هل أفشلت مصر اتفاق سد النهضة بالخرطوم؟.. الاحتمالات والأسباب

الجمعة 13 أبريل 2018 03:04 ص

لم يكن مشهد تعثر الاجتماع الثلاثي بين مصر والسودان وإثيوبيا حول سد النهضة بالعاصمة السودانية الخرطوم، الذي اختتم في 5 أبريل/نيسان، طبيعيا، أو على الأقل قابلا للمرور بسهولة، لسببين..

الأول أنه جاء بعد أسابيع قليلة من الإعلان عن تقارب مصري سوداني إثيوبي كبير، توج بالوقفة الشهيرة للرئيس المصري «عبدالفتاح السيسي» منفرج الأسارير، بجوار نظيره السوداني «عمر البشير»، ومعهما رئيس الوزراء الإثيوبي السابق «هايلي ميريام ديسالين»، بعد اجتماع ثلاثي لهم بالعاصمة الإثيوبية، وهو يقول للصحفيين: «اطمئنوا تماما.. هناك قادة مسؤولون، التقينا واتفقنا مفيش (لا يوجد) ضرر على حد، وأكدنا أن مصلحة الثلاث دول واحدة، وصوتنا واحد، ومفيش أزمة بيننا».

السبب الثاني هو أن إثيوبيا بالفعل تجاوزت (عمليا وواقعيا) مسألة التحفظ المصري على بناء سد النهضة؛ حيث وصلت العمليات الإنشائية للسد إلى مراحل متقدمة، وتم إبرام عقود التمويل بالكامل تقريبا، وبالتالي فإن جلسة التفاهمات الحديثة اكتسبت أهمية أكبر للوصول إلى حل توافقي تحدث عنه قادة الدول الثلاث بالفعل.

مشهد التعثر

عودة إلى مشهد التعثر، بدأت الأمور بإعلان مفاجئ من وزير الخارجية المصري «سامح شكري»، الجمعة الماضي، عدم الوصول إلى اتفاق في جولة المفاوضات التي عقدت بالخرطوم، واستمرت نحو 16 ساعة.

وقال «شكري» للصحفيين بعد انتهاء الاجتماعات: «المشاورات كانت شفافة وصريحة، وتناولت كافة الموضوعات، لكن لم تسفر عن مسار محدد، ولم تؤت بنتائج محددة يمكن الإعلان عنها».

ظلت الأمور ضبابية، لا سيما مع صمت سوداني وإثيوبي، حتى خرج المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية «ملس ألم»، أمس الخميس؛ ليتهم مصر صراحة بإفشال المفاوضات، قائلا إن «سبب فشل مفاوضات الخرطوم هو عدم جدية وعدم تعاون الجانب المصري وطرحه لاتفاقية 1959 في المفاوضات».

ومضى «ألم» قائلًا، خلال المؤتمر الصحفي الأسبوعي له: «إثيوبيا تعتبر أن هذه الاتفاقية لا تعنيها. طرح تلك الاتفاقية يعتبر خطا أحمر، ولا يمكن أن تتفاوض أديس أبابا حولها، فلا يمكن أن نتحدث عن اتفاقيات لم نكن طرفًا فيها».

اتهام سوداني

بعدها بساعات، جاء التفصيل من العاصمة السعودية الرياض، حينما كشف وزير الخارجية السوداني «إبراهيم غندور» أبعادا أكثر عن الموقف، متفقا مع متحدث الخارجية الإثيوبية بتحميل مصر مسؤولية فشل جولة مفاوضات الخرطوم.

وفي تصريحات لهيئة الإذاعة  البريطانية «بي بي سي»، على هامش اجتماع وزراء الخارجية العرب في الرياض، قال الوزير السوداني إن «تراجع مصر عن التوقيع على الاتفاق (لم يتم الإعلان عن تفاصيله) في الدقيقة الأخيرة أدى إلى رفع الجلسة، وبالتالي فشل جلسة المفاوضات».

وأوضح «غندور» أن الجانب المصري رفض كتابة «تحفظ إثيوبي» على اتفاقية تقاسم مياه النيل الموقعة عام 1959، لافتا إلى أن الدول الثلاثة كانت قد اتفقت بالفعل على تضمين التحفظ الإثيوبي على الاتفاقية، لكن المسؤولين المصريين «رفضوا في آخر دقيقة أن يكتب ذلك».

