«النمر الأسود».. فيلم بنكهة إفريقية يداعب الأحلام

الثلاثاء 3 أبريل 2018 06:04 ص

دفعني الفضول إلى الذهاب إلى قاعة السنيما لمشاهدة فيلم الرجل الخارق «النمر الأسود» (Black Panther) بعد أن أدهشني حماس الأمريكيين من أصول أفريقية له وإشادتهم بفكرته ونجومه وما تركه عليهم من أثر وحديثهم عن مدى أهمية أن يكون للأطفال من ذوي البشرة السوداء أبطال خارقون من بني جلدتهم.

أعجبني الفيلم وقد تفاعلت مع بعض مشاهده لكنه لم يترك في نفسي نفس الأثر الذي رأيته عند الكثير من المشاهدين الذين رأيتهم يتزاحمون عند اللوحة الإعلانية الخاصة بالفيلم بعد انتهاء العرض لالتقاط الصور التذكارية وكان معظمهم يرتدون ملابس ذات طابع أفريقي أو مشابهة لأزياء الممثلين والممثلات. كما قلد البعض التحية الخاصة بسكان مملكة واكاندا الأفريقية بوضع اليدين على الصدر على شكل الحرف «إكس» وهم يرددون بعض العبارات التي علقت في أذهانهم ويجتهدون في تحدث الإنكليزية بلكنة أفريقية كالتي يتحدثها الواكانديون.

وأكثر ما شد اهتمامي في الفيلم هو محاولته إبراز الجمال الطبيعي لأصحاب البشرة السوداء وإعلاء مكانة المرأة والتذكير بأهمية أفريقيا وغناها بالموارد الطبيعية، لاحظت أيضا أن الفيلم يتضمن نظرة نقدية للرجل الأبيض لاستعباده السود واستغلاله لهم في بناء بلاده وتقوية دعائم اقتصاده، وكذلك لنهبه ثروات القارة وتقسيمه لها بطريقة عشوائية وتشتيته لأبنائها حول العالم. ويربط الفيلم بين قارة أفريقيا والشعب الأفريقي والأمريكيين من أصول أفريقية ويبرز أهمية أن يتوحد أبناء القارة وتحديدا ذوي البشرة السمراء على الرغم من الفوارق في المطامح والمطالب والتحديات.

أثار الفيلم فضولي بعد أن لاحظت الانطباعات المختلفة التي تركها على نفوس أصحاب البشرة السوداء على اختلاف خلفياتهم الثقافية وهوياتهم الدينية وانتماءاتهم الاجتماعية وميولهم الجنسية. وحين بدأت في القراءة عن هذه الانطباعات، أثار اهتمامي حوار نشرته صحيفة «الواشنطن بوست» أجرته الكاتبة «كارين عطية» وهي من أصول أفريقية مع الصحفي الكيني «لاري مادووا» الذي تحدث أثار عدة نقاط مهمة متعلقة بالفيلم كما سلط الأضواء على نقاط الاختلاف بين الأفارقة والأمريكيين من أصول أفريقية.

من أبرز ما لاحظه السيد «مادووا» هو أن لكنة سكان واكاندا لم تكن موحدة في الفيلم، حيث يتحدث الممثلين بلكنات أفريقية متعددة وهذا ربما من الأمور التي لن يلاحظها غالبية الأمريكيين من أصول أفريقية لكنه تفهم في الوقت نفسه أن إتقان لكنة معينة ليس بالأمر السهل.

تحدث «مادووا» أيضا عن أن التراث الغنائي الأفريقي لم يكن ممثلا بما يكفي في الفيلم كما أعرب أن استيائه أن نجوم الفيلم لم يفتتحوا الفيلم في أي من دور العرض في العواصم الأفريقية واصفا ذلك بأنه من أكثر الأمور إحباطا فيما يتعلق بالفيلم. وأشار إلى أن السبب قد يعود إلى قلة دور العرض في أفريقيا لكنه أكد أن: «تدشين الفيلم في أفريقيا كان سيترك انطباعا رمزيا كبيرا نسبة لأنه يعلي بلا خجل من قدر أصحاب البشرة السوداء».

الصحفي الكيني تناول أيضا العلاقة المعقدة بين الأمريكيين من أصول أفريقية وبين الأفارقة. أشار إلى وجود تنافس وعداء غير مبررين بينهما إلا أنه أثنى على أنهما عملا سويا وأنتجا فيلما بحجم «النمر الأسود» الذي اعتبره مصدر فخر لأصحاب البشرة السوداء في كل أنحاء العالم، وذكر أن قوة فيلم «النمر الأسود» هي مؤشر لما يمكن أن يتحقق حين يعملان سويا.

