«فورين بوليسي»: انتخابات مصر.. العودة إلى الأزمنة القديمة

الاثنين 2 أبريل 2018 12:04 م

حصل «عبدالفتاح السيسي» على مبتغاه رسميا، بعد أن ضمن البقاء لولاية ثانية كرئيس لمصر.

لم تكن نتيجة الانتخابات المصرية هذا الأسبوع مفاجئة، على الرغم من أن المشهد كله كان غريبا، وكان من المفترض أن يعطي التصويت «السيسي» الشرعية الانتخابية التي كان يفتقر إليها دائما.

وقد سبق انتخاب «السيسي» في مايو/آيار عام 2014، بعد وصوله لأول مرة إلى السلطة في انقلاب في الصيف السابق، وفي ذلك الوقت، كان الناخبون غير مبالين، لدرجة تطلبت مد فتح مراكز الاقتراع يوما إضافيا، بحيث يمكن رشوة المصريين وحشدهم جماعيا للإدلاء بأصواتهم.

لكن الشيء نفسه حدث هذه المرة، لكن الجديد أن الترشح نفسه صار جالبا لكثير من البلاء، وقد تم احتجاز كل مرشح محتمل ذي مصداقية، على أساس مجموعة متنوعة من المزاعم السخيفة في الغالب، والتي دأبت الصحافة المتواطئة، والطبقة السياسية اللاعقة لأحذية النظام، على العمل دون كلل لتبريرها.

ويبدو انتصار «السيسي» أجوف، مثل الانقلاب الذي أوصله إلى السلطة في المقام الأول، ويتناسب تماما مع السطحية التي يعانيها التاريخ المصري الحديث.

وليس الدرس المستفاد من ذلك التاريخ أن المواطنين المصريين غير مستعدين لمجتمع أكثر عدلا وانفتاحا وديمقراطية، لكن الحقيقة هي أن النخب السياسية في مصر استفادت دائما من النظام السلطوي للبلاد، وبالتالي ستبذل قصارى جهدها للدفاع عنه.

رؤساء بلا شرعية

ولم يتمتع أي من رؤساء مصر على الإطلاق بأي نوع من الشرعية التي تمنحها الديمقراطية للقادة المنتخبين، لكن إحدى المفارقات المذهلة في البلاد هي الطريقة التي تستخدم بها القوى غير الديمقراطية في كثير من الأحيان أفكارا ديمقراطية بل ليبرالية كآليات للشرعية.

فلماذا تزعج نفسك بالانتخابات إذا لم تكن لديك نية لاحترام حقوق وآراء أولئك الذين لم يصوتوا لك، والحكم من خلال الإجماع والحل الوسط، والالتزام بعدم اليقين في نتيجة العملية الانتخابية؟ لكن في العقود الأربعة الماضية، كانت مصر تمتلك أحزابا سياسية وتجري انتخابات منتظمة، حتى لو لم يحكم قادة البلاد إلا بالقهر والقوة.

وقد بنى الرئيس «جمال عبدالناصر» الدولة الأمنية الأولى في الشرق الأوسط، لكن خلفه، «أنور السادات»، كان أول من سعى إلى الاستفادة من الأفكار والممارسات الديمقراطية لإضفاء الشرعية على الاستبداد، وتعزيز مصالحه السياسية الضيقة.

وهكذا، كانت هناك تصريحات درامية لـ«السادات» حول بناء «دولة مؤسسات» وإنشاء منابر أو منصات داخل الاتحاد الاشتراكي العربي، والتي أصبحت في نهاية المطاف أحزابا سياسية، وكان «السادات» ينوي أن يجعلها معارضة ديكورية تتنوع بين اليسار واليمين والوسط.

لكن عندما ثبت عدم جدواها، فإنه تجاهلها وألقى القبض على خصومه، ومع ذلك، كان بإمكان «السادات» وأنصاره أن يزعموا أنه صوب تجاوزات «عبدالناصر» وبدأ مسار مصر نحو التغيير الديمقراطي.

