«و. بوست»: كيف استخدمت إيران مصرفا في البحرين كقنطرة لتجاوز العقوبات؟

الأربعاء 4 أبريل 2018 12:04 م

كشف المحققون النقاب عن أدلة على وجود خطة تقدر بمليارات الدولارات من جانب بنك في الخليج العربي ساعد إيران سرا على تجنب العقوبات لأكثر من عقد، وفقا للوثائق المقدمة في نزاع قانوني.

وتكشف سجلات مراجعة الحسابات الحكومية البحرينية أن بنك المستقبل الذي أغلق الآن، وهو مشروع مشترك يملكه جزئيا اثنان من أكبر المقرضين الإيرانيين، غير بشكل روتيني الوثائق المالية لإخفاء التجارة غير المشروعة بين إيران وعشرات الشركاء الأجانب، حسب الوثائق.

ويقال بأن البنك أخفى ما لا يقل عن 7 مليارات دولار من الصفقات بين عامي 2004 و2015، وهو الوقت الذي منعت فيه العديد من البنوك الإيرانية من الوصول إلى الأسواق المالية الدولية بسبب العقوبات.

كما اكتشف المدققون المئات من الحسابات المصرفية المرتبطة بالأشخاص الذين أدينوا بجرائم تشمل غسل الأموال وتمويل الإرهاب، فضلا عن القروض الوهمية المقدمة إلى الشركات التي تعمل كواجهات للحرس الثوري الإيراني، وفقا لوثائق قضائية سرية حصلت عليها صحيفة «واشنطن بوست».

وشبه المسؤولون البحرينيون البنك بـ«حصان طروادة»، الذي كان يعمل داخل الدولة الخليجية الصغيرة، مما سمح لإيران بشراء وبيع سلع بمليارات الدولارات، في تحد للعقوبات الدولية التي كانت تهدف إلى معاقبة طهران بسبب برنامجها النووي ودعمها للجماعات الإرهابية.

واتهمت البحرين، في الأوراق المقدمة في فبراير/شباط، أمام محكمة تحكيم دولية في هولندا، مسؤولي بنك المستقبل بـ«مجموعة واسعة من السلوكيات غير المشروعة»، مع العديد من الشركاء الأجانب، مضيفة أن الأنشطة التي تم الكشف عنها حتى الآن ربما تكون فقط «طرف الخيط»، بسبب ظهور العديد من المعاملات التي تم إخفاؤها بذكاء.

وأكدت المملكة البحرينية في تلخيص مكتوب لمحكمة التحكيم الدائمة في لاهاي: «لم تواجه البحرين أبدا انتهاكات بهذا الحجم، ولا يكون من المبالغة الحديث عن التشعبات الناتجة عن المخالفات النظامية لبنك المستقبل».

بنك المستقبل

وكان بنك المستقبل الذي تأسس في عام 2004 كمشروع مشترك بين البنك الأهلي المتحد البحريني، وبنك «ميللي» الإيراني، وبنك الصادرات، قد تم اتهامه في السابق بمساعدة إيران على تجاوز القيود التجارية، وهي ادعاءات قادت مسؤولين أمريكيين وأوروبيين الى وضع البنك في القائمة السوداء ومنع استخدامه لنظام مراسلة الدفع الإلكتروني الدولي المعروف باسم «سويفت»، وقد وضع البنك الأهلي أسهمه في بنك المستقبل بثقة عمياء عام 2008.

وتنبع الاتهامات الجديدة من تحقيق مكثف بدأ بعد أن أغلق المنظمون البحرينيون البنك رسميا في عام 2015، وقد دفع الإغلاق المساهمين الإيرانيين في بنك المستقبل إلى تقديم شكوى في «لاهاي» تتهم البحرين بإغلاق البنك بشكل غير مناسب، وطالبوا بإعادة الأصول المجمدة.

وردا على ذلك، قدمت البحرين مئات الصفحات من نتائج التدقيق التي توضح صورة لمؤسسة مالية تعمل أساسا بـ«هدف الخفاء»، حسب الوثائق، مما يمنح الشركات الإيرانية إمكانية الوصول السري إلى الأسواق الخارجية والنظام النقدي الدولي.

وقال وزير الخارجية البحريني «خالد بن أحمد آل خليفة» في بيان مكتوب لصحيفة «واشنطن بوست»: «كشف التدقيق عن جرائم وانتهاكات ذات أبعاد هائلة للقانون البحريني والدولي»، مضيفا أن الإجراءات الجنائية جارية في البحرين، وأن نتائج التحقيق يجري مشاركتها مع عواصم أخرى، لأنها «ستكون أيضا مصدر قلق للمجتمع الدولي».

ومن بين الممارسات التي ورد ذكرها في التقرير الاستخدام المنهجي لتقنية تعرف بـ«wire stripping»، وهي طريقة يتم فيها الإزالة المتعمدة أو تغيير معلومات تحديد الهوية عند نقل الأموال بين البنوك، إذ قال مراجعو الحسابات إنهم اكتشفوا أكثر من 4500 حالة من «wire stripping» عن طريق مسؤولي البنك لإخفاء دور إيران كمرسل للأموال.

