«ن. تايمز»: لماذا يشعر «السيسي» بالقلق من انتخابات محسومة لصالحه؟

الأحد 25 مارس 2018 07:03 ص

قبل أيام من الانتخابات الرئاسية في مصر، يزين الوجه المبتهج للرئيس «عبدالفتاح السيسي» اللوحات الإعلانية في كل أنحاء مصر.. خصومه في السجن.. ووسائل الإعلام في جيبه.. ومنافسه الوحيد هو سياسي مغمور لدرجة أن العديد من المصريين يكافحون لتذكر اسمه، ولم يكلف نفسه بعمل حملة حقيقية.

وتبدو احتمالات خسارة «السيسي» هي 1 إلى 500، وفق ما يقوله وكيل الرهانات الأيرلندي «بادي باور»، ومعظم مراقبي مصر ينظرون بالفعل لما بعد التصويت الذي يبدأ يوم الإثنين نحو التحدي التالي: هل يستطيع «السيسي» تغيير الدستور لتمديد حكمه بعد الحد الزمني الحالي المتمثل في 8 سنوات؟

توتر غريب

مع اقتراب الانتخابات، يتصرف الرئيس المصري بطرق بدت أحيانا متوترة بشكل غريب، فقد أقال قائد جيشه في أكتوبر/تشرين الأول بالإضافة لرئيس المخابرات في يناير/كانون الثاني، وكانت خطاباته ذات لهجة منزعجة وأحيانا تهديدية، ملقيا اللوم على أعداء غير محددين.

وفي ظل حملة قمع إعلامية شرسة في آخر شهر من الحملة، طردت الحكومة مراسلا بريطانيا دون تفسير، كما أنها سجنت مذيعا تليفزيونيا مؤيداً لـ«السيسي»، باعتبار أنه خرج عن الحد.

وقال «محمد أنور السادات»، وهو مرشح رئاسي خرج من السباق في يناير/كانون الثاني بسبب مخاوف على أمن العاملين في حملته، إن الأمر «محير للغاية»، وأضاف أن «السيسي لديه كل شئ في يده، فلماذا الخوف؟».

يكمن السبب وفقاً لما يقوله الخبراء والدبلوماسيون في القاهرة، في السلطة الحقيقية في مصر، المتمثلة في الجيش والأجهزة الأمنية التي تشكل حجر الأساس بالنسبة لـ«السيسي».

ومع أن التصويت يتوقع أن يكون بمثابة تأييد مسرحي، على غرار ما حدث في الصين وروسيا نهاية الأسبوع الماضي، لكنه كشف عن موجة من السخط داخل المؤسسة الأمنية التي بدا أنها تزعج «السيسي».

وتصاعدت التوترات في المراحل الأولى من الانتخابات عندما تقدم جنرالان سابقان لمنافسة «السيسي»، فسارع للقضاء على محاولاتهما، حيث سجن رجل، بينما قام الثاني، بعد شهر من الاحتجاز، بالتخلي عن طموحاته.

ولكن قلة من المحللين أعطوا الرجلين فرصا حقيقية لهزيمة «السيسي»، الذي يحتفظ بتأييد واسع لسياساته القمعية المتشددة، لكن ردة فعله القاسية على محاولاتهم أثارت تكهنات بوجود دعم لهم من المؤسسة الأمنية، وهذه هي المعارضة الحقيقية التي لا يقبل «السيسي» بوجودها.

فجهاز الأمن الذي أزال سلف «السيسي» في 2013، يشكل التحدي الحقيقي لسلطته، وفقاً لما يقوله «روبرت سبرينجبورج»، الباحث في كلية كينجز كوليدج.

فراعنة أم مماليك؟

غالباً ما يشبه قادة مصر الحديثة بالفراعنة، كقادة أقوياء لدولة منضبطة، وقد شجع «السيسي» هذه الصورة، سواء وهو يقف بشكل ملوكي في مقدمة قارب يمر عبر قناة السويس، أو يلتقط الصور على خلفية من الأهرامات.

لكن هناك مشابهة تاريخية أكثر ملاءمة، وفقاً لما يقوله البعض، تكمن في المماليك، وهم طبقة عسكرية منقسمة حكمت مصر في العصور الوسطى، وقد حكم سلاطين المماليك لثلاثة قرون تقريبا من قلعة القاهرة، لكن تفوقهم استند على عصبة من الأتباع الذين لا يكلّون في سعيهم للأفضلية.

