أرواح شهداء الربيع العربي تطارد الانتخابات «الهزلية» في مصر

الخميس 29 مارس 2018 10:03 ص

في ميدان التحرير، حيث تجمع مئات الآلاف من المصريين يهتفون لأجل الديمقراطية يوما ما، عرضت شاشة تلفزيون عملاقة مقاطع فيديو أظهرت دبابات وجنود مصريين وخطبا للرئيس «عبد الفتاح السيسي».

وأغرقت لافتتات انتخابية تحمل صورة «السيسي» المنطقة، بينما كان أنصاره يلوحون بالأعلام الوطنية، ويرقصون على وقع الموسيقى الوطنية، التي تنطلق من مكبرات الصوت المحمولة على مركبات، حسب تقرير لصحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية.

وبالنسبة لأي شخص يراقب المشهد، كانت الرمزية واضحة، أن الثورة قد ماتت، وأن السلطوية هي المسيطرة الآن.

ومع إغلاق صناديق الاقتراع، مساء الأربعاء، منهية الانتخابات المصرية التي دامت 3 أيام، لم يكن لدى أي شخص في أكبر دولة في العالم العربي من حيث عدد السكان، أي شك حول من سيفوز.

فقد تم توقيف جميع من أظهروا نية لتحدي «السيسي» في سباق الانتخابات، أو تم ترهيبهم أو الضغط عليهم للانسحاب.

وحتى مع عدم وجود منافسة حقيقية، قدم الموالون لـ«السيسي» والسلطات المحلية الطعام والنقود والوعود بالخدمات البلدية للناخبين، في محاولة للوصول إلى نسبة عالية للتصويت، وفقا لناخبين وصحفيين مصريين ومراقبين أجانب. وكان الهدف هو منح الشرعية لانتصار «السيسي» المحسوم.

وأكدت الانتخابات الانشقاقات الموجودة في المجتمع المصري.

فكثير من المصريين في العشرينات والثلاثينات من العمر قالوا في مقابلات إنهم لا ينوون التصويت، مشيرين إلى استيائهم من القمع المستشري، وإجراءات التقشف الاقتصادي، وارتفاع معدل البطالة.

ومن هؤلاء «شمس الدين» (مهندس/28 عاما) الذي قال: «ظننت أنني سأكون متحمسا لهذه الانتخابات بعد 7 أعوام من ثورة يناير/كانون الثاني، لكنني بالتأكيد لست كذلك. لماذا أصوت في انتخابات تم قبلها سجن اثنين من المرشحين، وتعرض آخرون للترهيب، بينما يتم سجن الآلاف من المعارضين؟».

في المقابل، قال كثير من المصريين في منتصف العمر وكبار السن إنهم صوتوا لصالح «السيسي»، وأشاروا إلى جهوده في مكافحة الإرهاب وتعزيز الاقتصاد وتحقيق الاستقرار والأمن للبلاد.

و«محمد شعبان» (44 عاما)، أحد الذين يمثلون الفئة الأخيرة؛ حيث قال إنه صوت لصالح «السيسي»؛ لأنه لا يريد أن تعود البلاد إلى الاضطرابات السياسية والاقتصادية التي ظهرت بعد ثورة 2011، التي أطاحت بالرئيس الأسبق «حسني مبارك».

وفي 2013، تمت الإطاحة بـ«محمد مرسي»، وهو إسلامي تم انتخابه رئيسا، في انقلاب عسكري قاده «السيسي»؛ ما أثار موجة من العنف والفوضى. ومنذ انتخابه في 2014، سجن «السيسي» آلاف الإسلاميين، واعتبر آخرين من المعارضة أعداءً للنظام.

وقال «شعبان»، وهو مهندس بترول يعيش في حي راق بالقاهرة، إنه «يشعر بالأمان الآن أكثر من ذي قبل. لقد رأيت ما حدث في عام 2011 خلال الثورة. لقد كنا في الشوارع ندافع عن مبانينا وعائلاتنا. ولا أعتقد أن بلدنا في هذا الوقت يحتاج إلى ثورة أخرى».

ويقول محللون إن «السيسي» أزال بشكل كبير التهديدات ضد حكمه، ويعود ذلك بدرجة كبيرة لأن الجيش المصري القوي كان منزعجا لانفتاح مبارك على الإسلاميين وغيرهم من المعارضين، وخضوعه للضغوط الغربية بإجراء انتخابات عام 2005.

