القبضة الحديدية.. كيف يتحكم «محمد بن زايد» في السياسة الإماراتية بمفرده؟

الاثنين 2 أبريل 2018 06:04 ص

الإمارات العربية المتحدة هي اتحاد من 7 إمارات تشكلت في عام 1971، وأعلى هيئة فيها لصنع القرار، تتمثل في المجلس الأعلى للاتحاد، وهو يحدد المبادئ السياسية الأساسية للبلاد، أما أعضاؤها فهم الحكام السبعة للإمارات، والذين ينتمي كل منهم للعائلة المالكة في الإمارة.

لكن هذه المؤسسة الرسمية لا تعكس التوزيع الفعلي للسلطة، فالتوازن الحقيقي للسلطة مرتبط بثروة كل إمارة، فعلى سبيل المثال، تعد أبوظبي -التي تمتلك 95% من احتياطيات النفط والغاز في الإمارات- هي الإمارة الأقوى، تليها دبي، التي ينبع تأثيرها أولا وأخيرا من دورها كمركز اقتصادي وتجاري في المنطقة فيما يخص القطاع غير النفطي.

لكن، منذ الأزمة المالية في 2008، شهدت دبي انحسار نفوذها السياسي مقارنة بأبوظبي بشكل كبير، ففي ذلك الوقت، غرق عدد من الشركات الحكومية في الديون، واضطرت إمارة دبي إلى دفع 20 مليار دولار لإنقاذهم من الإفلاس.

من الناحية السياسية، تلعب الإمارات الأصغر دورا أقل أهمية، بسبب اعتمادها الشديد على دعم أبوظبي، ومن الأزمة المالية، أصبحت لهجة السياسات الخارجية والأمنية للإمارات تحدد بواسطة العائلة المالكة في أبوظبي نتيجة لذلك.

ووفقا للدستور؛ فإن الرئيس «خليفة بن زايد آل نهيان» هو أقوى رجل في البلاد، لكن وثائق ويكيليكس منذ 2009 تكشف أن السفير الأمريكي في الإمارات في ذلك الوقت «ريتشارد أولسون»، يشك في أن «خليفة» له فقط الكلمة الأخيرة فيما يخص القرارات ذات الآثار المالية الهائلة وتلك التي تؤثر على السياسات النفطية.

الحاكم الحقيقي للإمارات

ما يزال هذا هو الحال حتى اليوم، ويتضح من حقيقة أن «خليفة» ما يزال يرأس المجلس الأعلى للبترول -الذي ينظم السياسات المتعلقة بالنفط- بالإضافة إلى أهم صندوق ثروة سيادي، وهو هيئة أبوظبي للاستثمار.

ولكن بالنسبة لجميع المجالات الأخرى، فقد قال السفير أن الأخ غير الشقيق لـ«خليفة»، ولي العهد «محمد بن زايد آل نهيان»، هو الشخص الذي يقود الإمارات، وبعد السكتة الدماغية التي أصيب بها «خليفة» في 2014، تصاعد نفوذ «محمد بن زايد» أكثر.

بدأ «محمد بن زايد» مسيرته في الجيش بعد تخرجه من أكاديمية ساندهيرست في 1979، وقد شغل العديد من المناصب العسكرية، وتم تعيينه رئيسا لأركان القوات المسلحة في 1993، كما إنه أصبح أيضا المستشار الأمني الأكثر أهمية للرئيس آنذاك، وفي 2005، تولى منصب نائب القائد العام للقوات المسلحة.

هذا الموقع مهم، لأنه بالرغم من أن حاكم دبي يشغل منصب وزير الدفاع، إلا إن هذا رمزي في المقام الأول وأبوظبي لديها الكلمة الأخيرة في المسائل العسكرية، وهذه هي الصفة الرسمية الوحيدة التي يحملها «محمد بن زايد» على مستوى البلاد، فهو ليس عضوا (من الناحية الاسمية) في المجلس الاتحادي ولا مجلس الوزراء.

لكن مدى قوة «محمد بن زايد» كان واضحا منذ التسعينات، من حقيقة ضرورة وجود توقيعه على العديد من صفقات الأسلحة التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات والتي تم الاتفاق عليها في هذه الفترة، والشئ البارز بشكل خاص كان هو رغبة «بن زايد» في علاقات وثيقة مع الغرب والولايات المتحدة على وجه الخصوص.

بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، قدم «بن زايد» نفسه لواشنطن كرائد في الحرب ليس ضد الإرهاب فحسب، وإنما ضد أي شكل من أشكال الإسلام السياسي غير العنيف، ويصفه بعض المراقبون بأنه متعصب في هذا الصدد.

عزز «محمد بن زايد» سلطته على مر السنين، من خلال تولي العديد من المناصب الاقتصادية والسياسية الأخرى ووضع الحلفاء وأصحاب الثقة في المواقع الرئيسية الرئيسية.

وبالنسبة لهذا المسعى، فإن «محمد بن زايد» لديه الأفضلية في العائلة المالكة، لأن إخوته الأشقاء الخمسة يعطونه قاعدة قوية أوسع مقابل العديد من إخوته غير الأشقاء، فعلى عكس الإخوة غير الأشقاء، يكبر الأشقاء في نفس البيت، مما يجعلهم قريبين بشكل خاص.

