«عهد التميمي» تواجه المحققين الإسرائيليين بـ«الصمت»

الثلاثاء 10 أبريل 2018 08:04 ص

في مشاهد مصورة عرضها والدها «باسم التميمي» في رام الله وسط الضفة الغربية، ظهرت الأسيرة الفلسطينية «عهد التميمي»، في مواجهة اثنين من محققي الاحتلال الإسرائيلي، وكان أحدهما يوجه إليها استجوابا غاضبا وردت عليه دائما «ألتزم بحق الصمت».

يدخل ثلاثة رجال إلى غرفة التحقيق، ومعهم «عهد»، يجلس اثنان، ويقف الثالث على الباب، يسألها المحقق بالعربية المكسّرة: بدّك تشربي شي (هل تريدين شرب أي شيء)؟ تردّ عليه عهد قائلة: «لا..». يسألها: أكلتِ شي؟ ترد: «لا...». يسألها من جديد: «بدّك تاكلي شي (هل تريدين أن تأكلي شيئاً)؟ تجيب: «لا».

يطلعها المحقق على حقوقها وفق نص مكتوب باللغة العربية، ويطلب منها أن تقرأه، وتكون النقطة الأولى فيه إن من حق المتّهم القاصر التزام الصمت، ثم يبدأ التحقيق، يسألها: «هل رميتِ حجارة؟» تجيب: «ألتزم حق الصمت».

وتتوالى الأسئلة: «هل ضربت جنوداً؟» الجواب: «ألتزم حق الصمت». «هل تودّين قول شيء قبل بدء التحقيق؟»، تجيب: «ألتزم حق الصمت». يتابع: «أعطيك فرصة ثانية، هل تريدين قول شيء؟» تردّ بالعامية: «لا، بديش أحكي (لا أريد أن أتكلم)». يسألها: «أين تسكنين؟، تجيب: «ألتزم حق الصمت»، شو اسمك؟ «ألتزم حق الصمت». «هل تسكنين في الضفة الغربية أم في (إسرائيل)؟»، ترد: «ألتزم حق الصمت».

ينفعل المحقق: «الاسم والسكن ليس دليلاً؟» فتردّ عليه: «ألتزم حق الصمت». يضيف: «هل حققت معك الشرطة؟»، «ألتزم حق الصمت». وهنا يفقد أحد المحققين صوابه، ويصرخ عليها قائلاً: «في كل المسيرات أنت عاملة حالك مسؤولة عن كل العالم، وهنا لا شيء؟» تبقى «عهد» صامتة ولا تجيب.

يُخرج المحققان أساليب التحقيق المعروفة في جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك)، ويأخذان بتطبيقها على الطفلة الصغيرة التي لا تظهر أي مشاعر قلق أو خوف، وتحافظ على قوة صمتها.

يحاول المحقق أن يبني علاقة ثقة ومحبّة شخصية مع «عهد»، كي يستدرجها إلى الاعتراف والندم، يقول لها: «هل تعرفين لماذا أنا هنا؟ أنا هنا من أجلك، أنا لست محققاً، لكن عندما رأيت صورتك مع الشرطة، قلت: ملاك مثلك يجب ألا يكون في السجن، وقلت يجب أن أتحدث إليك، وطلبت منهم أن يأتوا بي إلى هنا، قلت: سأتحدث معها كما أتحدث مع أختي الصغيرة».

ويمضي المحقق في محاولة زعزعة ثقة الفتاة الصغيرة بنفسها وبقضيتها التي اعتقلت من أجلها قائلاً: «أنت يجب أن تكوني في المدرسة، أو في المول (المركز التجاري) وليس في السجن. عندما أشوف (أرى) عينيك مثل الملاك، عندما أشوفك (أراكِ) وأشوف (أرى) عينيك أقول: حرام تكوني هون (هنا).. وين (أين) أصحابك؟ في المدرسة، يجب أن تكوني معهم».

ثم يمضي المحقق في لعبة التفكيك، وبناء علاقة ثقة، فيقول لها: «أنت مثل أختي الصغيرة، أختي بتروح (تذهب) إلى السينما، وتتعلم، وتروح مع أصحابها... تذهب إلى «زارا» و«مانغو» (محلات ألبسة عالمية)...». ثم يسألها: هل لديك «فيسبوك»؟ فلا تجيب... هل تسمعين موسيقى؟ ولا تجيب. ثم يجيب المحقق: «أنا أحب المغني محمد عساف، وهو يغني فلسطيني... فلسطيني».

