استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

ماذا تريد الصين من العرب؟

الأحد 18 مارس 2018 07:03 ص

لم تلعب الصين دورا مهما في سياسات الشرق الأوسط منذ التأسيس الحديث لها منتصف القرن الماضي، وتمحور دور الصين في تقديم دعم معنوي لحركات التحرر الوطني العربية من الاستعمار الغربي بعد الحرب العالمية الثانية، وتأييدها العام للحقوق الفلسطينية والعربية في صراع الشرق الأوسط.

وفي المقابل دعمت الدول العربية بصفة عامة جهود الصين في الحصول على مقعدها بالأمم المتحدة ومن ثم مجلس الأمن وحق الفيتو خلال ستينات وسبعينات القرن الماضي.

ورغم تراث الاستعمار الغربي للدول العربية، ورغم دور دول مثل بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة في إنشاء ورعاية (إسرائيل)، اختارت الدول العربية التقرب من الغرب ونموذجه الاقتصادي والثقافي، فإن هذا الواقع قد لا يصمد أمام ما تشهده الصين من تطورات متسارعة والتي ستصل تبعاتها للدول العربية.

من ناحية أخرى لم يعد بإمكان الصين تجاهل هذه المنطقة الغنية بثرواتها الطبيعية خاصة مصادر الطاقة اللازمة لاستمرار تقدمها من بترول وغاز، ولا تستطيع كذلك تجاهل السوق الاستهلاكية العربية الواعدة والمتزايدة باستمرار، من هنا لن يستطيع العرب تجاهل الصين طوعا أو كرها.

تاريخيا ركزت الصين بالأساس على التعامل مع النظم الحاكمة بصورة رسمية، ولم تستثمر في النخب الثقافية أو الأكاديمية أو الإعلامية أو السياسية أو الاقتصادية وغيرهم من أعضاء المجتمع المدني، ولا يثق النموذج الصيني في المنظمات غير الحكومية بصفة عامة.

ولأسباب داخلية بالأساس لم ترحب الصين بثورات الربيع العربي التى رفعت لواء الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان.

والصين بصفة عامة لا تكترث بالسياسات الداخلية للدول إلا فى إطار ما قد يؤثر على علاقاتها الاقتصادية والتجارية بها، كذلك لا ترغب الصين في تصدير نموذج سياسي للحكم لتفرضه على بقية دول العالم.

وفي الوقت الذي عبرت فيه دوائر غربية مختلفة عن ترحيبها بأحداث الربيع العربي، تحفظت الصين واعتبرت ما يجرى بمثابة مشكلة أو أزمة تتعرض لها الدول العربية، من هنا لم تعتبر الصين سقوط نظام الرئيس حسني مبارك أو نظام «معمر القذافي» أو نظام «علي عبدالله صالح» أخبارا جيدة.

* * *

لم تكن الصين من قبل قوة عالمية، بل اكتفت دوما بدورها الإقليمي في شرق وجنوب آسيا، ولم تسعَ الصين لفرض نفوذها، لكنه ومع تغير الواقع العالمي الذي يشهد صعودا صينيا اقتصاديا ليس له مثيل من قبل، لن تستطيع الصين البقاء على صبرها الاستراتيجي بالابتعاد عن التدخل في الشؤون الدولية.

مصالح الصين الحقيقية في المنطقة هي مصالح حديثة وليست مصالح قديمة كما هو الحال مع الدول الغربية، يساعدها في ذلك عدم وجود تاريخ صراعي مع دول وشعوب المنطقة مثل الحال مع القوى الغربية.

ورغم التعاطف الشعبي الذي جمع العرب والصينيين حول العديد من القضايا العالمية، لم تتواصل الصين مع الشعوب العربية بصورة مباشرة من قبل.

لكن خلال العقدين الأخيرين، تغيرت رؤية الصين لمصالحها العربية، وبجانب زيادة التجارة بين الجانبين، أنشأت الصين وسائل للاستفادة من قوتها الناعمة وأطلقت خدمات صحفية وإعلامية باللغة العربية موجهة للمواطن العربي، وللمساعدة في التقرب من النخب السياسية الحاكمة سواء النخب العربية الملكية أو الجمهورية التي تطلعت دوما للنماذج الغربية الثقافية والتعليمية والاجتماعية.