وعلى مدار العام الماضي، حجبت الحكومة مئات المواقع على الإنترنت، بما في ذلك معظم وسائل الإعلام المستقلة. وتم القبض على العديد من المعارضين، أو «اختفوا قسرا» على يد نظام أمن الدولة في مصر.

وفي آخر يوم ممكن للتنافس، أعلن منافس «السيسي» الوحيد، «موسى مصطفى موسى»، ترشحه.

ويُنظر إلى انضمام «موسى» للانتخابات -على نطاق واسع- على أنه محاولة من جانب الحكومة لإضفاء صورة الديمقراطية على التصويت.

وكان من الصعب العثور على لافتتات انتخابية لحملة «موسى»؛ فالرجل رفض حتى التفكير في إجراء مناظرة مع «السيسي»، قائلا إنه لا ينوي تحديه.

وأمضى الموالون لـ«السيسي» الأيام الثلاثة الماضية في محاولة لتعزيز مشاركة الناخبين.

ويقول محللون إن نسبة مشاركة تبلغ 45% على الأقل -قريبة من انتخابات عام 2014- ضرورية لكي تتمتع الانتخابات بالمصداقية.

ومن المتوقع ظهور النتائج الرسمية للانتخابات، الإثنين المقبل، إن لم يكن في وقت سابق.

وفي بعض الحالات، كانت الجهود الرامية إلى تعزيز التصويت علنية.

ففي محافظة القليوبية (دلتا النيل/شمالا) تم إخبار مواطنين بأنهم سيحصلون على رحلات للعمرة والحج إذا تجاوزت نسبة الإقبال 40% في مناطقهم، كما ستحصل كل أبرشية كنيسة على 5 آلاف و700 دولار إذا تجاوزت المحافظة ككل نسبة الإقبال البالغة 40 بالمائة.

وفي بعض مراكز الاقتراع، طلبت حملة «السيسي» ختم بطاقات الناخبين التي تؤهلهم لحزم الغذاء (التموين) مقابل التصويت، حسب قول «حسن حسين»، وهو صحفي محلي قال إنه شاهد مثل هذه الحوادث.

وأضاف أن أحد رجال الأعمال المعروفين وزع دجاجتين على كل شخص مقابل صوته.

وفي حالات أخرى، كان الدفع أكثر سرية.

وقال مراقب انتخابي من سفارة أجنبية إنه شاهد حالتين من دفع النقد أمام مراكز الاقتراع في وسط القاهرة.

وقال المراقب، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول بالتحدث إلى وسائل الإعلام: «رأينا الناس يحصلون على أموالهم بعد التصويت».

ولم يرد متحدث باسم اللجنة الانتخابية المصرية على طلبات للتعليق.

والإثنين الماضي، كتبت سفارة الولايات المتحدة في القاهرة تغريدة على لسان القائم بالأعمال «توماس جولدبرجر» تقول: «نحن كأمريكيين، متأثرون جدا بحماسة الناخبين المصريين ووطنيتهم».

وأثار ذلك إدانة واسعة النطاق على وسائل التواصل الاجتماعي.

وفي هذا الصدد، كتب المحلل السياسي في معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط «تيموثي قلداس»: «قول هذا بدون أي نظر إلى سياق القمع الواسع الذي أساء إلى هذا التصويت لهو أمر مخجل».

وبالنسبة إلى الناشط والمدون المصري، «وائل إسكندر»، والعديد من الشباب المصريين الآخرين، فإن الحكومات الغربية هي المسؤولة عن الانتخابات الزائفة؛ لأنها ظلت صامتة بشأن قمع الديمقراطية في مصر.

وقال «إسكندر» إن تلك الحكومات شجعت «السيسي»، مشيرا إلى استمرار مبيعات الأسلحة ومعدات المراقبة إلى مصر.

واعتبر لافتتات الدعاية الانتخابية في جميع أنحاء العاصمة «رمزا للقمع».

لكنه لا يوجه غضبه نحو «السيسي» أو المصريين الذين يدعمونه، قائلا: «أرى وجوه الزعماء الغربيين عندما أرى وجه السيسي في جميع أنحاء ميدان التحرير».

المصدر | واشنطن بوست

  كلمات مفتاحية

الانتخابات الرئاسية المصرية عبد الفتاح السيسي موسى مصطفى موسى ميدان التحرير