حديث الوزير السوداني، ومن قبله المسؤول الإثيوبي، استدعى ردا باهتا من الخارجية المصرية، اكتفى بالتأكيد على «مرونة الموقف المصري في المفاوضات وحرص القاهرة على التوصل لحلول توافقية»، كاشفة أن وزير الخارجية المصري «وجه خطابا جديدا إلى نظيريه السوداني والأثيوبي للدعوة إلى اجتماع ثان على المستوى التساعي (وزراء الري والخارجية ومدار المخابرات العامة من الدول الثلاث) في القاهرة لاستكمال المناقشات».

نقطة الخلاف

مما سبق، يتضح أن نقطة الخلاف -التي أشعلت الموقف- تمثلت في رفض الجانب المصري، في اللحظات الأخيرة، تضمين التحفظ الإثيوبي على اتفاقية 1959 التاريخية لتقاسم مياه النيل، في الاتفاق النهائي الثلاثي الذي كان من المفترض توقيعه في الخرطوم.

المدهش بالفعل أن وزير الخارجية السوداني أكد أن الوفد المصري وافق في البداية على تلك النقطة (تضمين التحفظ الإثيوبي على اتفاقية 1959) قبل أن يتراجع؛ وهو الأمر الذي يستدعى مزيدا من البحث حول تلك النقطة، لا سيما أن بيان الخارجية المصرية الذي رد على الوزير السوداني ومن قبله المسؤول الإثيوبي، لم ينف ذلك الأمر.

الآن بات أمامنا تساؤل واضح: لماذا وافقت مصر في البداية على تضمين التحفظ الإثيوبي على اتفاقية 1959 التاريخية لتقاسم مياه النيل، ثم تراجعت في اللحظة الأخيرة قبل التوقيع؟

قبل الإجابة، نلفت النظر إلى أن اتفاقية 1959 وقعتها مصر والسودان مع إثيوبيا الواقعة وقتها تحت الاحتلال البريطاني، وبموجب تلك الاتفاقية تم تحديد حصة مصر والسودان على أن يكون نصيب الأولى 55.5 مليار متر مكعب سنويًّا، والأخيرة 18 مليار متر مكعب سنويا.

احتمالات

الإجابة تقودنا لعدة احتمالات نوردها على النحو التالي:

أولا: أن يكون الوفد المصري فوجئ بتضمين التحفظ الإثيوبي في الاتفاقية؛ فوافق في البداية على الأمر كنقطة واحدة دون تفاصيل، ثم تبين له قبل التوقيع النهائي على الاتفاقية أن ذلك التحفظ أضيف له تفصيلات شارحة في الاتفاق النهائي أخرجته من حجمه الطبيعي.

ثانيا: أن يكون الوفد المصري وافق على تضمين التحفظ الإثيوبي كنقطة واحدة دون تفاصيل، لكن جهات سيادية مصرية رفضت توقيع الاتفاقية النهائية متضمنة ذلك التحفظ؛ لما قد يكون له من آثار مستقبلية تؤثر على الحصة التاريخية لمصر في مياه النيل بموجب اتفاقية 1959، وهو ما قد يكون تنازلا مصريا رسميا عن مياه النيل، قد يتم استغلاله من أطراف معارضة للرئيس المصري داخل مصر وخارجها.

ثالثا: أن يكون الوفد المصري وافق على تضمين التحفظ الإثيوبي، وعرض الأمر على الجهات السيادية المعنية، ووافقت، لكن أطرافا نافذة بالمؤسسة العسكرية المصرية رفضت الأمر في اللحظات الأخيرة، وبالتالي جاء قرار القاهرة بعدم التوقيع.

الاحتمال الثالث هو الأقرب للمنطق، ومن قراءة سابقة للمشهد داخل المؤسسة العسكرية، نجد أن هناك أطرافا لا تنظر بعين الارتياح لمنهج «السيسي» في التعامل مع الملفات التي لها علاقة بسيادة مصر على أراضيها وثرواتها.