وفي ظل «السيسي»؛ تتمتع دائرة ضيقة من الجنرالات ورؤساء الأمن بسلطة اقتصادية وسياسية واسعة، وتشرف على إمبراطوريات إعلامية وأعمال تجارية سرية، في الوقت الذي تقوم فيه بقمع أية لمحة معارضة.

وتبدو عملية فك رموز العمل الداخلي لهذه الدائرة هو أمر صعب للغاية، وهو يشبه إلى حد ما الكرملين بالنسبة للمسؤولين الغربيين، لكن يبدو أن انتخابات هذا العام قد فتحت شقوقا في الستار على أشياء مخفية.

لم يكن خوض الجنرالين المتقاعدين للانتخابات مفاجأة، فـ«أحمد شفيق» هو قائد سابق للقوات الجوية، خدم لوقت وجيز كرئيس للوزراء في 2011، وترشح للرئاسة في 2012، أما «سامي عنان» الذي قاد الجيش المصري من 2005 إلى 2012، فإنه سبق أن تراجع عن خوض الانتخابات الرئاسية في عام 2014 بعد أن هوجم في وسائل الإعلام الموالية للدولة.

لكنهم هذه المرة، وجه كلا المرشحين انتقادات علنية لـ«السيسي» وحكمه القاسي، وقال «شفيق»، في رسالته بالفيديو لإطلاق حملته، أن «الديمقراطية الحقيقية وحقوق الإنسان الأساسية ليست منحة»، كما قدم السيد «عنان» غصن زيتون للثوار الشباب الذين ساعدوا في الإطاحة بالرئيس «حسني مبارك» في عام 2011، والذين طاردهم «السيسي».

وقد اتهم «عنان» بخرق القواعد العسكرية وأُلقي في السجن، حيث يقول مساعدوه إنه تم استجوابه من قبل ضباط جيش مقنعين، أما «شفيق» فقد تم حجزه في فندق فخم لمدة شهر قبل أن يسحب ترشحه علنا.

وهناك مرشح ثالث مرتبط بالجيش، وهو ضابط تلقى تعليماً أمريكيا يدعى العقيد «أحمد قنصوة»، وقد تلقى محاكمة عسكرية في ديسمبر/كانون الأول وحكم عليه بالسجن ستة أعوام.

وقالت «إيمي هوثورن»، وهي خبيرة مصرية في «مشروع ديمقراطية الشرق الأوسط» إن «محاولاتهم للترشح كانت رسالة للشعب المصري أن السيسي يقوم بعمل سيئ وأن مصر تحتاج لقيادة جديدة، وقد كان هذا مستفزا له للغاية».

ولكن «السيسي» يرفض فكرة أنه دفع المرشحين الآخرين للخروج من السباق، وقال في مقابلة تليفزيونية يوم الثلاثاء: «هذا ليس خطئي، وقد تمنيت أن يكون هناك مرشحون آخرون للناس كي يختاروا من يريدون، لكنهم لم يكونوا مستعدين»

تعزيز للسلطة

مع خروج منافسيه، سعى «السيسي» لتعزيز إنجازاته العسكرية، فقد أعلن عن حملة عسكرية واسعة ضد مقاتلي الدولة الإسلامية في سيناء، وفي الشهر الماضي ارتدى زيه العسكري القديم لفتح مركز قيادة عسكري جديد.

وفي ملاحظات مرتجلة في يناير/كانون الثاني، حذر «السيسي» من أن أمن مصر لن يتعرض للخطر إلا على «جثة الجيش»، وهو بيان بدا يستهدف الكثير من الناقدين في الداخل كما هو الحال بالنسبة للمسلحين.

وزاد «السيسي» أيضا من الضغط على الإعلام، فقد تم سجن صحفي عقد مقابلة مع نائب «عنان» المفترض، وفي الشهر الماضي، طردت الحكومة «بيل ترو»، وهو مراسل في صحيفة التايمز اللندنية، على الرغم من الاحتجاج الخاص من وزير الخارجية البريطاني، «بوريس جونسون»، وتقول المنظمة الإخبارية أنها لم تتلق تفسيرا.

بالنسبة لبعض المحللين، فإن «السيسي» يقوم فقط بتعزيز سلطته بينما يتجه إلى فترة ثانية مدتها أربع سنوات، وعلى الرغم من القمع، فإن العديد من المصريين ما يزالون يدعمونه كبديل للاضطرابات التي عانوا منها بعد الربيع العربي.

