رئاسيات مصر.. «الحشد» معركة «السيسي» وتصويت الخارج «بروفة»

الاثنين 19 مارس 2018 12:03 م

«ترغيب ورهيب».. كانت سمة 3 أيام شهدها تصويت المصريين بالخارج في الانتخابات الرئاسية المحسومة سلفا للرئيس الحالي «عبدالفتاح السيسي»، إذ تتلخص مهمة نظامه في إخراج صورة انتخابية «حاشدة» بها طوابير من الناخبين، غير عابئ بمنافسه المغمور «موسى مصطفى موسى»، الذي يؤيد «السيسي» في الأساس.

أيام التصويت التي صورتها الأذرع الإعلامية لـ«السيسي»، بأنها «عرس ديمقراطي»، تدل على وعي المصريين بالخارج، و«بروفة» لما سيشهده الداخل خلال أيام 26 27 و28 مارس/آذار الجاري، كشفت أن دعوة مصريي الخارج جاءت بأساليب ملتوية، بعيدة عن الانتخابات.

وهو ما يسير في ذات الاتجاه الذي يراه المراقبون بأن التحدي الأكبر أمام النظام المصري ليس في منافسة خصم، لم يكن معروفا قبل ترشحه، وإنما في مواجهة حملات المقاطعة التي قد تشهدها صناديق الاقتراع، خاصة مع حالة الإحباط السياسي والاقتصادي التي يشهدها المجتمع المصري في الآونة الأخيرة.

حشود وهمية

وعلى الرغم من تعظيم أذرع «السيسي» الإعلامية والإلكترونية للمشاركة غير المتوقعة للمصريين في الخارج، ومحاولة الترويج لها بصور وفيديوهات لطوابير طويلة أمام اللجان بالسفارات المصرية بالخارج، تداول ناشطون مقطع فيديو مسربا من سفارة مصر بالعاصمة النمساوية فيينا، لمحاولات تزييف المشاركة، لتبدو وكأنها طوابير طويلة، وحشود حقيقية، ويبدو واضحا من الفيديو القصير أنه «مفبرك».

الفيديو، انتشر على مواقع التواصل وسط سخرية من «المسرحية الانتخابية»، ويبدو فيه صوت مخرج اللقطة واضحا «اللي ورا هيظهر قبل اللي قدام والتصوير هيبدأ من هنا ومش عاوزين يبان إننا بنصور.. وحاولوا تظهروا كأنكم طابور وجايين».

ترغيب

في الوقت نفسه، نشر مصري مقيم بسلطنة عمان، رسالة وصلته عبر البريد الإلكتروني، مكتوب فيها: «أخيرا أكبر تجمع ترفيهي مجاني لأبناء الجالية المصرية (يوم الأسرة المصرية) داخل مقر السفارة وذلك يوم 16 و17 و18 مارس/آذار الجاري، داخل مبنى السفارة المصرية»، وهي ذات أيام التصويت.

في الوقت نفسه، كشفت مصادر داخل الجالية المصرية بالكويت، أن السفارة امتنعت خلال الأسبوعين الماضيين، عن تسليم أي معاملات خاصة بالمصريين هناك، وقال لهم مسؤولو السفارة، إنهم يمكنهم استلام معاملاتهم أيام 16 و17 و18 مارس/آذار الجاري، وهي ذات أيام التصويت.

وتروج السلطات المصرية، وأذرعها الإعلامية، أن حجم الإقبال على التصويت فاق التوقعات، فيما يرى معارضون ومراقبون أن الإقبال كان ضعيفا، إذا ما قيس بالأعداد الكبيرة للمصريين في الخارج.

وسلطت وسائل الإعلام اضوء على نسبة الإقبال في السعودية والكويت، وتجاهلت باقي الدول.

ويبلغ عدد مقار الاقتراع بالبعثات الدبلوماسية والقنصلية المصرية، 139 مقرا في 124 دولة، بحسب بيان لهيئة الانتخابات، دون تحديد عدد الناخبين المسجلين في الخارج.

