استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الدواء سلاحا… هذا ما يفعله الديكتاتوريون

الأربعاء 4 أبريل 2018 07:04 ص

الفجور في الخصومة سمة تميز العديد من انظمة الحكم في العالم العربي، في تعاملها مع معارضيها. ويتجلى هذا الفجور في مستويات التنكيل بالمعارضين السياسيين، وغياب القانون الحاكم عمليا في اساليب معاملة سجناء الرأي، والتفنن في اخفاء الحقائق وانكار الاضطهاد والقمع المنظم.

فالسجن يفترض ان يكون هو العقوبة في حال ارتكاب الجريمة التي تستدعيه، ولا يضاف لها شيء. فعندما يصدر القاضي قرارا بسجن شخص او مجموعة من الاشخاص فان ذلك هو العقوبة التي ينص عليها القانون، حتى في دولنا التي يغيب عنها التداول المدني السلمي ضمن توافق مجتمعي حقيقي.

والسجن يعني ابعاد الشخص عن المجتمع وحرمانه، عقوبة له لما اقترفه من جرم، من التمتع بالبعد الاجتماعي من الحياة. وليس المقصود من السجن ايذاء الشخص جسديا أو حرمانه من احتياجاته الطبيعية كالطعام او النوم او الرعاية الصحية. فلقد كرم الله الانسان (ولقد كرمنا بني آ دم)، ومنحه حصانة من الموت او القتل الا في حالات الجريمة العظمى كإزهاق الارواح (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق).

وبرغم ان المواثيق الدولية تحرم المعاملة الحاطة بالإنسانية والتعذيب الا ان النظام العالمي الذي يحكم العالم اليوم لا يمتلك ادوات تنفيذية لضمان الالتزام بحسن معاملة السجناء السياسيين. ويزيد من المأساة ان اغلب الذين يتعرضون للتنكيل وسوء المعاملة لم يرتكب جريمة يعاقب عليها القانون، بل انه ضحية لحاكم سياسي ديكتاتوري يصادر الحريات خصوصا حرية التعبير.

وعندما يكون النظام الحاكم ضعيفا فانه يخشى الكلمة التي تنطلق من افواه معارضيه، فتصبح كالرصاصة في اثرها. ولذلك اصبحت الانظمة القمعية تعتبر معارضيها إرهابيين وان لم يرتكبوا اي جرم ينص عليه القانون. فعندما ازهقت قوات الاحتلال الاسرائيلية يوم الخميس الماضي ارواح 15 فلسطينيا بدم بارد فانما انطلقت بدوافع العداء والرغبة في استئصال اهل الارض.

ولكن ما دوافع الحاكم الديكتاتوري حين يمارس الانتقام وينكل بالابرياء خارج القانون؟

في الاسبوع الماضي «فاز» الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بالانتخابات الرئاسية، في «حملة انتخابية» اقتصرت على شخصه عمليا، مع مرشح آخر هو موسى مصطفى موسى، رئيس حزب الغد الذي قال في حوار مع مجلة «دير شبيغل» الألمانية إن «أكثر المصريين لا يعلمون بوجودي». وقال: كنت سانتخب السيسي (في حال خاض الفريق احمد شفيق الانتخابات منافسا).

كانت العملية برمتها مسرحية هزيلة الاعداد والاخراج، لم يكن نصيبها من العالم الا السخرية والازدراء. هذا الرئيس الذي «فاز» بأكثر من 90 بالمائة من الاصوات فتح سجونه على مصراعيها لتضم اكثر من 50 الف سجين سياسي، ومارس بحق خصمائه السياسيين ابشع اصناف التنكيل. هذا «الرئيس» يستخدم الدواء والعلاج سلاحا ضد الرئيس المنتخب بعد ان انقلب عليه وسجنه.

الدكتور محمد مرسي يعاني من الامراض ما يهدد حياته. فما الجرم الذي ارتكبه؟ ان الشعب انتخبه رئيسا فغضبت قوى الثوى المضادة التي تقودها السعودية والامارات و «اسرائيل».

وفي شهر أيلول/سبتمبر الماضي توفي في السجن الاستاذ مهدي عاكف، المرشد السابق لجماعة «الاخوان المسلمون» بعد ان قضى شهورا مريضا بدون علاج مناسب. وحملّت الجماعة ـ في بيان ـ السلطات المصرية المسؤولية الكاملة عن وفاة مرشدها السابق، لإصرارها على «حبسه والتنكيل به يرغم مرضه وتقدم عمره فتعمدت قتله».

في عالم انسلخ من الحياء والإنسانية لم يعد الانقلاب العسكري غير المشروع على الرئيس المنتخب امرا مرفوضا او مثيرا للجدل. فالسيسي يستقبل على أعلى المستويات في عواصم الغرب.

هذا الغرب نفسه وقف مع بريطانيا في ازمتها مع روسيا بعد اتهامها بتسميم احد عناصر اجهزة استخباراتها مع ابنته في مدينة «سالزبري» البريطانية، وطرد مع الولايات المتحدة الأمريكية حوالي مائة دبلوماسي روسي، ولم يتخذ اي اجراء ضد حكومة العسكر في مصر برغم ثبوت تعذيبها السيد جيوليو ريجيني الباحث الإيطالي في جامعة كمبريدج البريطانية حتى الموت بعد اختطافه على ايدي عناصر الأمن المصري في يناير 2016.

