الاعتراف بالصهيونية.. الجديد في خطاب «بن سلمان» تجاه (إسرائيل)

الخميس 12 أبريل 2018 11:04 ص

أثار ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان» الكثير من الدهشة بتعليقاته الأخيرة التي تبدو تصالحية بشكل غير عادي تجاه (إسرائيل).

وقد أخبر «بن سلمان» رئيس تحرير صحيفة «ذا أتلانتيك»، «جيفري غولدبيرغ»، ما يلي: «أعتقد أن كل شعب، في أي مكان، له الحق في العيش في دولته الخاصة التي تتمتع بالسلام، وأعتقد أن لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين الحق في امتلاك أرض خاصة».

لكنه أضاف بشكل حاسم: «لكن يجب أن يكون لدينا اتفاق سلام لضمان الاستقرار للجميع، ولإقامة علاقات طبيعية».

ومن هنا، يجب علينا التمييز بين ما هو قديم وما هو جديد بالنسبة لسياسات المملكة العربية السعودية التي يساء فهمها كثيرا تجاه (إسرائيل)، للخروج بقياس سليم حول طبيعة العلاقات بين الطرفين.

ولم يغير «بن سلمان» الموقف الأساسي للسياسة السعودية، وكرر التزام المملكة بحل الدولتين، وكان هذا هو الموقف العربي الفعلي منذ أن بدأت الحكومات العربية بقبول قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 الذي ينص على مبدأ «الأرض مقابل السلام»، باعتباره الإطار الأساسي للسلام العربي الإسرائيلي.

كما كانت السعودية ودول عربية أخرى مفيدة في توفير الغطاء السياسي والدبلوماسي والديني لمنظمة التحرير الفلسطينية، حيث تحركت هي الأخرى خلال السبعينات والثمانينات نحو تبني حل الدولتين كاستراتيجية وطنية فلسطينية.

وكذلك أعادت مبادرة السلام العربية، التي اعتمدتها جامعة الدول العربية عام 2002، التأكيد مرتين على الأقل على تلك النقطة منذ ذلك الحين، في عامي 2007 و2013، الأمر الذي أضفى صبغة رسمية على التزام عربي واسع النطاق بحل الدولتين.

وقد بدأت كمبادرة من ولي العهد السعودي آنذاك الأمير «عبدالله بن عبدالعزيز»، وكانت تمثل انتهاء عصر «اللاءات الثلاث» (لا اتفاق سلام مع (إسرائيل)، ولا مفاوضات مع (إسرائيل)، ولا اعتراف دبلوماسي بـ(إسرائيل))، التي تبنتها الدول العربية إبان حرب 1967.

وتلزم مبادرة السلام العربية العالم العربي بعلاقات طبيعية مع (إسرائيل) حالما يتم حل النزاع مع الفلسطينيين من خلال اتفاق تفاوضي، لكن القادة الإسرائيليين كانوا ولا يزالون رافضين للعرض.

والاعتراض الشائع هو أن هذه المبادرة جاءت كأمر واقع يجب على (إسرائيل) إما قبوله أو رفضه بالكامل، لكن في عام 2013، أوضحت الدول العربية أنه في ظل هذا الإطار، يمكن تعديل حدود 1967، من خلال تبادل الأراضي المتفق عليها.

لذا، لا يوجد شيء مما قاله «بن سلمان» يتجاوز سياسيا الموقف السعودي الحالي، ويمكن للقادة العرب أن يقبلوا حقيقة وجود (إسرائيل) كأمر واقع، والحاجة إلى حل الدولتين، حتى على أساس دائم، دون التخلي عن المفاهيم التقليدية التي تقول إن الصهيونية هي كيان دخيل، وأن (إسرائيل) دولة مفروضة من قبل القوى الاستعمارية.

وفي الواقع، في خطبة غاضبة مؤخرا، وصف رئيس السلطة الفلسطينية «محمود عباس»، الذي استندت كامل مسيرته واستراتيجيته الوطنية على التفاوض حول حل الدولتين مع (إسرائيل)، الصهيونية بأنها مؤامرة غربية تعود إلى «نابليون».

الاعتراف بالصهيونية

لكن الجديد في خطاب «بن سلمان» هو وصفه للصهاينة على أنهم جماعة عرقية ذات طموحات وحقوق وطنية طبيعية.

ومن هنا، يترتب على ذلك أن (إسرائيل) ليست دولة مارقة أو بلدا مزيفا قويا، وعلاوة على ذلك، فإن القومية اليهودية الإسرائيلية، وهي ما تعنيه «الصهيونية» الآن، في صيغة «بن سلمان»، هي في الأساس عادية ومعادلة للفلسطينيين، أو أي نوع آخر من القومية الأصيلة.

