صديق لكل الأعداء.. براغماتية «البشير» تجدد علاقات السودان الإقليمية

الأربعاء 28 مارس 2018 11:03 ص

بدا السودان في الفترة الأخيرة كأنه محل سباق بين المحاور الإقليمية المتنافسة، فتارة يقيم مشروعات مع تركيا، وتارة أخرى يعيد علاقاته مع مصر، ويبرم اتفاقيات اقتصادية مع قطر ودول حصارها في آن واحد.

السياسية السودانية الجديدة ووقوف الخرطوم في دور المحايد وعدم تبنيها وجهة نظر محددة، تجعل منها لاعبا إقيليميا مهما تحاول جميع الأطراف التعاون معه.

قطر ودول الحصار

وقف السودان محايدا في أعقاب الأزمة الخليجية، حيث وصف قطع الرياض والمنامة وأبوظبي علاقاتها مع الدوحة، في الخامس من يونيو/حزيران الماضي، بـ«التطور المؤسف بين دول عربية شقيقة وعزيزة على قلوب السودانيين والأمة العربية».

كما أعربت الخرطوم حينها، عن استعداداها لـ«بذل كل الجهود لتهدئة النفوس ووقف التصعيد وإصلاح ذات البين، لإعادة الأمور إلى وضعها الطبيعي، بما يحقق المصالح العليا لشعوب المنطقة».

وفي الجانب الاقتصادي، تشهد علاقات السودان مع قطر تطورا كبيرا، فقد وصلت قيمة استثماراتها الآونة الأخيرة في السودان إلى مليارات الدولارات ولا يزال الرقم في تصاعد.

ووقعت كل من قطر والسودان صفقة بقيمة 4 مليارات دولار لتطوير ميناء سواكن شمال شرقي السودان، بحسب «بي بي سي» عربي.

وتعتبر قطر هذا المشروع بوابتها إلى أفريقيا، كما ستشمل استثمارات قطر في السودان تأهيل آثار النوبة في ولايتي نهر النيل والشمالية، وإنشاء 5 مجمعات خدمية نموذجية في دارفور، وتوفير الكهرباء للمناطق السكنية والصناعية والزراعية والتعدينية، والإكثار من مشاريع البنى التحتية

وعلى الجانب الآخر، كانت السعودية أكبر مستثمر عربي في السودان خلال العام 2016، باستثمارات تقدر بنحو 15 مليار دولار، وتتركز تلك الاستثمارات على الأعلاف والقمح والذرة؛ أي أنها منتجات تهم المملكة، سواء للأمن الغذائي للإنسان أو للحيوان، في حين تدعم في الوقت ذاته اقتصاد الخرطوم الهش.

عسكرياً تطور التحالف السعودي- السوداني، وترتب عليه إعلان الرئيس السوداني انضمام بلاده للتحالف العربي بشكلٍ رسميٍ براً وجواً، منذ مارس/آذار 2015، وشارك بنحو ألف جندي في اليمن، متعهداً بنشر كتيبة قوامها 6 آلاف جندي إن دعت الحاجة لذلك، قبل أن يعلن تضامنه مع السعودية وقطع العلاقات مع إيران على خلفية أزمة السفارة، في 4 يناير/كانون الثاني 2016.

قوبلت تلك الخطوات السودانية بترحيب سعودي كبير، ووجه ملك السعودية حكومته وصناديق التمويل والمستثمرين السعوديين بتقديم الدعم الكامل للسودان في المرحلة المقبلة.

وكثيرا ما روجت وسائل الإعلام السعودية لما تصفه بالدور المؤثر للمملكة في القرار الأمريكي برفع بعض العقوبات التي كانت مفروضة منذ سنوات على السودان.

وفي السياق، أعلنت الإمارات العربية المتحدة منتصف الشهر الجاري عن دعم احتياطيات العملات الأجنبية في بنك السودان المركزي بإيداع نحو 1.4 مليار دولار، مقدمة من صندوق أبوظبي للتنمية، حسب وكالة الأنباء السودانية.

ومول الصندوق 17 مشروعا تنمويا في مجالات النقل والمواصلات والطاقة والمياه والري إضافة إلى دعم احتياطيات العملات الأجنبية في بنك السودان المركزي بإيداع نحو 5 مليارات درهم إماراتي (1.4 مليار دولار).