التقط «حسني مبارك» طرف الخيط الذي تركه له سلفه، وناهيك عن أن وجودك في مصر خلال أحد استفتاءاته الرئاسية كان يعني أن تكون موجودا في عالم يضحك فيه الجميع على أنفسهم، ورغم أنه لم يكن هناك سوى مرشح واحد في الاقتراع، وهو «مبارك»، فقد كان يطلب من الناخبين ببساطة أن يضعوا علامة «نعم» أو «لا»، وكانت التجربة كلها لتزيين حملته السياسية الهزلية.

وقد وصف الحزب الوطني الديمقراطي والصحافة الحكومية هذه الاستفتاءات بأنها علامة على التطور الديمقراطي في مصر، ولم يكن أحد على استعداد للتعليق علنا ​​على هذه المهزلة، تاركين السلطات تعمل بارتياح كأنها حملة انتخابات تنافسية.

وبعد بضع أعوام، بدأ «مبارك» يتحدث عن كيفية قيام الحكومة ببرنامج «تعزيز» و«تعميق» الديمقراطية، ولم يكن هناك الكثير ممن صدقوا هذا الخطاب، لكنه خدم غرضين مهمين، خصوصا في نهاية عهد «مبارك»؛ أولا، سعى إلى التفوق على أولئك الذين سعوا أصلا إلى الإصلاح الديمقراطي مثل جماعة «الإخوان المسلمون»، التي هيمنت على مفردات الإصلاح السياسي، وثانيا، كانت محاولة لإبعاد النقد الدولي عن السياسات المصرية القمعية.

ثورة لم تكتمل

لكن عندما جاءت فرصتهم بعد انتفاضة عام 2011 التي أجبرت «مبارك» على ترك منصبه، قام «الإخوان المسلمون» بوضع أعضاء الجماعة كمسؤولين عن التغيير السياسي الذي كوفئوا به خلال الانتخابات البرلمانية.

وفشل «الإخوان» في النهاية لأسباب متنوعة، لا سيما عدم أهليتهم وعدم كفاءتهم لتلك المهمة، وعدائهم مع الذين استفادوا من النظام القديم.

ويختلف استفتاء «السيسي» الانتخابي فقط عن هذا التاريخ المؤسف في بعض التفاصيل، كان انقلاب 3 يوليو/تموز عام 2013 بتمتع بشعبية وتم تخطيط هذا التدخل بدعم من الناس (وليس فقط الجيش)، الذين سعوا إلى إعادة ما يعتقدون أنه النظام الطبيعي للسياسة في مصر، وبعد مرور 5 أعوام، تم إنجاز المهمة.

لكن السؤال الآن هو ماذا يجب على الولايات المتحدة فعله هنا؟ بالطبع، هناك المساعدات العسكرية السنوية التي تقدمها لمصر، والتي غالبا ما يتم التذرع بها كوسيلة لتعديل السلوك والدفع نحو الديمقراطية.

وقد تعرضت هذه المعونة في أوقات مختلفة للمساومة أو التأخير أو قطعها دون جدوى، وربما يرى الكونغرس أنه من المناسب القيام بالمزيد في هذا المجال، لكن إدارة «ترامب»، شأنها شأن غيرها من قبلها، تركز أكثر على محاربة الإرهابيين، ومن المرجح أن تعتبر المساعدات أولوية للأمن القومي، وتتنازل عن مساعي الكونغرس لمعاقبة المصريين.

وهي مشكلة تفاقمت بسبب حقيقة أن واشنطن تبدو كأنها تواجه حقبة جديدة من التنافس بين القوى العظمى تخوضها روسيا، بدءا من الشرق الأوسط، ولا تريد مصر أن تستبدل الولايات المتحدة لتحل محلها روسيا، لكنها قد تلعب مع كلا الطرفين من أجل تحقيق الفائدة.

ونتيجة لذلك، سوف تفعل الولايات المتحدة على الأرجح ما كانت تفعله دائما مع مصر، وسوف تتكيف مع النتائج التي يصدرها المصريون أنفسهم.

ودعونا نأمل فقط ألا يذهب أحد ليهنئهم.

المصدر | ستيفن كوك - فورين بوليسي

  كلمات مفتاحية

انتخابات الرئاسة المصرية عبد الفتاح السيسي الإخوان المسلمون مبارك السادات