ويبلغ إجمالي الأموال التي تم إخفاء معلوماتها في تلك المعاملات 4.7 مليارات دولار، لكن من المرجح أن يكون المبلغ الحقيقي أكبر بكثير، كما يقول المسؤولون البحرينيون.

وفي مئات الحالات، كانت التحويلات المصرفية مصحوبة بتعليمات محددة لتجنب الإشارة إلى إيران أو القوانين المصرفية الإيرانية.

كما انخرطت بنوك أخرى، بما في ذلك بعض البنوك الغربية، في عملية إخفاء المدفوعات إلى البلدان الخاضعة للعقوبات الدولية، وفي عام 2010، فرضت إدارة «أوباما» غرامة قدرها 298 مليون دولار على بنك «باركليز» البريطاني العملاق، لإخفاء 500 مليون دولار من المعاملات المالية مع إيران.

وبالإضافة إلى ذلك، أخفى المصرف البحريني مبلغ 2.7 مليارات دولار من المعاملات الإيرانية باستخدام بديل غير رسمي لنظام «سويفت» يصعب تتبعه، كما تظهر الوثائق.

وحدد التدقيق أيضا آلاف الصفقات التي انتهكت مباشرة العقوبات الدولية ضد إيران، فضلا عن أكثر من 10 آلاف من المخالفات للقوانين المصرفية وغسل الأموال البحرينية، حسبما يزعم المسؤولون الحكوميون، ومن بين الانتهاكات المذكورة 260 حالة فتح فيها البنك حسابات لأشخاص أدينوا بجرائم مالية مثل غسل الأموال ودعم القضايا الإرهابية.

نتائج مثيرة للقلق

ووفقا لمسؤولين أمريكيين سابقين مطلعين على القضية، فإن النتائج مثيرة للقلق، لأنها تشير إلى سلوك خادع مستمر من قبل المسؤولين في البنوك، في وقت كان فيه بنك المستقبل تحت رقابة شديدة من جانب الوكالات الحكومية الأمريكية والبحرينية.

ويقول «ماثيو ليفيت»، المسؤول السابق في إدارة مكافحة الإرهاب بوزارة الخزانة الأمريكية ومدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب: «تتطلب العملية إخفاء طبيعة المعاملات عن المنظمين، وربما حتى عن البنك نفسه، ويصبح من الصعب معرفة الأموال التي قد تدعم أنشطة مثل الإرهاب، أو المؤسسة النووية أو العسكرية لإيران».

وكان بنك المستقبل قد تأسس كمشروع إيراني بحريني عام 2004، عندما كان القادة البحرينيون يسعون إلى إصلاح العلاقات المتوترة بين مملكة الخليج الصغيرة وإيران، جارتها الأكبر في الشمال.

ويمتلك السكان الأكثرية الشيعية في البحرين روابط ثقافية ودينية وثيقة مع إيران، لكن العائلة الحاكمة السنية في المملكة تحالفت بشكل وثيق مع مجلس التعاون الخليجي السعودي.

واتهم المسؤولون الأمريكيون المساهمان الإيرانيان، بنك ميلي وبنك الصادرات، بالمساهمة في تمويل برنامج إيران النووي، وما يقولون إنه شبكة إرهابية دولية.

ومنذ عام 2011، كافحت الحكومة البحرينية لاحتواء حركة مقاومة شيعية تتضمن المعارضين السلميين، وكذلك المتطرفين العنيفين المسلحين بسلاح قال محققون مستقلون إنه يأتي من إيران.

واتهمت البحرين إيران مرارا بتأجيج العنف ضد النظام الملكي في البلاد، لكن تصرفاتها لخنق جماعات المعارضة أدت إلى انتقادات دولية بشأن انتهاكات مزعومة لحقوق الإنسان.

ويتعلق أحد الادعاءات الأكثر إثارة للجدل في قضية بنك المستقبل برجل دين شيعي ذو صلات وثيقة مع حركات المعارضة، وانتقد المسؤولون البحرينيون بنك المستقبل بسبب السماح لرجل الدين «عيسى قاسم»، بإيداع أموال نقدية بملايين الدولارات على مدى عدة أعوام، وتوجيه بعض الأموال إلى مؤسسة خيرية يربط المسؤولون البحرينيون بينها وبين الإرهاب، ويقول المحققون الأمريكيون إن الكثير من أموال «قاسم» يبدو أنها تتألف من الأعشار والزكاة التي تم جمعها من المصلين تحت تقاليد شيعية تعرف باسم «الخمس».

وقال مسؤول أمريكي سابق مطلع على التحقيق: «هذه منطقة حساسة سياسيا، ومن الصعب العثور على دليل قوي على تمويل الإرهاب، إننا نشاطر القلق على أساس أنه ينطوي على نقل ملايين الدولارات بطريقة غير شفافة على الإطلاق».

المصدر | واشنطن بوست

  كلمات مفتاحية

العقوبات على إيران البحرين بنك المستقبل عيسى قاسم