«بروكينغز»: كيف يخدم الانسحاب الأمريكي من سوريا مصالح روسيا وإيران؟

الاثنين 9 أبريل 2018 12:04 م

يمثل إعلان الرئيس «ترامب» أن الولايات المتحدة ستنهي وجودها العسكري في سوريا «قريبا جدا» خروجا كبيرا عن موقف الإدارة السابق الذي كان ملتزما بحفاظ الولايات المتحدة على انتشارها إلى أجل غير مسمى.

وفي الوقت الحالي، هناك ما يقدر بنحو 2000 جندي أمريكي يعملون في شرق سوريا، ويعمل معظمهم إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية، القوة الكردية التي تقودها الولايات المتحدة، التي قامت بهزيمة تنظيم الدولة في المقاطعات الشرقية للبلاد.

وسيكون الانسحاب من سوريا الآن تهورا، فعلى الرغم من تردد «ترامب»، فإن لدى الولايات المتحدة دور أكبر بكثير في منع عودة ظهور تنظيم الدولة، ومواجهة التوسعية الإيرانية، وضمان عدم غرق البلد في حالة حرب دائمة.

الفراغ القاتل

وكما تظهر تجربة العراق، تترك الانسحابات فراغا يمكن أن يملأه أعداء أمريكا، ولقد تحركت إيران للاستفادة من المساحة التي تركها انسحاب القوات الأمريكية عام 2011.

وقد ثبت أن ذلك كان حاسما لهيمنة إيران في سوريا، حيث كان العراق نقطة عبور حاسمة عززت من خلالها نظام «الأسد» بأسلحة كبيرة وعشرات الآلاف من المقاتلين العراقيين.

وتعد الميليشيات الشيعية الآن القوة الأكثر هيمنة على الأرض. كما أدى ذلك إلى تهميش العرب السنة والأكراد وإشعال توترات إثنية وطائفية كثيفة، الأمر الذي ساعد في نشوء تنظيم الدولة عام 2014.

وسوف يعجل الانسحاب من سوريا عودة ظهور التنظيم، مع استمرار سوريا في أخذ مكانها باعتبارها الكارثة الإنسانية الأكبر في هذا القرن، وستكون مسرحا لنزاع مدمر لأعوام، إن لم يكن لعقود قادمة.

ولقد تأثر الوعي الجماعي للسوريين بحرب دامت عقدا تقريبا، وسوف يشكل ماضيهم بالتأكيد مستقبلهم، وتوفر ندوب الحرب الظروف الهيكلية التي تسمح لمجموعات مثل تنظيم الدولة وأمثالها بالازدهار.

وفي هذه الأثناء، سيكون من الحماقة أن نفترض أنه يمكن التوصل إلى اتفاق مع روسيا، التي لم تعبأ عندما قام نظام «الأسد» بقتل 400 ألف مدني.

وقد توقفت الحرب الأهلية السورية عن كونها شأنا يخص الشعب السوري منذ زمن بعيد، وهي الآن ساحة معركة تحدد مستقبل النظام الإقليمي وتوازن القوى في الشرق الأوسط.

ولقد استفادت الجماعات المسلحة القوية العابرة للحدود، المدعومة من جهات فاعلة خارجية، من انهيار الحدود وهشاشة الدولة السورية، والتأثير المدمر للحرب، وسوف يستمرون في تعطيل وإتلاف الحلول السياسية، بناء على طلب رعاتهم الدوليين.

وفي خضم هذا المزيج الخطير، سوف يسمح الانسحاب من سوريا بإعادة هيكلة أمنية تهيمن عليها روسيا في المنطقة، ويعجل بهيمنة إيران.

وفي حين أن الهيمنة الإيرانية ستكون غير مقبولة في جميع أنحاء المنطقة، فإن الدول الأخرى في الشرق الأوسط أضعف من أن تواجه إيران بفاعلية بدون دعم وقيادة الولايات المتحدة.

وفي أحسن الأحوال، إذا تركت للقتال بمفردها، يمكن لحلفاء أمريكا الإبقاء على الحرب بالوكالة، لكنهم لن يخلقوا سوى صداع يمكن احتماله لإيران وروسيا، ومن المرجح ألا يغيروا توازن القوى أو أي شيء على الأرض، وباختصار، هذه وصفة لإبقاء سوريا غارقة في حالة حرب مستمرة.

الاستراتيجية الأفضل لواشنطن

وبدلا من ذلك، فإن شيئا من توازن القوة قد يساعد، ونعني بذلك إدراك أنه لا يمكن لأي جهة واحدة أن تحقق فوزا حاسما في سوريا.

ومن هذا المكان يمكن للولايات المتحدة أن تتدخل؛ حيث يمكنها فرض ووضع قواعد وحدود للتدخل والصراع. ولن يحدث هذا بين عشية وضحاها، ويتطلب ليس فقط استمرار وجود الولايات المتحدة في سوريا ولكن البناء على النشر الحالي للقوات في شرق البلاد.