وليس من المستغرب أن يكون «بن سلمان» أول زعيم عربي كبير له تطلعات قيادية إقليمية يضفي صفة اليقين على (إسرائيل) والقومية اليهودية كواقع سياسي في الشرق الأوسط.

وفي سن الـ30، ينتمي «بن سلمان» إلى جيل جاء بعد فترة طويلة من الحروب العربية الإسرائيلية الكبرى، ونشأ مع وجود (إسرائيل) كحقيقة ثابتة، ووجود مبادرة السلام العربية كأساس للسلام العربي، ومن هذا المنظور، تبدو «اللاءات الثلاث» مثل أطلال من عمر بعيد.

وعلاوة على ذلك، أصبح «بن سلمان» الوريث الأقرب للعرش السعودي في عصر التحديات الأمنية الإقليمية الرئيسية، وهي هيمنة إيران وطموحاتها للتوسع، وصعود جماعات مثل «القاعدة» و«الدولة الإسلامية».

وكما قال لـ«ذا أتلانتيك»، فإن «هناك الكثير من المصالح التي نتقاسمها مع (إسرائيل)، وإذا كان هناك سلام، سيكون هناك الكثير من التعاون بين (إسرائيل) ومجلس التعاون الخليجي ودول مثل مصر والأردن، لا سيما فيما يتعلق بإيران».

لكن هذا لا يعني أن هناك، أو ستكون بالضرورة، شراكة استراتيجية مع (إسرائيل)، وأثناء المقابلة نفسها، أصر «بن سلمان» على أن المملكة لديها «مخاوف دينية حول مصير المسجد الأقصى في القدس، وحول حقوق الشعب الفلسطيني»، وهذا هو السبب في أنه شدد على ضرورة التوصل إلى اتفاق سلام.

إعادة هيكلة العلاقات

وسارع المعلقون من العديد من وجهات النظر المختلفة إلى الحديث حول تقارب سعودي إسرائيلي كأمر واقع، وكانت هناك بالفعل سلسلة من الخطوات الطفيفة لكن المهمة في هذا الاتجاه في الأعوام الأخيرة، كان آخرها منح حقوق التحليق في المجال الجوي السعودي إلى رحلات شركة طيران من الهند إلى (إسرائيل).

ولكن في الواقع، ستحتاج المملكة ودول الخليج الأخرى، كما ألمح «بن سلمان»، إلى جهود سلام قوية، وفي نهاية المطاف اتفاقية، لإعادة هيكلة العلاقات مع (إسرائيل) بشكل كبير.

وهناك 3 أسباب رئيسية لذلك؛ أولا، هناك خطر حدوث هزة سياسية، وثانيا، أن قادة الخليج هم عرب في في نهاية المطاف، يهتمون بفلسطين والفلسطينيين، وثالثا، والأهم من ذلك، فإنه على الرغم من تجاهلهم في كثير من الأحيان، يعترف قادة الخليج بأن الاحتلال الإسرائيلي المستمر هو متغير يزعزع الاستقرار إلى حد كبير، ويفهمون أنهم لا يستطيعون تحقيق الأمن الذي يتوقون إليه دون حل القضية الفلسطينية (التي يعد الاضطراب الأخير في غزة بمثابة تذكير بها).

وقد انعكست كل هذه المخاوف الـ3 في رد الفعل السلبي الواضح للرياض (والذي بدا أنه فاجأ إدارة الرئيس «دونالد ترامب») تجاه اعتراف واشنطن بالقدس عاصمة لـ(إسرائيل).

وكان الملك «سلمان بن عبدالعزيز» قد أكد التزام المملكة العربية السعودية الثابت بـ«الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في دولة مستقلة عاصمتها القدس»، وذلك في مكالمة هاتفية مع «ترامب» في 3 أبريل/نيسان.

وتوضح تعليقات «بن سلمان» في «ذا أتلانتيك» مدى تطور المواقف الخليجية والعربية الأخرى فيما يتعلق بـ(إسرائيل)، وحتى الصهيونية، بعيدا عن العقيدة العربية التقليدية.

وذلك أمر جديد، لكن ما لم يتغير، هو أن على (إسرائيل) أن تتصالح مع الفلسطينيين إذا أرادت بناء علاقة طبيعية، ناهيك عن التعاون مع السعودية وبقية العالم العربي.

المصدر | حسين إبيش - معهد دول الخليج العربي بواشنطن

  كلمات مفتاحية

القضية الفلسطينية مبادرة السلام العربية محمد بن سلمان السعودية (إسرائيل)