هل تحفز الأزمة الخليجية عقدا اجتماعيا جديدا في قطر؟

الأربعاء 28 مارس 2018 01:03 ص

يوما بعد يوم، تتزايد الدلائل حول صعوبة إيجاد حل أزمة الخليج خلال وقت قريب.

وفي الواقع، شهدت الأسابيع الأخيرة المزيد من مظاهر التصعيد؛ حيث تبادلت قطر والإمارات اتهامات تتعلق بانتهاكات للمجال الجوي، واعتراض طائرات مدنية.

وكانت الولايات المتحدة تتطلع إلى توطيد علاقاتها الوثيقة مع اللاعبين على جانبي الفجوة الخليجية، كما أثبتت ذلك مع قطر أولا، عبر الحوار الاستراتيجي في يناير/كانون الثاني.

وبينما تسعى إدارة «دونالد ترامب» إلى استضافة قمة خليجية، يبدي الخصوم الخليجيين القليل من الرغبة في التوصل إلى حل وسط.

وعلى وقع فشل جهود الوساطة الكويتية، التي بلغت ذروتها في عقد قمة لمجلس التعاون الخليجي في 5 ديسمبر/كانون الأول 2017 وصفت بـ«المختصرة» لاختصار مدتها في ساعات قليلة، انتاب الاحباط جميع الراغبين في دفع جهود المصالحة الخليجية.

وعوضا عن ذلك، يسعى اللاعبون الرئيسيون في الخليج إلى ترتيبات بديلة، ومن ذلك الإعلان عن شراكة استراتيجية جديدة بين السعودية والإمارات.

وفي خطاب لأمير قطر، «تميم بن حمد»، في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، أمام مجلس الشورى، أشار إلى قبول صريح لما أسماه بـ«مرحلة جديدة في العلاقات بين دول الخليج».

وتواجه قطر التحديات من قبل دول المقاطعة (السعودية-البحرين-الإمارات-مصر) بشكل طبيعي على الصعيد الدبلوماسي والاقتصادي؛ حيث تتعلم كيفية الحفاظ على التحالفات الرئيسية، وبناء شراكات استراتيجية جديدة، مع إجراء تعديلات جوهرية على البنية التحتية والسياسة والاقتصادية في قطر.

ومن الناحية الجيوسياسية، عملت قطر على تقوية علاقاتها الوثيقة وتفاهماتها مع الولايات المتحدة والقوى الأوروبية، في الوقت الذي تعمل فيه على موازنة مقاطعة الرباعي من خلال التنسيق الأوثق مع تركيا.

وشملت الخطوات القطرية، مبادرات اقتصادية بارزة، بينها المنطقة الصناعية الجديدة، وفتح ميناء حمد، وعدد من المشاريع الجديدة لتعزيز الأمن الغذائي والمائي.

ويبقى الأقل مناقشة الآثار الاجتماعية والسياسية المحلية، وكيف تؤثر المقاطعة المستمرة على علاقات القيادة القطرية مع مواطنيها وسكانها.

وهناك تسويتان ملحوظتان في قطر يستحقان النظر إليهما، وهما التحضير المستمر لانتخابات المجلس الاستشاري، وبحث مشروع قانون يقنن الإقامة الدائمة.

ورغم تقرير حديث لـ«هيومن رايتس ووتش» يشير إلى أن الأزمة الخليجية تحفز إصلاحات تقدمية رئيسية، إلا أنه من غير المحتمل أن تتخذ قطر إجراءات محفوفة بالمخاطر ودراماتيكية داخل بيئة الأزمة الحالية.

انتخابات حرة لأول مرة منذ فترة طويلة

ورافقت المقاطعة الدبلوماسية التي قامت بها دول الحصار إجراءات إضافية تهدف إلى تعطيل التوازن السياسي داخل قطر.

وخلال العام الماضي، كان على الإمارة الصغيرة أن تتعامل مع المبادرات التي يبدو أنها تستهدف وحدتها الملكية والقبلية وتقوض شرعيتها الدينية.