دعم قوي ونقاط ضعف

يتحسن الاقتصاد كنتيجة لإصلاحات اقتصادية صارمة، تم وصفها بواسطة صندوق النقد الدولي، حتى لو تسببت في تضخم مؤلم لعشرات الملايين من المصريين الفقراء.

كما يتمتع «السيسي» أيضا بدعم الحلفاء الأجانب الأقوياء مثل الرئيس «دونالد ترامب» وولي عهد السعودية، «محمد بن سلمان»، الذي قام بزيارة «السيسي» لمدة ثلاثة أيام هذا الشهر، كما أنه اقترب أكثر من عدو مصر القديم، (إسرائيل)، وذلك من خلال التعاون الدقيق قي عمليات مكافحة الإرهاب في سيناء.

لكن «السيسي» اتخذ العديد من القرارات المثيرة للجدل، وقال دبلوماسي غربي كبير في القاهرة، إن دور الجيش البارز في إدارة الاقتصاد لا يحظى بشعبية لدى رجال الأعمال وبعض الضباط العسكريين.

وهناك أيضاً قرار تسليم جزيرتي تيران وصنافير للسعودية عام 2016، الذي عارضه عدد من كبار مسؤولي الدفاع، وفق ما قالته «هاوثورن»، مستشهدة بتقارير وسائل إعلام مصرية.

وأضافت: «أعتقد أنها نقطة ضعف للسيسي، يمكنه أن يحاول تجاوزها، لكن الناس لا ينسونها».

على الرغم من أن «السيسي» واجه معارضة داخل الجيش من قبل، فقد نقلت أنباء في 2015 عن محكمة أدانت 26 ضابطاً بتهمة التآمر للإطاحة به، فإن الخبراء يقولون إنه يُعتقد أن يتمتع بدعم قوي بين القيادة العسكرية العليا.

لكنهم يشيرون أيضا إلى إنه يضيق دائرته الداخلية ويعتمد أكثر على عائلته، فأحد أبنائه، «محمود»، وهو شخصية بارزة في دائرة المخابرات العامة، وكان أحد المحاورين في الاجتماعات مع المسؤولين الأمريكيين في واشنطن، وهناك ابن آخر يعمل في هيئة مؤثرة لمكافحة الفساد.

رئيس للأبد؟

ولكن مهما كانت شعبية «السيسي»، فإن هذه الانتخابات ليست مؤشرا يمكن الاعتماد عليه، فقد قاطعتها المعارضة المصرية الضعيفة والممزقة، كما أن جماعة «الإخوان المسلمون» -وهي جماعة إسلامية تمتعت بالسلطة لوقت وجيز حتى الاستيلاء العسكري على السلطة في 2013 - هي اليوم جماعة محظورة.

ويبقى المنافس الوحيد لـ«السيسي»، هو «موسى مصطفى موسى»، الذي لم يعقد إلا مناسبتين فقط علنا، أحدهما كان عدد حضور الصحفيين فيهما أكثر من المؤيدين، وقد قال بإصرار لصحيفة الجارديان هذا الأسبوع: «أنا لست دمية».

وفي يوم الأربعاء اتصل «السيسي» بالرئيس الروسي «فلاديمير بوتين»، لكي يهنأه على انتصاره في الانتخابات في نهاية الأسبوع الماضي، كما هنأ «تشي جين بينغ» الصيني على انتخابه بالإجماع في المؤتمر الشعبي الوطني.

كلا الزعيمين وجدا طريقة للالتفاف على نهاية المدة، وهناك علامات على طموح مماثل لـ«السيسي».

وفي أغسطس/آب الماضي، اقترح عضو في البرلمان موالٍ لـ«السيسي» تعديلاً في الدستور لتمديد المدة، وفي نوفمبر/تشرين الثاني أصر «السيسي» أنه لن يسعى لأية تغييرات.

أما «السادات»، وهو معارض سياسي وابن أخ يحمل الاسم نفسه للرئيس المصري الأسبق، فقد قال إن ائتلافا واسع النطاق من جماعات المعارضة بدأ في البحث عن مرشح لخوض الانتخابات في عام 2022، حيث يتوقعون أنه سيواجه «السيسي» مرة أخرى إذا حدثت التغييرات الدستورية المقترحة.

وقال إن «السيسي يكره السياسة وهذا ما نراه في هذه الانتخابات، ما يقلقني هو ما الذي سيحدث بعد ذلك، هل سنرى نموذجاً صينياً؟ هذه هي القضية».

المصدر | نيويورك تايمز

  كلمات مفتاحية

مصر السيسي الانتخابات الرئاسية تعديل الدستور أحمد شفيق سامي عنان