«أوبن ديموكراسي»: «السيسي» حول مصر إلى طنجرة ضغط.. والانفجار قادم

الأربعاء 11 أبريل 2018 11:04 ص

لم تكن نتيجة الانتخابات المصرية صادمة تماما، فـ«السيسي» فاز بـ«معركته» الانتخابية ضد مرشح آخر مؤيد له أطلقت عليه الصحف العالمية اسم «موسى شيء ما موس».

كما أن الشاحنات التي تشغل الموسيقى الوطنية المؤيدة لـ«السيسي» والمحاولات اليائسة لجعل الناخبين يذهبون إلى صناديق الاقتراع (باستخدام المكافآت النقدية والتهديدات والإيذاء الجسدي)، لم تكن صادمة.

لم يكن من الصادم أن نلاحظ بعض رجال ونساء على علاقة بالكونغرس الأمريكي وهم يصبحون جزءا من جهاز الدعاية الموالي لـ«السيسي» عن علم أو بدون علم، عندما رقصوا في مراكز الاقتراع، كما لم يكن الانخفاض النسبي في الإقبال على الاقتراع، خاصة بين الشباب، صادما كذلك.

الصمت السياسي الصادم

ومع ذلك، فإن الانتخابات في مصر كانت صادمة بطريقة مختلفة، فالصادم والأكثر غرابة هو الافتقار الكبير للمحتوى السياسي، وعدم وجود خيار انتخابي والافتقاد لحرية التعبير، حتى في العاصمة القاهرة الصاخبة دائما، والتي كانت هادئة بشكل مريب، بلا أي صوت سياسي أو همس.

وبدلاً من ذلك، ساد الصمت السياسي القمعي شوارع مصر المزدحمة بطريقة خانقة، وقد تم القبض على القادة السياسيين ومرشحي الانتخابات، أو وضعوا تحت الإقامة الجبرية أو اختفوا ببساطة.

فرّ العديد من النشطاء السياسيين من البلاد، والبعض الآخر لديهم سحابة مظلمة معلقة مع هذا السؤال القلق «متى سيكون دوري؟ متى سيتم القبض عليّ وأتعرض للتعذيب؟ متى سأختفي؟».

هذا صادم أيضاً لأنه في ظل هذه السحابة الرمادية الداكنة ما يزال هناك دائماً ذكرى باهتة؛ الحنين لثورة 2011، وهي الذكرى التي تم تلطيخها وتغطيتها وإخمادها بالخيانة المضادة للثورة.

قمع غير مسبوق

 لم تكن ثورة 2011 دعوة إلى ديمقراطية رأسمالية ليبرالية بعد فترة طويلة من هيمنة نموذج مبارك الفاسد للسياسة، وإنما كانت دعوة لتغيير اجتماعي واقتصادي ووضع حد لسوء استغلال الدولة لقوى الأمن، لأنه حينها فقط توجد إمكانية لتغيير سياسي وانفتاح حقيقي.

لكن هذا الحلم الآن مدفون تحت كومة من الأنقاض السياسية، التي يبنى عليها البيت غير المستقر للسياسة المصرية الحالية، والتفاوت الاقتصادي وانتهاكات الدولة الأمنية التي صارت أكبر من أي وقت مضى.

اختفى آلاف الأشخاص وتعرضوا للتعذيب والاغتصاب والقتل، الاحتجاجات أو المظاهرات ممنوعة، وحتى أصغر انتقاد للحكومة أو الجيش يُنظر إليه على أنه تهديد مباشر للأمن القومي، وهذا يتضمن على سبيل المثال، تصريحا قالته المطربة «شيرين»، بأن مياه نهر النيل ملوثة، وحُكم عليها بالسجن لمدة ستة أشهر بسبب هذا التعليق.

كما أن انتقاد الجيش المصري هو الآن شكل من أشكال الخيانة العظمى، يعاقب عليه بالإعدام، ويتم الآن تطبيق عقوبة الإعدام كأداة للعقاب الجماعي.