وكانت السعودية مصدر معظم هذه الحملات التي تعتمد على وسائل الإعلام، والتي ساهمت فيها علاقات المملكة مع العائلة المالكة القطرية المعارضة، والقبائل عبر الحدود، إلى جانب سلطتها الدينية.

واضطرت القيادة القطرية إلى تفادي وساطة أحد المعارضين في العائلة المالكة، الذي حاول تسهيل مرور الحجاج القطريين إلى مكة المكرمة، وهددت بحذف اسم عائلته من المسجد الرئيسي في قطر.

وكإحدى الوسائل لمواجهة قطر هذه الأعمال، حاولت الدوحة تقوية الروابط بين القطريين وقيادتهم من خلال توسيع الحقوق السياسية.

وفي الواقع، كانت هناك شائعات بأن قطر ستنفذ في النهاية الخطة التي تمت مناقشتها منذ فترة طويلة (التي طال تأجيلها) بالسماح بإجراء انتخابات لثلثي مجلسها الاستشاري.

بيد أن الأمر لم يتطور إلى إعلان واضح رغم تأكيدات الحكومة أنها تواصل التحضير للانتخابات، بما في ذلك صياغة التدابير التشريعية التي سيتم تسليمها إلى المجلس خلال العام.

وسيكون إجراء الانتخابات بمثابة خطوة  جريئة ضد حملة الحصار، التي سعت صراحة إلى فصل الشعب القطري عن قيادته.

وسيكون السماح للجمهور بالذهاب إلى صناديق الاقتراع تعبيرا عن الثقة بأن الأمير الشاب يحظى بتأييد شعبه.

لكنها ستكون أيضا خطوة محفوفة بالمخاطر؛ نظرا للشكوك التي تحيط بخطط التمكين التشريعي والمشاركة السياسية الشعبية.

وكانت الخطة الأولية للانتخابات جزءا من حزمة الإصلاحات التي وضعها الأمير السابق، «حمد بن خليفة آل ثاني»، بعد تسلم السلطة من والده عام 1995.

وآنذاك، كان الأمر أيضا محفوفا بتحديات ومخاطر مماثلة، وكانت الإصلاحات وسيلة لحشد الاهتمام الدولي والدعم الشعبي.

ورافق ذلك وعد بفتح باب أوسع للانتخابات، واعتماد تمكين المرأة، وتوسيع نطاق الحريات الإعلامية، بما في ذلك إنشاء قناة الجزيرة.

وبمجرد أن أصبح حكم الأمير «حمد» آمنا، تضاءل حماس حكومته للديمقراطية.

واقتصرت الانتخابات على المجلس البلدي، الذي ظل مجرد هيئة استشارية.

وعبر زيارات متعددة خلال العقد الماضي إلى وزارة الداخلية، التي تشرف على الانتخابات، اتضحت الأفكار حول القضايا التي ساهمت في التأخير المتكرر لانتخابات المجلس الاستشاري، وعلى رأسها كيفية بناء الدوائر الانتخابية التي من شأنها أن تسفر عن توازن «عادل» للتمثيل القبلي.

ويتضح هذا الاهتمام نفسه بالسياسات القبلية في اعتماد قانون الجنسية لعام 2005 في قطر، الذي حد من الحقوق السياسية للقبائل الوافدة، مما يحرمها من التصويت في أي برلمان منتخب في المستقبل.

وتعد الحقوق السياسية المتباينة بين المواطنين وصعوبة تنظيم التوازن القبلي شاهدا على المخاطر السياسية لفتح الإمارة الباب أمام انتخابات الهيئة المخولة دستوريا لاستجواب الوزراء، خاصة في الوقت الذي توجد فيه محاولات خارجية لتسييس أعضاء القبائل.

وقد تختار قطر أن تسلك الطريق الأسهل مثل دولة الإمارات بدلا من الكويت، بأن يكون التمثيل من خلال التعيينات في المجلس الاستشاري.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2017، عين الأمير لأول مرة 4 نساء في المجلس.