* * *

تظهر تقارير مختلفة تطور حجم التبادل التجاري بين الصين والعالم العربي بصورة كبيرة جدا لم تشهدها علاقات العرب بأي من الشركاء التجاريين الآخرين، وأصبحت الصين ثاني أكبر شريك تجاري للدول العربية بعد مجموعة دول الاتحاد الأوروبي (27 دولة).

وأصبحت الدول العربية أكبر مصدر نفط للصين وثامن أكبر شريك تجاري لها بحجم صادرات بلغ عام 2016 (71 مليار دولار)، مقابل واردات صينية قيمتها أكثر من 101 مليار دولار.

كذلك أظهر تقرير صدر مؤخرا عن المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات تخطى الصين الولايات المتحدة لتصبح أكبر مستثمر فى الدول العربية نسبة 32% من إجمالى الاستثمارات الأجنبية المباشرة أو ما قيمته 29.5 مليار دولار، فى حين لم تتعد الاستثمارات الأمريكية 7 مليارات دولار أو ما نسبته 8% فقط.

وتعكس خطوات الصين الاقتصادية بالاستثمار فى مناطق حرة صناعية أو فى إنشاء شبكات متنوعة من مشروعات البنية التحتية طموحا كبيرا فى علاقاتها المستقبلية بالدول العربية، وعلى سبيل المثال أصبح هناك وجود بشرى صينى كبير فى العالم العربى، إذ يوجد ما يزيد على ربع مليون مواطن صينى فى إمارة دبى الإماراتية وحدها.

* * *

مع بداية عام 2016، أدركت الصين أن عليها وضع خطوط عريضة لسياستها تجاه المنطقة العربية بما يضمن وضوح رؤى التحرك المستقبلى فى علاقاتها مع العرب شعوبا وحكومات. وعكس إصدار وثيقة «سياسة الصين تجاه الدول العربية» حرص القيادة الصينية على رسم خطط مستقبلية للتعاون الصينى العربى القائم بالإساس على مبدأ المنفعة المتبادلة بعيدا عن أى تدخلات فى الشئون الداخلية أو السياسية.

وتضمنت الوثيقة أسسا جديدة للعلاقات بين الجانبين فى جميع الجوانب السياسية والأمنية والاقتصادية والتجارية والمالية والاجتماعية والثقافية والإعلامية والتعليمية والفكرية.

وبينما لا يملك العرب تصورا موحدا أو حتى تصورات مختلفة لعلاقتهم المستقبلية مع الصين، ترسخ الصين من وجودها الجيوستراتيجى قرب الدول العربية.

قبل أقل من عام افتتحت الصين رسميا أول قاعدة عسكرية خارج حدودها فى دولة جيبوتى، ذات الموقع الاستراتيجى، حيث تشرف على المدخل الجنوبى للبحر الأحمر المؤدى إلى قناة السويس.

من المبكر أن نقول إن الصين ستزيح النفوذ الغربى (أوروبي ــ أمريكي) من الدول العربية لتحل مكانهما فى أى وقت قريب.

ورغم وجود أسس جديدة للقوة الناعمة الصينية، فإن تأثيرها يصبح محدودا للغاية لأسباب مختلفة من أهمها عدم ارتياح العرب شعوبا وحكومات للتعامل مع الصين بقدر ارتياحهم للتعامل مع الأوربيين والأمريكيين.

ربما يرجع ذلك لعوامل تتعلق باللغة وحواجزها، أو ربما يرجع لعدم احتكاك العرب أو اقترابهم من اللغة والثقافة ونمط الحياة الصينى.

لا يعرف العرب بعد عن المؤسسات التعليمية الرائدة فى الصين، على عكس الحال مع الحالة الغربية، ولا يعرفون كذلك أسماء مشاهير الفن والثقافة الصينية فى حين يعرفون نظراءهم الغربيين.

من هنا قد يستمر الميل العربى للغرب فى المستقبل القريب، إلا أنه من سوء التقدير توقع استمرار هذا الاتجاه على المدى الطويل.

نعم تتحدث النخب العربية الإنجليزية وربما الفرنسية بطلاقة، لكن مع ذلك أتطلع قريبا لاستثمار جاد فى مدارس اللغة والثقافة الصينية.

* محمد المنشاوي صحفي يكتب في الشؤون الأمريكية من واشنطن.

  كلمات مفتاحية

الصين الدول العربية مصالح اقتصادية تجارية المحور الصيني الروسي الربيع العربي علاقات عربية صينية الاستثمارات الصينية واردات النفط العربي النفوذ الغربي نمط الحياة الصيني القوة الناعمة