«ناشيونال إنترست»: «السيسي» فاقد للشرعية.. ومصيره سيكون مشابها لشاه إيران

الاثنين 9 أبريل 2018 11:04 ص

بعد يومين من الإطاحة بالرئيس «مبارك» في فبراير عام 2011، نشرت مقالا على موقع «فورين بوليسي» تحت عنوان «يموت الطاغية، يعيش الجيش». وقد أكدت في ذلك المقال على أنه قد تمت الإطاحة بـ «مبارك» من قبل القيادة العسكرية العليا، لأنه فقد سلطته كقائد عسكري أعلى. وفي الواقع، كان الوجه العام للنظام السلطوي قد أصبح مسؤولية كبيرة بسبب القمع والمحسوبية، والفساد المرتبط به وبأقاربه. وقد بدأ هذا ينتقص بشدة من شرعية النظام. وكانت محاولة مبارك للترويج لنجله «جمال» كخليفة له، والذي لم تكن لديه أي خبرة عسكرية، هي القشة الأخيرة التي أذنت بتحرك الجيش.

وفي ضوء هذه الحقائق، كنت قد توقعت أيضا أن سقوط الدكتاتور لم يكن يعني نهاية هيكل السلطة الذي كان يرأسه، وأن الجيش، الذي استمر في الاحتفاظ بمعظم مقاليد السلطة، كان من المرجح أن يعود إلى السلطة علانية عاجلا وليس آجلا. وقد تحقق ذلك في يوليو/تموز عام 2013، عندما قام وزير الدفاع «عبد الفتاح السيسي» بالإطاحة برئيس مصر المنتخب «محمد مرسي». وفي أبريل/نيسان عام 2015، صدر حكم على «مرسي» بالإعدام على يد القضاء المصري، لكن الحكم لم ينفذ بعد. وفي هذه الأثناء، في تصويت في اتجاه واحد بشكل واضح، تم انتخاب «السيسي» رئيسا بتصويت 97% في مايو/أيار عام 2014.

وقد تم الإعلان الأسبوع الماضي عن فوز «السيسي» في الانتخابات الرئاسية مرة أخرى بنسبة مماثلة من الأصوات. ولقد عادت مصر الآن بشكل كامل إلى النظام الاستبدادي، مع استبدال نظام «مبارك وزوجته» بعد خطة وضعت بعناية من قبل كبار الضباط العسكريين. ولقد كان الانقلاب في طور الإعداد منذ بدء المظاهرات الشعبية ضد مبارك في أوائل عام 2011. ولتعزيز شرعيتهم، قام قادة الجيش أولا بترك المساحة للشرطة وأبناء «مبارك» للهجوم على المتظاهرين في ميدان التحرير، ثم أمروا الجيش للتدخل لحماية المتظاهرين، وبالتالي ظهروا كأبطال في صف المحتجين.

كما ساهم «مرسي» وجماعته، «الإخوان المسلمين»، في هذا السقوط. فقد كانوا غير راغبين في استمالة الليبراليين والدوائر الكبيرة المناهضة لـ «مبارك» في البلاد، وذلك جزئيا بسبب جمودهم الأيديولوجي، ويرجع ذلك جزئيا إلى أنهم رأوا القوى العلمانية والليبرالية كمنافسين رئيسيين في النظام الديمقراطي الناشئ حديثا. وقد سمح ذلك للجيش باستغلال المشاعر المعادية لـ «مرسي» ​​بين عناصر واسعة من الجمهور لتحقيق غاياته الخاصة. وقد تم استخدام المظاهرات المناهضة لـ «مرسي» ​​في يونيو/حزيران ويوليو/تموز 2013، والتي شجعها الجيش وسرعان ما نظمها، لتبرير قرار «السيسي» بالإطاحة بأول رئيس منتخب في مصر والقبض عليه.

وقد ضاعف «مرسي» من خطئه في تهميش العناصر المعارضة والليبرالية عن طريق محاولة استمالة كبار القادة العسكريين وبقايا نظام «مبارك» من خلال تعيينهم في مناصب وزارية حساسة، مما جعلهم يسيطرون على معظم أدوات القمع في البلاد. وقد عين «السيسي»، الذي كان مديرا للمخابرات العسكرية في عهد «مبارك» وشريكا في جرائم «مبارك» ضد الشعب المصري، في الحكومة كوزير للدفاع.

كما قام «مرسي» بتعيين رجال من نظام «مبارك» لرئاسة وزارة الداخلية، التي كانت تسيطر على أجهزة الشرطة والأمن. وعين أولا «أحمد جمال الدين»، الذي كان نائبا لوزير الداخلية في عهد «مبارك»، وزيرا للداخلية. وفي يناير/كانون الثاني عام 2013، استبدل «جمال الدين» بمساعد آخر لوزير الداخلية في عهد «مبارك».