«البطاقة الخضراء» القطرية

وبينما تواصل قطر النظر في الانتخابات، قامت أيضا بتطوير خطط لتوسيع الحقوق لمجموعة مختارة من السكان غير القطريين، الذين يشكلون أكثر من 85% من السكان.

ففي أغسطس/آب 2017، أقرت قطر مشروع قانون ينص على إتاحة الإقامة الدائمة، أو ما يسمى في الولايات المتحدة بـ«البطاقة الخضراء».

ويشمل أولئك المؤهلون للإقامة الدائمة أبناء الأمهات القطريات، وأولئك الذين قدموا خدمة وطنية استثنائية، ومن لديهم مواهب خاصة تحتاجها الدولة.

ومن شأن الإقامة الدائمة أن تمنح أصحابها الفوائد الكاملة لنظام الرعاية الاجتماعية، بما في ذلك التعليم والرعاية الصحية، وكذلك الأولوية في توظيف الدولة بعد المواطنين القطريين.

وتعتبر قطر أول دولة خليجية تنشئ صراحة هذه الفئة القانونية الجديدة، رغم أن الإمارات سمحت لأبناء الأمهات الإماراتيات بالتقدم للحصول على الجنسية، وشجعت نظام تأشيرة جديد لجذب المواهب غير العادية، كما أشار ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان» إلى احتمال النظر في إنشاء «البطاقات الخضراء» في المملكة في غضون 5 أعوام.

وقد تكون دول الخليج التي تسعى إلى تشجيع الاستثمار الأجنبي وتنويع اقتصادها بشكل أعمق، بحاجة إلى التفكير في طرق جديدة لجذب المساهمين الأجانب وحفظ الاقتصاد.

وفي الواقع، أشار المحلل القطري «محمد صلاح المسفر» إلى أن الإقامة الدائمة كانت قيد المناقشة في قطر قبل بدء أزمة الخليج.

ومع ذلك، يعد الحذر الذي تتبعه دول الخليج في هذه الخطوة منطقيا بسبب حساسية الأمر بالنسبة لمواطني الخليج.

ويعد فتح الباب أمام منح الجنسية لأبناء الأمهات القطريات تحركا ذكيا وشعبيا؛ كونه يعالج مباشرة معضلة الأسر القطرية، حيث يتزوج عدد كبير منهم من مواطنين خليجيين آخرين.

ومثلت حملة المقاطعة ضد قطر اختبارا للولاء الاقتصادي، وربما السياسي، لهذه العائلات الخليجية.

ومع ذلك، فبينما يؤدي فتح الباب أمام الإقامة الدائمة إلى تقوية الروابط مع المقيمين الأجانب، إلا أنه قد يثير عدم ارتياح داخل الدوائر الرئيسية للمواطنين القطريين.

وفي قطر، كما هو الحال في دول الخليج الأخرى، يحرص العديد من المواطنين بشدة على عدم مشاركة إعانات الدولة السخية التي يتلقونها، ويقلقون بشأن تأثير المقيمين الأجانب على الثقافة والقيم المحلية.

وأظهرت الإجراءات التي اتخذتها قطر مؤخرا، كما برز في خطاب الأمير أمام المجلس الاستشاري مؤخرا، عزم الإمارة الصغيرة على التكيف مع البيئة الخليجية المتغيرة، من خلال تعزيز تحالفاتها الأجنبية، واستقلالها الاقتصادي، ومؤسساتها السياسية.

لكن في حين قد تعجل أزمة الخليج بإعادة التوازن الجيوستراتيجي وإعادة الهيكلة الاقتصادية، فإن أي تعديلات على العقد الاجتماعي الحساس بين حاكم قطر والمواطنين سيتم التحرك نحوها بحذر.

المصدر | كرسيتين سميث ديوان - لوفير

  كلمات مفتاحية

قطر الأزمة الخليجية حصار قطر