وتكلفت الانتخابات الرئاسية للجاليات المصرية بالخارج، قرابة 300 مليون جنيه (17 مليون دولار تقريبا)، حسب مسؤول حكومي تحدث لصحيفة «العربي الجديد».

حشود مصطنعة

القيادي بالحركة المدنية الديمقراطية التي دعت لمقاطعة الانتخابات «أمين إسكندر»، رأى أن مشاركة المصريين في الخارج «لا تعبر عن الحشد في الداخل، أو حتى نجاح سياسات السيسي».

وقال «إسكندر»: «حشد المصريين في الخارج معروف كيف يتم، وخير دليل على ذلك ما كتبه أحد المصريين بإحدى دول الخليج عن تنظيم مهرجان وتوزيع هدايا على سبيل إغرائهم للتصويت»، وفقا لما نقله موقع «مصر العربية».

واتفق معه رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي «مدحت الزاهد»، حين قال: «هناك ضغوط تمارس على المصريين بالخارج عن طريق الترغيب والترهيب، وكذلك حشد بعض الشركات للعمال  للتصويت، وكلها اعتبارات لا بد من وضعها في الاعتبار، عند النظر إلى نسب المشاركة».

ونوه إلى أن هناك حاجة لمعرفة عدد الجاليات المصرية الموجودة في الخارج، مقارنة بنسب التصويت، لتحديد نسبة المشاركة الحقيقة، ما إذا كانت كبيرة بالفعل، أم مجرد لجان تم تسليط الأضواء عليها، مؤكدا أنها «مهما كانت ستكون أقل من مثيلتها في 2012 و2014».

حشد الداخل أهم

وأمام مساعي النظام في الحشد بالخارج، تكمن المهمة الرئيسية في حشد الداخل، والذي يستعد له بـ4 كتل تصويتية وفزاعتين ووسيلتين أخريين، للخروج بمشهد يوحي بأن هناك تأييدا شعبيا للنظام، ومشاركة واسعة في التصويت. (طالع المزيد)

لكن جميع تلك الوسائل لم تصل حتى الآن إلى توقعات الأعداد المرضية له، وهو ما دفعه إلى الضغط لحشد أكبر.

كما بدأ النظام المصري في اتخاذ العديد من الإجراءات؛ أملا أن تنقذه من حملات المقاطعة، التي تدعو لها المعارضة، نظرا لما تقول إنها قيود مفروضة على المناخ العام، بما لا يسمح بإجراء انتخابات حرة ونزيهة. (طالع المزيد)

ولم يحدد القانون المصري نسبة معينة كحد أدنى لمشاركة المصريين في الانتخابات للاعتراف بنتائجها.

وتأمل المعارضة في نسبة مشاركة ضعيفة بما يمثل، وفق تقديرها، تشكيكا في شرعية النظام وإحراجا له، فيما تأمل السلطات في مشاركة كثيفة توفر له مساحة للتحرك داخليا وخارجيا.

فيما يخشى «السيسي» من مشهد فراغ اللجان الانتخابية، خاصة أنها تمتد على فترة ثلاثة أيام، حيث تجرى على يوم واحد في معظم البلدان، ما يعطي انطباعا سيئا ومزريا للعملية الانتخابية برمتها، رغم حرصه على عدم منافسته.

كشف ذلك، حديثه قبل أيام عن الانتخابات المقبلة، حين قال إلى الناخبين متعهدا «أن نكون أمناء على كل صوت، انزل وقل لا في الانتخابات، لأن كلمة لا، صورة جميلة عن مصر أيضا».

دعم بالإكراه

وعلى اعتبار أن لافتات الشوارع، هي الملمح الأبرز لانتخابات الرئاسة في مصر، شنت السلطات حملات على المحال التجارية والمطاعم والمقاهي في مختلف المناطق، وأجبروهم على طباعة وتعليق لافتات تأييد لـ«السيسي».

