«فورين بوليسي»: تركيا وأمريكا بحاجة إلى طريق مشترك بشأن الأكراد

الجمعة 23 مارس 2018 04:03 ص

تعد سوريا اليوم واحدة من أخطر الأماكن في العالم، ونجد أن الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإيران و(إسرائيل)، والنظام السوري، والجيش السوري الحر، والقوات السورية الديمقراطية الكردية، و«حزب الله»، والجماعات المتطرفة من مختلف المشارب، جميعهم لاعبون تتنافس قواتهم العسكرية في ساحة الحرب السورية.

ومع استمرار المذابح في صفوف المدنيين، يلوح خطر كبير بدخول الولايات المتحدة وتركيا في مسار تصادمي في شمال سوريا.

وتتحالف القوات الأمريكية مع فصيل من الأكراد السوريين، وهو وحدات حماية الشعب (واي بي جي)، التي شنت تركيا ضدها هجوما عسكريا مؤخرا.

وقد تحدث اشتباكات بين القوات الأمريكية والتركية في ساحات المعارك في سوريا، ما يضع عضوين في الناتو ضد بعضهما البعض، ويدفع العلاقة بين الولايات المتحدة وتركيا إلى حافة الانهيار.

وتحتاج واشنطن وأنقرة إلى التراجع عن حافة الهاوية قبل أن يفوت الأوان، ولا تزال الولايات المتحدة وتركيا بحاجة إلى بعضهما البعض للمساعدة في استقرار الشرق الأوسط الذي يعاني من الاضطراب.

ومن المؤكد أن الولايات المتحدة وتركيا تواجهان صراع مصالح لا مفر منه في سوريا، ومن حق واشنطن الانحياز إلى شراكتها العسكرية مع وحدات حماية الشعب الكردية، وهي الميليشيا الكردية التي تعتمد عليها لقيادة الهجوم على تنظيم «الدولة الإسلامية».

ولم يكن للميليشيات البديلة ببساطة الوسائل العسكرية اللازمة للقيام بهذه المهمة، وفي نفس الوقت، هناك مبرر قوي لأنقرة في كونها متضررة إلى حد كبير بسبب الدعم الأمريكي لوحدات حماية الشعب، بسبب ارتباطها بحزب العمال الكردستاني، وهو جماعة كردية لطالما شنت هجمات إرهابية انفصالية ضد تركيا.

والآن، بعد أن أصبح تنظيم «الدولة الإسلامية» ضعيفا ومهزوما، يجب على الولايات المتحدة وتركيا العمل بجد معا لإصلاح تلك الحواجز، لكنهما في الواقع يزيدان الأمور سوءا.

وتعمل الولايات المتحدة على تعزيز علاقتها مع وحدات حماية الشعب الكردية، وتعتبر الشراكة معها بمثابة وسيلة للحفاظ على النفوذ الأمريكي في سوريا ما بعد الحرب.

ومع شعورها بالخيانة من جانب واشنطن، تمضي أنقرة قدما في حملتها العسكرية ضد وحدات حماية الشعب في قرية «عفرين» الكردستانية، وتهدد بالتوجه إلى مدينة «منبج» المجاورة، شرق عفرين، مع وجود كبير لكل من قوات حماية الشعب الكردية والقوات الأمريكية، ولقد تسبب الهجوم التركي في تشتيت وحدات حماية الشعب عن المراحل النهائية من القتال ضد تنظيم «الدولة الإسلامية».

الاستثمار في تركيا

وتحتاج الولايات المتحدة وتركيا على وجه السرعة إلى عكس مسارهما، ومع الهزيمة المحتملة لتنظيم «الدولة الإسلامية» قريبا، تستطيع واشنطن البدء في تقليص دعمها لوحدات حماية الشعب، وبدلا من ذلك، تضع الأولويات التركية في المقدمة.

لكن الولايات المتحدة مترددة في التراجع عن دعمها للأكراد، وتشعر بالقلق من أن يؤدي ذلك إلى تقويض قدرتها على الاعتماد عليها في مواجهة النفوذ الإيراني والروسي في سوريا.

لكن واشنطن تبالغ في تقدير قدرتها على الاعتماد على الأكراد كندّ للنفوذ الإقليمي لطهران وموسكو، وتستطيع الولايات المتحدة تحقيق هذه المهمة على أفضل وجه من خلال الاستثمار في علاقتها مع تركيا، ومساعدة أنقرة في توسيع نفوذها في سوريا.