أزمة مشابهة

ففي أزمة تنازل مصر عن جزيرتي «تيران وصنافير» للسعودية، بعد زيارة العاهل السعودي إلى القاهرة، في أبريل/نيسان 2016، تم تداول رواية مفادها أن تحفظا على الأمر كان ساريا بين قيادات القوات المسلحة، باعتبار الأمر سابقة في التاريخ العسكري المصري، ونقطة محرجة للجيش الذي يسوق نفسه على أنه الحامي الأكبر لأراضي مصر وحقوقها.

وسبب الإعلان عن عدم توقيع وزير الدفاع المصري «صدقي صبحي» على اتفاقية «تيران وصنافير» في ظهور تحليلات تشير إلى عدم موافقة تامة من الجيش على الأمر، لكن الحكومة اعتبرت، فى تقريرها بشأن الاتفاقية والذى قدمته للبرلمان، أن توقيع وزير الدفاع على الاتفاقية لم يكن مطلوبا من الأساس؛ لأنها اتفاقية قامت بين طرفين لهما الصفة التمثيلية لدولتيهما، وهما رئيس وزراء مصر وولي ولي عهد السعودية، وأن البرلمان هو صاحب الحق الأوحد في قبولها أو رفضها.

ولا ينبغي هنا استبعاد فرضية أن الرئيس المصري كان من الأطراف الموافقة على تضمين التحفظ الإثيوبي على اتفاقية 1959.

إذ يميل «السيسي» إلى أن يكون أكثر مرونة في تقديم التنازلات بقضية سد النهضة؛ بدليل مسارعته بالتوقيع على اتفاقية المبادئ، التي أقرت مبدئيا بحق إثيوبيا في بناء السد، والتي أثارت لغطا كبيرا داخل مصر، ودفعت المعارضة لاتهامه بالتفريط في مياه النيل.

لا ننسى أيضا حماس «السيسي» وهو يتحدث عقب، قمته الثلاثية بالعاصمة الإثيوبية مع الرئيس السوداني ورئيس الوزراء الإثيوبي، في 29 يناير/كانون الثاني الماضي، عندما أكد أنه لا توجد مشكلة ولا أزمة بين الدول الثلاثة في مسألة السد والاستخدام التشاركي لمياه النيل.

فتور السودان

يجب عدم إغفال أيضا أن السودان لم يعد متمسكا باتفاقية 1959، مثلما تتمسك بها مصر؛ حيث سبق أن قالت الخرطوم إن تلك الاتفاقية لم تفدها بقدر ما أفادت مصر.

وبشكل عام يبدو أن تمسك الخرطوم السابق بالاتفاقية كان نابعا في الأساس من حرصها على علاقات متميزة مع القاهرة.

لكن التوترات الأخيرة بين البلدين في عدة ملفات، وأبرزها ملف «حلايب وشلاتين»، أفقدت السودان حماسه للدفاع عن اتفاقية 1959، التي كان يدافع عنها «لأجل الخاطر المصري».

المحصلة من كل ما سبق هو أن الأمور عادت مجددا إلى المربع الأول، لكن المختلف هذه المرة هو أن قدرة مصر على الضغط تراجعت؛ بفعل الأمر الواقع الذي مكن إثيوبيا من إنجاز مراحل مهمة من بناء السد، وتوافق الخرطوم مع أديس أبابا في معظم القضايا الخلافية، بشكل جعل القاهرة تقف وحيدة كطرف معوق لإنجاز أي اتفاق.

التخبط المصري بات أوضح هذه المرة، وهو تخبط يأتي بالتوازي مع قلة أوراق الضغط التي باتت بحوزة القاهرة، للأسباب السابقة.

بالتالي فإن التوقعات المستقبلية تشير إلى قرار إثيوبي سوداني مشترك بالمضي قدما في سياسة الأمر الواقع، وتقوقع مصري على الذات بشكل يؤكد أن القاهرة باتت أسيرة، ولفترة طويلة مقبلة، داخل سياسة رد الفعل الباهتة فقط، إلى أن يصبح السد العامل بطاقته الكاملة أمرا واقعا ثقيلا على القيادة المصرية، وهنا سيكون رد الفعل مؤلما فقط للشعب الذي سيكون مطالبا بإعادة صياغة معيشته وفق الواقع الجديد، باعتباره الحلقة الأضعف في كل ما سبق.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

سد النهضة الخرطوم مصر اثيوبيا السودان اتفاقية 1959