روابط عائلية وثيقة

شغل هؤلاء الأشقاء مناصب اقتصادية وسياسية رئيسية وبالتالي عززوا قوتهم المشتركة، فقد كان شقيقه «عبدالله بن زايد» وزير الخارجية منذ 2006، أما «هزاع بن زايد» فكان رئيسا لجهاز الاستخبارات وعمل مستشارا للأمن القومي من عام 2006 حتى 2016، ووصف السفير «أولسون» الاستخبارات السرية للإمارات كواحدة من أقرب شركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

بعد «هزاع»، تم تعيين شقيقه «طحنون» في منصب مستشار الأمن القومي في 2016، ومنذ أوائل 2017، أصبح نائبه وهو ابن «محمد بن زايد»، «خالد»، مسؤولا عن عمليات ضد أعضاء المعارضة الإسلامية.

وهناك أخ آخر هو «منصور بن زايد»، ويعد المسؤول الأول عن رسم الجوانب الاقتصادية من السياسة الخارجية لدولة الإمارات.

ولكن بالرغم من أن «محمد بن زايد» قد يتشاور مع أشقائه، إلا إن هناك شيئا واحدا واضحا، كما يقول مستشار رئيسي له: «محمد بن زايد هو الزعيم»، كان هذا واضحا على سبيل المثال، في اجتماع بين الإخوة «محمد بن زايد» وهزاع و«طحنون» و«منصور» مع الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» في أواخر 2015.

فوفقا لرسالة بريد إلكتروني مسربة حول الاجتماع من السفير الإماراتي في موسكو، فقد جلس «بوتين» منفردا مع «محمد بن زايد» لمدة ساعة فيما انتظر إخوته الآخرون، وأطلعهم «محمد بن زايد» على الأمر فيما بعد.

وبعد الاجتماع أعطى «منصور بن زايد» سفير الإمارات تعليمات بخصوص التنسيق مع وزير الاقتصاد والطاقة، مما يقدم دليلا على وظيفته التكنوقراطية، حيث يعمل «منصور» على الجانب الاستراتيجي.

يذكر نفس البريد الإلكتروني اجتماعا بين ولي العهد السعودي «محمد بن سلمان» و«محمد بن زايد»، حدث على يخت «منصور بن زايد»، ويؤكد على قرب الأخوين «منصور» و«محمد بن زايد».

هذا التسلسل الهرمي كان واضحا أيضا في السنوات السابقة، فوفقا لوثيقة مسربة أخرى، فإن السفير الأمريكي «أولسون» تحدث أيضا عن لقاء بينه هو وممثل عن وزارة الخزانة الأمريكية، وبين «هزاع بن زايد» حول قطع مصادر تمويل طالبان.

عندما اقترح المستشار المالي الأمريكي توسيع التعاون بين الإمارات والولايات المتحدة مع الحكومة الأفغانية، عرض «هزاع» أن يثير الموضوع مع ولي العهد، ولهذا فبالرغم من أن «هزاع» كان مسؤولا عن هذا المجال وقادرا على التوصية باقتراح، إلا إن القرار النهائي ما يزال في يد «محمد بن زايد».

الكلمة الأخيرة

غالبا ما تكون المداولات بين الإخوة غير رسمية، وعلى سبيل المثال، فهي تجري في أمسيات في صالة الألعاب الرياضية، أو على هامش الاجتماعات شبه الرسمية المتكررة مع أفراد آخرين، وكل أخ لديه مجالات مسؤوليته الخاصة، لكنهم يتشاورون مع «محمد بن زايد» في الأمور المهمة.

يقول مستشار لـ«محمد بن زايد»، إنه بالرغم من كون هدف العملية هو التوصل إلى توافق في الآراء، إلا إن هذا لا ينجح دائما، ولهذا السبب فإن محمد بن زايد يتخذ أحيانا قرارات تتعارض مع إرادة إخوته.

في 2015، قال أحد كبار مستشاري ولي العهد عنه بعبارات عامة: «إنه شخص عسكري ويتصرف كذلك، إذا كان هناك شخص جيد فإنه يدعمه، وإذا لم يكن كذلك فإنه يستبدله، ولكن في مجالات أساسية مثل الأمن عادة ما يكون هناك اتفاق».

التعاون بين حاكم دبي ورئيس وزراء الإمارات، «محمد بن راشد آل مكتوم»، يسير بشكل مشابه، حيث يقول أحد المستشارين أن «محمد بن زايد» و«محمد بن راشد» على اتصال دائم، وتتحدث وثيقة مسربة لويكيليكس عن تعاون مماثل بشكل مباشر عقب مقتل أحد قادة حركة «حماس» في دبي في 2010.

وردا على طلب من السفير الأمريكي في أبوظبي للتعليق على الحادث، أجاب متحدث: «تم مناقشة الموقف العام لدولة الإمارات بين حاكم دبي محمد بن راشد وولي عهد أبوظبي الأمير محمد بن زايد»، وفي هذا أيضا كان الوضع مماثلا، وكان لـ«محمد بن زايد» الكلمة الأخيرة، حتى إن أحد أفراد العائلة المالكة ذهب إلى حد قول أنه بالرغم من أن أبوظبي قد تتصل بدبي، إلا إن هذا يحدث في العادة بعد أن يكون القرار قد اتخذ بالفعل.

  كلمات مفتاحية

محمد بن زايد أبوظبي دبي هزاع بن زايد سلاسل التوريد