وكلما كبر حجم المحل وذاع صيته، كلما كانت الطلبات أكبر، إذ طلب من صاحب محل «صبحي كابر» الشهير للمأكولات، إغراق محيط تواجده بلافتات التأييد، وهو ما يظهر بوضوح عند زيارة المحل.

وأمام هذا الإلزام، يهدد الأمن أصحاب المحال التجارية بتحرير محاضر بمخالفتهم، إذا لم ينفذوا تعليمات تعليق لافتات دعم «السيسي».

ووفق رصد لـ«الخليج الجديد»، تغيرت معالم الميادين والشوارع الرئيسية، بعدما بدت مليئة بصور ولافتات «السيسي» من أجل «دعم الاستقرار والتنمية»، وهو الأمر الذي أثار موجة من الاستهجان والسخرية لدى قطاع عريض من المواطنين، الذين لا يشعرون بالاستقرار أو التنمية.

وأمام هذا الكم من اللافتات، جاءت السخرية عبر مواقع التواصل الاجتماعي من الانتخابات، التي اعتبروها «مسرحية هزلية». (طالع المزيد)

مشاركة موسمية

معلقا على المشهد، ميز أستاذ علم الاجتماع السياسي والمتخصص في الحركات الاجتماعية والتحول الديمقراطي «زياد عقل»، بين المشاركة الانتخابية الموسمية والمشاركة السياسية التي تتطلب جهدا تراكميا.

وقال «عقل»، إن «المشاركة السياسية عمل لا يمكن إحياؤه بوتيرة مفاجئة بعد فترة انقطاع تدوم نحو 4 سنوات (مدة الرئاسة المحددة وفق الدستور)»، وفقا لوكالة «الأناضول».

وأضاف أن «نسبة إقبال الناخبين تتأثر بطبيعة الحال بعدم الاكتراث الشعبي بالحياة السياسية، وهو ما لا يضمن تأمين نسبة معقولة من المشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة».

وعزا أسباب ضعف الإقبال المتوقع إلى «انعدام التنافسية»، إضافة إلى ضعف شعبية المرشح الآخر مقارنة برئاسيات 2014، التي تنافس فيها مع «السيسي»، اليساري البارز «حمدين صباحي».

وقال «عقل» إن «الحشد الديني إذ تم استخدامه في الانتخابات لن يكون خارج إطار مؤسسات الدولة»، مستبعدا أن تحشد تيارات إسلامية موالية للسلطة للرئاسيات المقبلة.

وفاز «السيسي» في الانتخابات السابقة بـ96.9% من الأصوات، في حين نال منافسه «حمدين صباحي»، الذي اعتبره مراقبون أنه ترشح ليكون ديكورا على 1.4%، وحلت الأصوات الباطلة في المركز الثاني بنسبة 1.7%.

وتعاني مصر في عهد «السيسي»، وضعا اقتصاديا مترديا وارتفاعا كبيرا في الأسعار، وندرة في بعض السلع الاستراتيجية، كما تهاوى الجنيه المصري أمام الدولار، فضلا عن أزمة في قطاع السياحة، وتراجع في تحويلات المصريين بالخارج، وتنامي مؤشرات الفساد وقضايا الرشوة.

ولم تفلح الحكومات المصرية المتعاقبة، منذ الانقلاب العسكري في 3 يوليو/تموز 2013، في تحسين مستوى معيشة المصريين وحل الأزمات المجتمعية المتراكمة وأبرزها البطالة والفقر، رغم الخطط والإجراءات المتعددة التي أعلن عنها النظام المصري في هذا الإطار.

كما تعاني البلاد في ظل حكم «السيسي»، احتقانا سياسيا، وتزايدا في عمليات الاعتقالات والقتل على يد الشرطة خارج إطار القانون، وإجراءات قمعية ضد معارضي السلطة، وفرض قيود على حرية الرأي والتعبير.

  كلمات مفتاحية

رئاسيات مصر رئاسيات مصر 2018 الحشد ترغيب السيسي انتخابات الرئاسة إجبار