يمكن احتجاز أي شخص وكل شخص في أي لحظة، لأنه لا يوجد خط أحمر  بعد الآن يفصل بين ما هو مسموح به وغير مسموح به في ظل النظام الاستبدادي، وكما قال أحد الناشطين المصريين المجهولين: «الحياة غير ضرورية، يتم رميها بعيداً ولا أحد يقول أي شيء عن ذلك، أسوأ شيء هو الصمت المميت القمعي، الصمت، والانتظار، متى سيحين دوري للموت؟».

الصمت والموت منتشران في سيناء، التي لم تعد أقلّ من ثقب عسكريّ أسود، فنحن لا نعرف أبدا ما الذي يحدث حقاً في سيناء، بخلاف المقتطفات المشوهة من المنافذ الإخبارية الموالية للدولة.

في هذه الأثناء، تتم مراقبة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعية لرصد الأنشطة الإرهابية بمساعدة أجهزة الاستخبارات الألمانية بموجب الاتفاق المصري الألماني الجديد الذي وقعته أنغيلا ميركل، ويشمل هذا بالطبع جميع أنشطة حقوق الإنسان التي تلحق الضرر بصورة الأمة المصرية والنظام.

وعلاوة على ذلك، تم إغلاق المجتمع المدني بالكامل بموجب قانون المنظمات غير الحكومية الذي أغلق أكثر من 47000 منظمة، كما تم حجب حوالي 500 موقع - من بينها وسائل إخبارية مثل هافينغتون بوست - بسبب الأنشطة الإرهابية المزعومة.

دعم دولي للنظام

في الوقت ذاته، تقوم فرنسا بشحن أطنان من المعدات العسكرية إلى مصر، كما تتعاون الشركات الهولندية في مشروع قناة السويس - الذي يعاني من الخسارة – ما يدعم صورة وشرعية النظام بشكل خاص.

وصعد الهولنديون إلى المرتبة السابعة في تجارة الأسلحة إلى مصر، تليهم ألمانيا، لكن تسبقهم بالطبع فرنسا، كما تضاعفت تجارة الأسلحة البريطانية مع مصر منذ عام 2013، بعد أن فرشت السجادة الحمراء أمام «السيسي» خلال زيارة إلى بريطانيا في عام 2015.

بشكل عام ، ارتفعت صادرات الأسلحة المصرح بها إلى مصر من 3 مليارات يورو في عام 2013 إلى 19.5 مليار يورو في عام 2015، وكل ذلك لأن القادة السياسيين الدوليين يعتقدون أن دعم القادة السلطويين مثل «السيسي» سيجلب لهم المزيد من الاستقرار في المنطقة.

كما يشارك صندوق النقد الدولي في هذا الإيمان بوضوح مع إشادة «كريستين لاجارد» مؤخراً بإصلاحات الحكومة المصرية، ولا سيما جهودها الجادة لحماية الفقراء والضعفاء، بينما في الوقت نفسه تدفع هؤلاء السكان بالتحديد إلى مزيد من الفقر من خلال تخفيض قيمة الجنيه المصري وإزالة الدعم الحكومي، وحتى عائلة متوسطة من الطبقة المتوسطة لا تستطيع تحمل ثمن بعض البرتقال، كما أصبحت تكلفة لوح الشوكولاتة تعادل أجر أسبوع.

مصر عبارة عن طنجرة ضغط ، حيث يتم ترك الشعب المصري ليتعفن في كفاحه من أجل البقاء - سواء اجتماعيًا و اقتصاديًا أو في سجون مصر- ويبدو أن عرض انتخابات الرجل الواحد لن يزيل أو يخفف من هذه الضغوط.

وفي الوقت نفسه، فإن السياسة المالية لن تؤدي إلى الاستقرار، بل إلى المزيد من عدم الاستقرار، وفي نقطة ما، سوف تنفجر في وجوه الجميع.

السؤال هو متى؟ وكيف؟ والأهم من ذلك، بأي ثمن؟ وكم من الدماء ستتدفق بعد؟

  كلمات مفتاحية

مصر السيسي مبيعات الأسلحة صندوق النقد الاختفاء القسري