فكيف سيتخذ «العالم الحر» اي اجراء ضد رئيس عسكري انقلب على رئيس منتخب؟ الديمقراطية لم تعد مقدسة لدى عالم الغرب بعد ان سمح لشخص مثل دونالد ترامب بالصعود لاعلى منصب في الولايات المتحدة الأمريكية وراح يمارس بلطجة سياسية مقيتة امام مرأى العالم ومسمعه. ولم يصدر حتى الآن اي موقف رسمي غربي يطالب السيسي بوقف استخدام الدواء سلاحا ضد الخصماء السياسيين.

الدواء سلاحا؟ هذا ما تستخدمه السلطات في البحرين ايضا، وهو مصداق آخر للفجور في الخصومة. فالمئات من المعتقلين يحتاجون لرعاية صحية عاجلة لامراض كمرض الخلايا المنجلية الحاد والسرطان الذي اصيب به شباب كثيرون في عمر الزهور، وامراض القلب لدى كبار السن والعديد من الامراض الجلدية المعدية.

بعض هؤلاء اشخاص تجاوز السبعين من العمر مثل الاستاذ حسن مشيمع الذي يعاني من سرطان الغدد اللمفاوية ولم يسمح له بلقاء عائلته منذ عام كامل، او الخروج في الهواء الطلق. وهناك محمد جواد برويز الذي يعاني من امراض القلب ايضا.

وفي الاسبوع الماضي تبرعت «اللجنة الوطنية لحقوق الانسان التي أسست قبل اربعة اعوام بتبرير ساحة وزارة الداخلية التي حرمت المعتقلة السيدة هاجر منصور من تلقي العلاج المناسب، وبدلا من ان تتقصى الحقائق وتطلب زيارة سجينة الرأي المحكومة بثلاث سنوات انتقاما من زوج ابنتها الناشط، قالت انها «اتصلت» مع الجهات المختصة في وزارة الداخلية وان هذه الجهات اخبرتها «ان الحالة الصحية للسيدة هاجر طبيعية ومستقرة».

الدواء سلاحا؟ هذا السلاح يستخدم في حرب اليمن على نطاق واسع إلى جانب الاسلحة الاخرى خصوصا الطائرات التي تقصف الاحياء السكنية والمستشفيات والمدارس بدون توقف.

شبح الموت يخيم على كل زاوية من اليمن منذ ثلاثة اعوام هي عمر الحرب التي تقودها السعودية على هذا البلد العربي العريق الموغل في الحضارة والدين.

وتستخدم اموال الشعوب سلاحا ضدها بدون وازع. الهدف من حرمان السجناء من الدواء ينافي التزامات الدولة التي يفترض ان تكون كافة اجهزتها محايدة اولا، وفي خدمة المواطنين ثانيا.

وثالثا: ان لا تسمح للسياسيين بالتدخل في عملها. ولكن عندما تسخر كافة اجهزة الدولة لخدمة المجموعة الحاكمة، سواء كانت حزبا ام عائلة ام افرادا، فانها تكون قد فقدت مبررات وجودها، واصبح من الضرورة تحريرها من ايدي من يستغلها ايا كان.

فمنع الدواء والغذاء عن اليمنيين من قبل قوات التحالف الذي تقوده السعودية ساهم بشكل مباشر في انتشار الاوبئة ووفاة الاطفال وعجز الاطباء عن القيام بواجبهم في علاج المرضى. اما استهداف المستشفيات فلم يتوقف، ومنها ما كانت منظمة «أطباء بلا حدود» تديره. ففي 18 آب/اغسطس 2016 أعلنت المنظمة أنها قررت سحب كوادرها من ستة مستشفيات تدعمها في محافظتي صعدة وحجة شمال اليمن، بعد أيام من تعرض مستشفى تدعمه لضربة جوية نتج عنها 19 قتيلاً.

وكاد الامر نفسه يحدث لدولة قطر التي حاصرتها دول التحالف الذي تقوده السعودية بفرض حصار جوي وبري وبحري عليها بدعاوى مختلقة. ففرض الحصار بهذه القسوة يؤدي عادة لتوقف الغذاء والدواء، كما حدث للعراق ما بين 1991 و2003 عندما فرض الحلفاء حصارا مماثلا. وكان من نتائج ذلك نفاد الادوية من المستشفيات ووفاة آلاف الاطفال.

وما ساهم في فشل الحصار المفروض على قطر ان لديها حدودا مفتوحة مع إيران، فلم تستطع السعودية والامارات فرض حصار كامل. مع ذلك تضررت قطر كثيرا من هذه العقوبات الجائرة التي تهدف لتركيع ذلك البلد الخليجي الذي أسس لاعلام عربي منفتح ورفض ان يكون اداة بايدي غيره.

٭ د. سعيد الشهابي كاتب بحريني

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

الدواء السجون الإهمال الطبي التعذيب الأنظمة القمعية انقلاب السيسي مصر السيسي