ولا شك في أن الولايات المتحدة لا تستطيع الآن الابتعاد عن الأكراد السوريين تماما، فلقد كانوا حلفاء مخلصين، وتحملوا تضحيات كبيرة في القتال ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، ولكن مع وجود جماعة متشددة تحاول لم شتاتها، ينبغي على واشنطن أن تستعيد الأسلحة الثقيلة التي نقلتها إلى وحدات حماية الشعب لمعركة الرقة، وأن تضغط على المجموعة لسحب مقاتليها، وإعادة السلطة السياسية إلى المجتمعات المحلية في المناطق غير الكردية.

وتحتاج واشنطن إلى الوفاء بتعهدها المتكرر، الذي تم التأكيد عليه الأسبوع الماضي، بتأمين انسحاب مقاتلي وحدات حماية الشعب من «منبج» إلى الجانب الشرقي من الفرات، ويجب على الولايات المتحدة أن توضح للأكراد في سوريا أنها ستساعدهم على تحقيق الاستقلال الذاتي الإقليمي الذي يسعون إليه، فقط إذا تخلوا عن علاقتهم بحزب العمال الكردستاني وحملته الإرهابية ضد تركيا.

وفي المقابل، يتعين على أنقرة التراجع عن هجومها العسكري ضد وحدات حماية الشعب والبدء في الاستثمار في علاقة براغماتية مع أكراد سوريا، تبعدهم عن حزب العمال الكردستاني، وأن تهدف إلى جعلهم أصحاب مصلحة مسؤولين في سوريا ما بعد الحرب.

ومن الناحية المثالية، يجب على «أردوغان» الاستفادة من أوراق اعتماده الوطنية لمواصلة التقارب مع المجتمع الكردي الأوسع، بما في ذلك حزب العمال الكردستاني، وبوجود ما يقرب من 15 مليون كردي داخل تركيا، وملايين آخرين في شمال العراق وسوريا، فإن استراتيجية المواجهة العسكرية لن تؤدي إلا إلى طريق مسدود.

لكن مع احتضان «أردوغان» للقومية العسكرية، بينما ينظر إلى الانتخابات المقرر إجراؤها في العام المقبل، فإنه يفتقر إلى البصيرة اللازمة للاستمرار في التفاوض مع حزب العمال الكردستاني في الوقت القريب.

لكن فتح حوار مع أكراد سوريا يمنح «أردوغان» كلا من الفوز السياسي والاستراتيجي، ويمكنه أن يبرهن بذلك على أنه يتمتع بقدرات دبلوماسية تتماشى مع بريقه وكبريائه، ويمكنه التراجع عن الفوضى الاستراتيجية التي اضطر لها في سوريا.

ومن خلال مهاجمة وحدات حماية الشعب الكردية، تدفع أنقرة المجموعة إلى أحضان حزب العمال الكردستاني، وفي المقابل، فإن التواصل مع أكراد سوريا سيبعدهم عن حزب العمال الكردستاني، وقد يستفيد «أردوغان» من اهتمامهم الشديد بالحصول على الدعم الدولي والشرعية في سعيهم لتعزيز مكانتهم في المشهد السياسي السوري ما بعد الحرب.

ويحتاج «أردوغان» أيضا إلى منطقة عازلة مستقرة على الجانب السوري من الحدود التركية، وذلك للإبقاء على التطرف والعنف في سوريا بعيدا عن بلاده، وتأمين مناطق آمنة يمكن لتركيا من خلالها إعادة اللاجئين السوريين إليها، ومع سيطرة الأكراد على معظم شمال سوريا، تحتاج أنقرة إلى صداقتهم لا عدائهم.

وتعاني أنقرة من العزلة حاليا، مع توتر علاقاتها بأوروبا والولايات المتحدة، إضافة إلى خلافها مع روسيا وإيران ومعظم جيرانها.

ويخسر الغرب تركيا يوما بعد يوم، ويجب أن تكون الخطوة الأولى باتجاه تجنب هذه النتيجة هي أن تتوصل واشنطن وأنقرة إلى طريق مشترك بشأن الأكراد في سوريا.

  كلمات مفتاحية

وحدات حماية الشعب الكردية حزب العمال الكردتساني أنقرة واشنطن غصن الزيتون أردوغان