وبقيامها بذلك، من خلال ردها القوي على محاولات إيران وروسيا لاختبار عزيمة أمريكا وإجبار قواتها على الخروج من البلاد، يمكن للولايات المتحدة أن تظهر كحامية للاستقرار العام.

والهدف من ذلك هو الحد من تأثير الصراع واحتوائه، مع تأمين مصالح الولايات المتحدة عن طريق قمع عودة ظهور تنظيم الدولة ومواجهة التوسع الإيراني.

وعلى أقل تقدير، يمكن لوجود أمريكي مستمر أن يضمن أن تشهد بعض أجزاء سوريا استقرارا بعيدا عن الصراع، وبشكل أساسي، سوف يضمن ألا تصبح الأراضي الواقعة شرق نهر الفرات معقلا للجهاديين الذين يهددون الأمن الإقليمي والدولي.

ومن أجل المضي قدما، يمكن للهيمنة الأمريكية في شرق سوريا أن توفر نقطة انطلاق لتوفير المساعدات الإنسانية التي تمس الحاجة إليها لبقية البلاد، لكن هذا يتطلب استعدادا أمريكيا لمحاربة وكلاء إيران وغيرهم من الجماعات الموالية للنظام التي ستحاول تقويض هذه الجهود.

وقد يحبط الوجود الأمريكي الواسع في الشرق تعزيز إيران وتكريسها المتزايد لنفوذها ووكلائها، وربما يحول ميزان القوى بعيدا عن هؤلاء الممثلين ورعاتهم.

وتستطيع الولايات المتحدة المضي قدما عبر قيادة جهود الوساطة بين تركيا ووحدات حماية الشعب الكردية، وتهدئة مخاوف الأمن القومي التركي من خلال الالتزام بتقييد وحدات حماية الشعب الكردية بأهداف محددة، ومنع نشوء «كردستان سورية»  يسيطر عليه حزب العمل الكردستاني المعادي لتركيا.

وسيتطلب ذلك استراتيجية سياسية شاملة تكفل دعم الولايات المتحدة لـ«وحدات حماية الشعب»، واستعداد المجموعة لتقاسم السلطة مع منافسيها الأكراد، فضلا عن دعم الولايات المتحدة للجماعات الكردية الأخرى في كردستان السورية.

ويمكن من خلال الاستفادة من الفرص الصغيرة التي ظهرت منذ أن سيطرت تركيا على «عفرين» قبل 3 أسابيع الاستفادة من مكانة تركيا الإقليمية، بأن تضمن واشنطن أنها لن تخوض هذا الجهد وحدها، كما يخدم هذا النهج إمكانية استخدام «وحدات حماية الشعب الكردية» كحاجز ضد عودة ظهور تنظيم الدولة وضد مزيد من التوسع الإيراني.

وقد تسمح الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة للتوسط في صراع تركيا مع الوحدات الكردية، وكذلك استعادة العلاقات مع أنقرة وتطبيعها، بتمهيد الطريق أمام نسخة معدلة من تحالف قوة المساعدة الأمنية الدولية «إيساف» بقيادة حلف شمال الأطلسي «الناتو» في أفغانستان، والذي يتضمن مشاركة عربية ومساهمة تركية كبيرة.

ولأسباب تتعلق بالقدرة والتاريخ والطموح، وعلى الرغم من التدهور الأخير في علاقاتها مع الغرب، لا تزال تركيا هي الشريك الإقليمي الأكثر قابلية للاستمرار في تلك الحرب، ومن شأن المساهمات التركية في جهود الاحتواء في سوريا أن تقطع شوطا طويلا نحو تحقيق الاستقرار في البلاد، وبالتالي تأمين مصالح الولايات المتحدة وحلفائها، والمساعدة في إضفاء الشرعية على المشاركة الأمريكية في سوريا.

ويجب على الولايات المتحدة بالتأكيد أن تتعلم من دروس الماضي، بأن يكون انسحابها منظما وتدريجيا، لكن يجب عليها أيضا أن تقف إلى جانب أصدقائها لتأمين المصالح المشتركة، بما في ذلك البناء على النوايا الحسنة التي تم اكتسابها في المناطق المحررة من تنظيم الدولة.

ولقد قام حلفاء الولايات المتحدة بدفع الثمن من دماء وأرواح، لذا تحتاج الولايات المتحدة للاستمرار في العمل على تقديم المساعدات الإنسانية العاجلة للسكان المحاصرين، وإرساء قواعد الديمقراطية والمحاسبة، وتعزيز قدرة المجتمع السوري الهش على الصمود.

ولن يكون لديهم أي أمل إذا ما تم ترك مصيرهم لإيران وروسيا، الذين سوف يسعدون بالتأكيد إذا انسحبت الولايات المتحدة من سوريا.

المصدر | رانج علاء الدين - بروكينغز

  كلمات مفتاحية

الحرب السورية الانسحاب الأمريكي تركيا روسيا إيران