وقال مدير الصندوق: «إننا في دولة الإمارات العربية وصندوق أبوظبي للتنمية نتطلع بكل فخر واعتزاز لمستوى العلاقات الوطيدة والشراكة الحقيقية مع الحكومة السودانية»، مضيفا: «نحن اليوم بفضل توجيهات قيادتنا الرشيدة مستمرون في شراكتنا مع أشقائنا في الحكومة السودانية من خلال دعم البرامج ذات الأثر الإيجابي علي الاقتصاد».

مصر وتركيا

تخشى القاهرة من أن تتحول الجزيرة الواقعة على الساحل الغربي للبحر الأحمر، بموجب الاتفاق المبرم بين الخرطوم وأنقرة، ديسمبر/كانون الأول الماضي، إلى قاعدة عسكرية تركية تشكل تهديدا أمنيا لها.

وبلغ حجم التبادل التجاري السنوي بين البلدين 500 مليون دولار، لكن «أردوغان» تعهد بزيادة استثمارات بلاده إلى مليار دولار كخطوة أولية وتمهيدية للوصول إلى 10 مليارات دولار.

وعبرت دوائر دبلوماسية واستخباراتية في مصر، عن غضب مكتوم إزاء الاتفاق القطري السوداني لتأهيل ميناء سواكن، المطل على البحر الأحمر، شرقي السودان، بقيمة 4 مليارات دولار.

واعتبرت الصحف المصرية أن هذه الخطوة محاولة لتطويق مصر والتأثير على مصالحها في البحر الأحمر.

ووصف مساعد وزير الخارجية المصري السابق السفير «جمال الشوادفي»، الاتفاق بأنه «صدمة حقيقية لمصر»، متهما الخرطوم بعدم مراعاة المصالح المصرية وتهديد الأمن القومي المصري في البحر الأحمر.

وتشهد العلاقات المصرية السودانية من وقت لآخر تباينات في وجهات النظر ومشاحنات بين إعلاميي البلدين على خلفية قضايا خلافية منها النزاع على مثلث «حلايب وشلاتين وأبورماد» الحدودي، والموقف من «سد النهضة» الإثيوبي.

ورغم هذه الملفات الخلافية بين القاهرة والخرطوم، غير أن لغة التهدئة كانت هي الحاضرة خلال الأشهر الماضية، خاصة مع عودة السفير السوداني للقاهرة.

وتوقع سفير السودان في القاهرة أن تشهد الفترة المقبلة حراكا جادا حقيقيا متواصلا لتعزيز العلاقات بين البلدين فى جميع المجالات، وليس فقط لحل القضايا العالقة.

الولايات المتحدة وروسيا

سباق آخر بين أكبر قوتين إقليميتين في العالم على إقامة العلاقات مع الخرطوم، ويأتي هذه المرة بين الولايات المتحدة وروسيا.

أعلن المكتب الصحفي لشركة «روس آتوم» الروسية للطاقة، أن روسيا والسودان، وقعا اتفاقية حول تطوير مشروع لإنشاء محطة كهروذرية على الأراضي السودانية. 

ووقعت الاتفاقية عن الجانب الروسي، شركة «روس آتوم أوفرسيز» التابعة للشركة الأم «روس آتوم»، وعن الجانب السوداني، وزارة الموارد المائية والري والكهرباء.

ووقع السودان مع روسيا، في الخرطوم، 5 اتفاقات، في مجال الطاقة، وفي مجال البحوث والتدريب الجيولوجي، وفي استخدام التقنيات الحديثة بدلا من الزئبق، وفي مجال التعليم لإتاحة فرصة للكوادر السودانية بالدراسة في روسيا، وفي مجال نقل التقنية للقطاع الخاص السوداني.

كما تدرس روسيا الاستثمار بقطاع المعادن في مشروع على البحر الأحمر مشترك بين السودان والسعودية.

من جانبه، قال والي البحر الأحمر في السودان، «علي أحمد حامد» إن بلاده تطمح لاستقطاب الآلاف من السياح الروس في الفترة القادمة، مشيرا إلى أن الرئيس «عمر البشير» أصدر قرارات مهمة بهذا الشأن.