وهنا يحاول أن يدفعها لمقارنة مصيرها في السجن مع مصير المغني «محمد عساف»، قائلاً: «هل تعرفين من أين هو محمد عساف؟ ويجيب: إنه من خان يونس (في قطاع غزة المحاصر)، لكن أين يعيش اليوم، في بيروت، ولديه الكثير من الفلوس».

وأمام صمتها الكبير، يمعن المحقق في محاولة جرّها للحديث والاعتراف... يقول لها: «أنت شقراء مثل أختي، في الشمس، تبدو أختي مثل قطعة الهامبرغر، وأنت كيف تبدين في الشمس: حمراء؟» فلا ترد عليه.

يهددها باعتقال والدها، وأشقائها الصغار بعدما يعرض فيديو يظهرهم وهم يشاركون في التظاهرات، ويذكرها بأن والدتها معتقلة.

يواصل المحقق الذي يلعب دور «الشرطي السيئ» الصراخ عليها، بعدما يعرض على جهاز الحاسوب أدلة مصورة على مشاركتها في التظاهرات، لكنها لا تجيب، وتواصل الصمت.

من جانبه، قال والد «عهد» إن بث الفيديو جاء ليكون دليلا للأجيال الفلسطينية التي تخوض تجربة الاعتقال للمرة الأولى وتواجه التحقيق الإسرائيلي العنيف لإجبارها على الاعتراف تحت الضغط، واحتفى بما وصفه بـ«صمود ابنتي» قائلا إنها بالصفعة والصمت اشتبكت مع الاحتلال حد الخرافة.

وأضاف أنه تعبير واعٍ عن رفض الاحتلال بأشكال مختلفة وتكريس لشعار «عهد» الذي رفعته قبل اعتقالها: «نحن لسنا ضحايا، نحن مقاتلون من أجل الحرية».

واعتقلت «عهد التميمي» من منزلها غرب رام الله يوم 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي من منزل عائلتها بعد الاعتداء عليها، ووجهت إليها تهمة مهاجمة جندييْن إسرائيليين وصفع أحدهما، بعد بث فيديو فيه مشهد دفاعها عن منزلها، وفي 21 مارس/آذار الماضي حكم عليها بالسجن ثمانية شهور.

وحسب والدها، فإنها خضعت لجلسات تحقيق استمرت عشرة أيام وأحيانا لأكثر من عشر ساعات يوميا، وكان يجري نقلها إلى زنزانة معزولة لمدد قصيرة ثم تعاد إلى غرف التحقيق.

وفي مؤتمر صحفي، قال والدها إن المحققين حاولوا استنطاقها بأساليب عدة كالإِساءة إلى والدتها أو أقاربها لاستفزازها بالرد ودفعها للتخلي عن صمتها، أو بالتحرش اللفظي من خلال الحديث عن شعرها وعيونها، وفي المشاهد التي بثتها العائلة كان أحد المحققين يتحدث عن لون بشرتها تحت الشمس وعلى البحر.

وأكد والدها أن نشر مشاهد التزام ابنته الصمت رسالة للآباء والأمهات أن يصنعوا أبناء أقوياء بعيدين عن الخوف وقادرين عن المواجهة في كل مكان وزمان.

وحسب العائلة والمؤسسات الحقوقية، فإن التحقيق مع «عهد» جرى بشكل مخالف للقانون الدولي الذي يضع ضوابط عند استجواب القاصرين، حيث تم دون وجود محاميها أو محققة أنثى ودون حضور ممثل عن عائلتها، وعندما ذهبت والدتها لتساندها بعد ساعات من اعتقالها تعرضت للاعتقال بدورها أيضا.

ومنذ اعتقال «عهد التميمي»، شنّ الاحتلال اعتقالات واسعة في صفوف فتية قريتها، وجميعهم من عائلتها، وحتى اليوم لا يزال 19 منهم معتقلين في السجون الإسرائيلية.

واحتجزت «التميمي» في زنزانة انفرادية معزولة وعرّضت لتيارات هواء باردة في أجواء الشتاء، كما تعرضت والدتها لتحقيق متواصل لأسبوعين ولم يسمح لها باللقاء معها خلال تلك المدة.

المصدر | الخليج الجديد + وكالات

  كلمات مفتاحية

فلسطين عهد التميمي إسرائيل الاحتلال الإسرائيلي الشاباك