنطن قد يؤثر على العلاقات الثنائية.

وعلى مدى العقد الماضي، أصبحت مصر والسعودية و(إسرائيل) مواضيع مثيرة للانقسام داخل الولايات المتحدة، وهناك أيضا المؤسسات التشريعية والتنفيذية الأمريكية التي أثبتت عدم قدرتها على إدارة معظم المهام الروتينية للحكم دون التورط في الحرب الأيديولوجية.

ويجعل هذا القادة في الشرق الأوسط - الذين اعتادوا لفترة طويلة على الولايات المتحدة في تحقيق أمنهم - متوترين من تراجع دور الولايات المتحدة؛ ولذلك بدأوا في السعي ولو بشكل مؤقت إلى خيار آخر، روسيا.

وبالتالي، فإن أحد أفضل الأشياء التي يمكن للأميركيين القيام بها لمواجهة الروس في الشرق الأوسط هو تجنب الحرب الحزبية التي تضعف الولايات المتحدة وتزعزع استقرارها.

وبالنظر إلى الظروف الحالية، تعد هذه المهمة صعبة، ولكن ما لم يكن الكونغرس والبيت الأبيض جديين بشأن التهديد الروسي، فإنهما سيمنحان أجزاء من الشرق الأوسط إلى موسكو، في ما سيكون بالتأكيد أحد أكبر الأخطاء في السياسة الخارجية الأمريكية.

وفي الوقت نفسه، تحتاج واشنطن إلى الالتزام بأمن أصدقائها وحلفائها، حتى لو تطلب ذلك قدرا معينا من «التنازل الأخلاقي».

وإذا كانت هذه الدول تشترك في المصالح الواسعة للولايات المتحدة، فمن المهم بالنسبة لواشنطن أن تدعمها بالقول والفعل.

ولا يعني هذا فقط بيعها «أسلحة جميلة» كما قال الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» خلال زيارته للسعودية في ربيع عام 2017، بل يعني اتخاذ قرارات صعبة مثل قبول ودعم الموقف التركي، ليس فقط ضد حزب العمال الكردستاني، ولكن أيضا ضد وحدات حماية الشعب الكردية التابعة، التي كانت بمثابة حليف واشنطن الرئيسي في الحرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا.

ويتطلب هذا بدوره نشر المزيد من القوات الأمريكية في سوريا، للسيطرة على مواقع تنظيم «الدولة الإسلامية» وردع إيران.

ويعني أيضا استئناف المساعدات العسكرية لمصر، على الرغم من وحشية حكم «عبدالفتاح السيسي»، وإعطاء الإسرائيليين الضوء الأخضر للقيام بما يعتقدون أنه ضروري لحماية أنفسهم من إيران وحزب الله في سوريا ولبنان، ما يلغي حاجة (إسرائيل) لروسيا.

وأخيرا، يعني استخدام القوة العسكرية الأمريكية لتدمير قدرة الإيرانيين والحوثيين في اليمن على تهديد أمن السعودية، ما يسمح للسعوديين بإخراج أنفسهم من هذا الصراع المدمر.

ويعتبر ترك السعوديين ينزفون في اليمن ليس مجرد مكسب استراتيجي بالنسبة لطهران وحدها، ولكن أيضا لموسكو، التي ستكون سعيدة للغاية لرؤية حلفاء واشنطن الرئيسيين في مأزق، والذين هم بحاجة إلى حبل نجاة قد يتمثل في موسكو نفسها.

وبهذا فإن الروس هم أقوى مما كانوا عليه في العقود الأخيرة، ولكن هذا لا يعني أنهم أقوياء، ويأتي استعراض موسكو للقوة العسكرية في سوريا في المقام الأول ضد الميليشيات غير المدربة تدريبا جيدا، ومجموعات المتطرفين، والأطفال الأبرياء.

وفي تبادل إطلاق النار بين «المرتزقة» الروس والجنود الأمريكيين في فبراير/شباط، والذي قيل إنه قتل معظم القوات الروسية دون قتلى من الأمريكيين، يشير ذلك إلى أنه مهما كانت قوة روسيا، فإنها ببساطة لا تكافئ قوة الولايات المتحدة.

وهذه حقيقة يحتاج السفراء والمبتعثون والمشرعون في الولايات المتحدة لنقلها إلى صانعي القرار في القاهرة وأنقرة والعواصم الأخرى حيث تبيع موسكو معداتها العسكرية.

وللتأكيد على هذه النقطة، يجب على الولايات المتحدة استخدام خدعة روسيا، وكانت هناك عدة مرات عندما احتجت واشنطن على «المناورات غير الآمنة» للجيش الروسي في الجو أو في أعالي البحار.

ومثل تبادل إطلاق النار في الصحراء السورية، يجب على الولايات المتحدة أن توضح أن هناك عواقب لهذا التصعيد العسكري.

وهناك بالطبع مخاطر للتصعيد في هذا النهج، ولكن هناك أيضا عيوب كبيرة لإظهار الضعف في وجه الاستفزازات الروسية.

وأخيرا، سوف تعزز الولايات المتحدة صورتها بشكل جيد إذا شاركت في حملة حرب المعلومات الخاصة بها، مشددة على عدد السوريين الذين قتلهم الروس، وعدد المسلمين الذين قتلهم «فلاديمير بوتين» في الشيشان، وكم عدد المتطرفين الذين خلقتهم موسكو في هذه العملية.

وإذا كانت الولايات المتحدة، مثلما قال وزير الدفاع «جيمس ماتيس» في منتصف يناير/كانون الثاني، في عصر جديد من التنافس على القوة العظمى، فقد حان الوقت لكي تتعامل الولايات المتحدة مع الوضع بجدية.

ولابد من دفع «بوتين» للتخلي عن فكرة أن الشرق الأوسط هو المكان الأكثر ملاءمة للبدء في إضعاف الغرب والولايات المتحدة.

وكان الأمريكيون قد احتووا ذلك من قبل، وواجهوا نفوذ موسكو في المنطقة؛ ومن ثم لا يوجد سبب للاعتقاد بأنهم لا يستطيعون فعل ذلك مرة أخرى، ولكن فقط إذا كانت لديهم الحكمة للاعتراف بما هو مهم في العالم الآن، والإرادة الجماعية لمواجهة هذا التحدي.

لكن لم يعد من الواضح لمن هم في الشرق الأوسط أنهم يفعلون ذلك.

  كلمات مفتاحية

الشرق الأوسط أمريكا روسيا بوتين جيمس ماتيس