وكشف «حامد» أن هناك خطوة ستجعل مئات آلاف الروس يفدون للسودان وهي دخول شركات روسية كبيرة لبناء منتجعات سياحية، مضيفا: «نتوقع إقامة منتجع روسي كبير جدا على ساحل البحر الأحمر تقيمه إحدى الشركات الروسية نأمل أن يبدأ العمل مع انطلاقة الموسم في شهر أكتوبر/تشرين الأول أو نوفمبر/تشرين الثاني».

وعلى الجانب الآخر، تسعى الخرطوم إلى استكمال رفع العقوبات والوصول إلى التطبيع الكامل مع واشنطن التي ترهن ذلك بتعاون الخرطوم على عدد من الأصعدة منها التنسيق الاستخباراتي لمكافحة الإرهاب الجهادي.

وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ألغت واشنطن عقوبات استمرت زهاء 20 عاما على السودان، غير أنها لم ترفع اسمع البلاد من قائمة الدول الراعية للإرهاب.

وأكد وزير الدفاع السوداني «الفريق أول ركن، عوض محمد أحمد بن عوف، حِرْص حكومة السودان على تطبيع العلاقات الاستراتيجية مع واشنطن وتطويرها في الاتجاه الذي يخدم المصالح المشتركة بين البلدين».

جاء ذلك لدى استقبال الوزير للملحق العسكري الأمريكي الجديد المقدم «آدم ماثيو كورديش»، الذي قدم أوراق اعتماده خلفا للملحق السابق المقدم «جورن بونق».

واستعرض الجانبان تاريخ العلاقات بين البلدين وأشكال التعاون التي كانت بدايتها عام 1958؛ حسبما ذكرت وكالة (سونا) للأنباء.

ومن جانبه، أمّن الملحق العسكري على أهمية العلاقة بين البلدين، ووعد ببذل كل جهد ممكن لتعزيزها والسعي قدماً في إكمال مسارات خطة الارتباط المشتركة بين الخرطوم وواشنطن.

تغييرات سودانية داخلية

وتتزامن السياسة الخارجية السودانية مع حزمة من القرارات الداخلية، للرئيس السوداني تم بموجبها إجراء تغييرات واسعة في القيادات العليا بالقوات المسلحة، لكن أبرزها كان تعيين الفريق ركن «كمال عبدالمعروف الماحي» رئيسًا للأركان المشتركة للجيش، خلفًا للفريق أول ركن «عماد الدين مصطفى عدوي».

قبلها بيوم واحد، أعلنت قوى المعارضة عودتها لتنظيم تظاهرات الاحتجاج ضد غلاء الأسعار، إضافة إلى اعتصامات ومظاهرات، تمهد لإسقاط النظام، وفق تصريحات الأمين العام لحزب الأمة القومي «سارة نقدالله» التي خرجت لتوها من السجن بقرار رئاسي.

وكانت بداية القرارات الرئاسية الساخنة والمثيرة في 11 فبراير/شباط الماضي، بتعيين الفريق «صلاح قوش» مديرا عامًّا لجهاز الأمن والمخابرات الوطني، وذلك بعد إعفائه من هذا المنصب عام 2009، قبل أن يعتقل ويسجن سبعة أشهر، بتهمة المشاركة في محاولة انقلابية ضد «البشير».

وتبدو الأزمة الاقتصادية في مقدمة ما يشغل السلطات السودانية، والتي ربما دفعت «البشير» إلى بعض قراراته سالفة الذكر، خاصة المتعلقة منها بالناحية الأمنية، رغم أن المنطق يشير إلى مسؤولية وزارات أخرى مختصة بالأزمة.

وبحسب متابعين، فإن «البشير» يحاول أن تكون خطواته أسرع بكثير من خطوات خصومه، وكما قام بتقليم أظفارهم من قبل على مدار سنوات حكمه، يحاول تكرار المسألة بقدر أعلى من الحرفية لأن المنتمين إلى الحركة الإسلامية في السودان بفروعها المختلفة استوعبوا دروس الماضي وبدأوا خطوة مواجهة «البشير» لذا فقد جاء «البشير»، بمن يعرفون خفاياهم وقام بتصعيدهم.

وفي كل الأحوال ستظل جدوى القرارات الأخيرة الذي اتخذها «البشير»، داخليا وخارجيا، موضع اختبار خلال الفترة الفترة المقبلة، في انتظار ما تخفيه الأيام القادمة للسودان.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

السودان عمر البشير مصر تركيا قطر دول الحصار روسيا العلاقات السودانية الخارجية