وكانت هذه التعيينات، التي صممت لاسترضاء قوى النظام القديم والتخفيف من معارضتهم للنظام الجديد، مسؤولة عن الإطاحة بـ «مرسي» أكثر من أي شيء آخر. وبهذه الخيارات، سلم السيطرة على أدوات القمع التي تملكها الدولة لبقايا نظام «مبارك»، الذين كانوا عازمين على تقويض سلطته.

وقد عزز «السيسي» سلطته داخل الجيش، وأطاح بالرئيس المنتخب في يوليو/تموز عام 2013. ورفض «محمد إبراهيم»، الذي كان يسيطر على الشرطة، توفير الحماية لمقار حزب الرئيس عندما تعرضت للهجوم في يونيو/حزيران ويوليو/تموز عام 2013 من قبل الغوغاء الذين تم استدراجهم سرا من قبل الجيش. ولا عجب أن «السيسي» احتفظ به كوزير للداخلية بعد الإطاحة بـ «مرسي».

حليف استراتيجي؟

واستطاع الرئيس «السيسي» تقديم نفسه للولايات المتحدة كحليف قوي ضد التطرف الإسلامي، وخاصة تنظيم الدولة الإسلامية، وكضامن لعلاقات مصر السلمية مع (إسرائيل). وكان يُنظر إلى «مرسي» بشك في واشنطن، لأن حركة «حماس» التي سيطرت على قطاع غزة كانت من الناحية التاريخية فرعا لجماعته «الإخوان المسلمين». واستمر هذا الشك تجاه «مرسي» على الرغم من الجهود الحثيثة التي بذلها الأخير لإثبات أنه كان مهتما بالسلام بين (إسرائيل) و«حماس»، خلال التوسط في وقف لإطلاق النار في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2012 بين الخصمين، الذي حال دون غزو واسع النطاق لقطاع غزة من قبل (إسرائيل). وقد أشادت وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك «هيلاري كلينتون» بجهوده في هذا الصدد.

وينبع عداء «السيسي» تجاه «تنظيم الدولة الإسلامية» من عدائه مع «الإخوان المسلمين» الذين يعتبرهم متطرفين إسلاميين على غرار تنظيم الدولة. وفي الواقع، فإن قمعه الوحشي للإخوان، الجماعة التي كانت في طور التطور إلى حزب إسلامي دستوري، مثل حزب النهضة في تونس وحزب العدالة والتنمية في تركيا، قد أعاد فتح الباب للتطرف الإسلامي في مصر، وعودتها إلى ما يشبه حالة التسعينات عندما أصبحت الهجمات الإرهابية هي الواقع اليومي في مصر. ولقد خسرت العناصر المعتدلة في الإخوان الثقة لصالح أولئك الذين يدافعون عن الإطاحة العنيفة بالنظام. وقد شجع ذلك عناصر داخل الإخوان على حمل السلاح ضد النظام، وبذلك تحول «الإرهاب المحتمل» الذي تحدث عنه «السيسي» إلى نبوءة حققها بنفسه.

وقد عجز «السيسي» بشكل عام عن تأكيد سيطرته الكاملة على شبه جزيرة سيناء ذات الكثافة السكانية العالية، حيث أصبحت «ولاية سيناء»، الفرع التابع لتنظيم الدولة الإسلامية، الذي تأسس عام 2011، نشطة بشكل متزايد في الأعوام القليلة الماضية. وقد نفذ عددا من الهجمات القاتلة في المنطقة، بما في ذلك إسقاط طائرة روسية قتل فيها 224 شخصا. وكان آخر عمل إرهابي دراماتيكي هو الهجوم على مسجد في بلدة «بئر العبد» في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2017، الأمر الذي أدى إلى مقتل 235 شخصا. ويبدو أن معظم المستهدفين كانوا من المصلين الصوفيين، الذين تعتبرهم الدولة الإسلامية خارجين من الإسلام. ومن الواضح أن نظام «السيسي» غير قادر على توفير الأمن لشعب شبه جزيرة سيناء، الأمر الذي ينتقص من شرعيته.

وقد وضعت الولايات المتحدة، خاصة في عهد الرئيس «ترامب»، كل بيضها في سلة «السيسي». وتقدم الولايات المتحدة 1.3 مليار دولار كمساعدات عسكرية لمصر كل عام، وقد أثنى «ترامب» بشكل مبالغ فيه على «السيسي» أكثر من مرة منذ وصوله إلى السلطة. وعلى أقل تقدير، تعد هذه السياسة محفوفة بالمخاطر؛ نظرا لحقيقة أن النظام المصري يعاني من عجز كبير في الشرعية. ويجب أن يكون مصير شاه إيران بمثابة إشارة تحذير قوية لصانعي السياسة في واشنطن، حيث إن أوجه الشبه بين النظامين، وأولئك الذين يعارضونهما، قوية بشكل مذهل.

المصدر | محمد أيوب - ناشيونال إنترست

  كلمات مفتاحية

حسني مبارك محمد مرسي عبد الفتاح السيسي دونالد ترامب الانقلاب العسكري في مصر