لكن في المقابل يعتقد البعض بأن موقف الأمريكيين من أصول أفريقية من الأفارقة مبرر فيما يؤمن آخرون بوجود قوى تسعى لتعزيز الفرقة بين السود وتحول دون وحدتهم. فعلى سبيل المثال، صديقي «تشارلز» الذي لم يشاهد الفيلم يعرف نفسه بأنه أمريكي أسود ويرفض أن يوصف بأن أمريكي أفريقي. لا يرغب «تشارلز» في معرفة من أي دول أفريقيا ينحدر أسلافه ولو كان الأمر بيده لقام باستبدال كلمة الأمريكيين الأفارقة بالأمريكيين السود من اسم المتحف الضخم بالخاص بالتاريخ والثقافة الذي تم افتتاحه في واشنطن في عام 2016.

أما «ميلاني» وهي أمريكية سوداء من أب ينحدر من جمهورية الدومينيكان وأم «أفرو ـ أمريكان» كما تصفها، فترى أن «أي خلاف بين الأفارقة والأمريكيين السود مرده أن الطرفين لا يفهمان بعضهما البعض بشكل كاف وهذا يعود إلى اعتمادهما على وسائل الإعلام الغربية (التي يتحكم فيها البيض) لتحليل القضايا الخاصة بالسود».

وترى «ميلاني» التي تؤمن بأهمية وحدة السود بغض النظر عن خلفياتهم الثقافية، بأن جزءا مهما من تاريخ قارة أفريقيا مغيب عن العامة. ففي البرازيل، بحسب قولها، يستخدم رجال الأمن العنف ضد البرازيليين السود وهو أمر مشابه للعنف الذي يتعرض له السود في الولايات المتحدة على أيدي رجال الشرطة.

أما صديقي «ويسلي» الذي ينحدر من أصول أفريقية ويعمل في مجال التعليم وهو من المدافعين عن حق السود في أن توفر لهم الدولة مناخا تعليميا مساويا لما يتمتع به البيض في الولايات المتحدة فيرى أن من المؤسف أن يكون هناك تمييز على أساس لون البشرة بين البشر من الأساس ناهيك عن أن يصل الأمر إلى خلافات جوهرية بين السود في مختلف بقاع العالم.

يعترف «ويسلي» بوجود اختلاف ثقافي بين الأمريكيين من أصول أفريقية والأفارقة لكنه في الوقت نفسه يرى أن الأمر نفسه ينطبق على شعوب القارة الأفريقية بل وحتى في أوساط الأمريكيين من أصول أفريقية في الولايات المتحدة.

إن عبارة «مجتمع الأمريكيين من أصول أفريقية» بحسب «ويسلي» لا وجود له على الإطلاق على أرض الواقع بنفس القدر الذي لا يوجد فيه مجتمع خاص بالأمريكيين البيض في الولايات المتحدة. ويرى «ويسلي» بأننا جميعا «بشر نعيش في مجتمعات مختلفة بأنماط حياتية مختلفة بغض النظر عن البشرة».

لا يرى «ويسلي» أن في الفيلم الذي حقق أعلى نسبة مبيعات في تاريخ السينما في الولايات المتحدة أي نقطة سلبية، ففي خاتمة الفيلم التي يقول فيها ملك واكاندا بأن ما يجمع بين بني البشر أكثر مما بفرقهم وأن على بني البشر العمل سويا.

إن فيلم «النمر الأسود» من أكثر الأفلام نجاحا في تسليط الضوء على قارة أفريقيا وعلى أصحاب البشرة السوداء وهذا النجاح الذي حصده ما هو إلا مؤشر لما يمكن للسود إحداثه في جميع أنحاء العالم فيما لو توحدوا وسعوا من أجل إيجاد حياة أفضل للمضطهدين من أصحاب البشرة السوداء حول العالم.

المصدر | منصور الحاج - الحرة

  كلمات مفتاحية

النمر الأسود السينما الأمريكية أفريقيا كينيا لاري مادووا

وسط زوجته وعائلته.. وفاة النمر الأسود تشادويك بوزمان عن 48 عاما

بخلاف باقي دول الخليج.. "النمر الأسود" خالي من مشاهد المثلية في الكويت