لماذا لن تسمح واشنطن للرياض بامتلاك النووي؟

السبت 14 أبريل 2018 03:04 ص

يبدو أن وليّ عهد السعودية ووزير دفاعها، «محمد بن سلمان»، قد حصل على ما يريده من جولته الطويلة التي استقبل خلالها بحفاوة عبر الولايات المتحدة وعدة عواصم أوروبية.

والتقى ولي العهد الرئيس الأمريكي «ترامب» وكبار رجال الأعمال والمستثمرين المحتملين، وعاد إلى وطنه ببعض الصفقات الحقيقية، بما في ذلك التزام شركة النفط العملاقة الفرنسية «توتال» باستثمار المليارات في مجمع جديد للبتروكيماويات.

ولكن الشئ الذي كان يجب أن يحصل عليه -لكنه لم يحدث- هو محاضرات قاسية تنتقد موقفه المعلن بخصوص رغبته في امتلاك أسلحة نووية أو تطويرها.

موقف خطير

فعندما سألته «نورا أودونيل» من قناة CBS عما ستفعله السعودية إذا تحصلت إيران على مثل هذه الأسلحة، أجاب: «السعودية لا تريد الحصول على أي قنبلة نووية، ولكن بدون شك، فإذا ما طورت إيران قنبلة نووية، فسوف نتبعها فى أسرع وقت ممكن».

ويدل هذا الموقف أن الأمير قد تلقى إحاطة سيئة أو أن معرفته بالتاريخ وشؤون الأمن الدولي ضعيفة، حيث لا يبدو أنه يدرك أن خططه الكبرى لتحديث بلاده وإعادة هيكلة اقتصادها، والتي تقوم على الاندماج الكامل في النظام الصناعي والمالي العالمي، سوف تنهار إذا اعتقدت الولايات المتحدة وحلفاؤها أن السعودية تسعى لامتلاك الأسلحة النووية.

وبدون هذه الاستثمارات والصفقات الكبيرة فإن معظم مصادر المعدات والتدريبات العسكرية سوف تجف في بلده، والضرر الذي سيلحق بها في السعي وراء الأسلحة النووية يفوق أي مكاسب استراتيجية يمكن تصورها،  بالنظر لما يراه الأمير أمامه من عقوبات اقتصادية مهلكة تعرضت لها إيران على مدار سنوات قبل أن تقلص الاتفاقية متعددة الجنسيات لعام 2016 برنامجها النووي.

فضلا عن ذلك، تعد السعودية طرفا في معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، والتي تحظر على الدول الموقعة باستثناء الدول الخمسة النووية المعترف بها، أن تحصل على ترسانة نووية أو تطورها.

الكونغرس بالمرصاد

وقد أفلتت (إسرائيل) والهند وباكستان ببرامج أسلحتها النووية لأنهم ليسوا أطرافا في معاهدة عدم الانتشار، وبالتالي ليس لديهم أي التزام قانوني بشروطها. ومع هذا؛ فإن باكستان لم تفلت من غضب الكونغرس الأمريكي عنما اختبرت أسلحتها النووية في التسعينات، حيث سنت أغلبية الحزبين قوانين سمحت للرئيس «جورج دبليو بوش» و«بيل كلينتون» بفرض عقوبات صارمة، تم تنفيذها.

السعودية بدورها لديها قلة من الأصدقاء في الكونغرس، ومن غير المرجح أن تفلت من مصير مشابه، والمملكة لا تستطيع أن تحتمل أن تصبح دولة خارجة على القانون الدولي مثل كوريا الشمالية، أو أن ترى مبيعاتها النفطية تتقلص وأن يحدّ وصولها إلى الأسواق المالية العالمية مثل إيران، ومن شأن ذلك أن يضع حدا لخطة التنمية الكبرى التي صممها ولي العهد.

غير أن المملكة، شأنها شأن أي دولة أخرى في معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، مخولة بتطوير الطاقة النووية للأغراض السلمية، وفي الواقع وعد الرئيس «جورج بوش» بمساعدتها على القيام بذلك.

ولكن ليس هناك بالضرورة أي علاقة بين الطاقة النووية والأسلحة النووية، فالعديد من البلدان لديها الأولى دون الثانية. ولكن بالنظر لتعليقات الأمير، فإن خطط بلاده لتطوير الطاقة النووية لا بد أن تجتذب التمحيص والشكوك، ليس فقط في الكونغرس ولكن أيضا في (إسرائيل).

(إسرائيل) بالمرصاد

عندما أثارت المملكة في البداية الشكوك حول هذا الموضوع في عام 1988 من خلال تحصلها على صواريخ قادرة على حمل أسلحة نووية من الصين سرا، حذر مسؤولون أمريكيون كبار السعوديين من أنهم أضافوا بلادهم إلى قائمة الأهداف الإسرائيلية. ومررت أغلبية من الحزبين في مجلسي الكونغرس قرارات تعارض بيع معدات الدعم لطائرات التجسس «أواكس» للمملكة، كما أجل البيت الأبيض قد أجل جولة جديدة من مبيعات الأسلحة، ولم تهدأ الولايات المتحدة إلا عندما وافقت السعودية على توقيع معاهدة عدم الانتشار، والتي كانت قد رفضت أن تنضم لها سابقا لأن (إسرائيل) لم تفعل ذلك.

غير أن ولي العهد، البالغ من العمر 32 عاما ، ليس أول عضو بارز في العائلة الحاكمة يقول إن السعودية ستطابق كل الأسلحة التي تحصل عليها إيران.

فهناك الأمير «تركي الفيصل»، رئيس المخابرات السابق والسفير لدى الولايات المتحدة، الذي أعلن ذلك منذ سنوات، لكن الأمير «تركي» كان خارج الحكومة عندما اتخذ هذا الموقف، أما الأمير «محمد»، الذي من المقرر أن يصبح ملكا في غضون بضع سنوات عندما يخرج والده من المشهد، فلديه السلطة لفعل ما يصل تصنيفه إلى «خطأ كارثي».

خطورة العواقب

للأسف، لا يبدو أن هناك العديد من الأصوات داخل السعودية تحث على الحذر أو ضبط النفس على هذه الجبهة؛ وهم يؤكدون أن ولي العهد حريص على توضيح أن إيران خطرة ومعادية ومُهدِّدة وسوف تصبح أكثر من ذلك إذا امتلكت أسلحة نووية ولم يملكها السعودية، لكنهم لم يظهروا أي علامة على فهمهم لخطورة العواقب على المملكة إذا مضت على هذا الطريق.

ربما كان الأمير «محمد» يتخذ ردة فعل دون التفكير فيه بعناية، محاكيا «دونالد ترامب»، بدلا من التعبير عن قرار سياسي جاد. وسوف يتم فهم نواياه الحقيقية حال دخول السعودية في مفاوضات مع الولايات المتحدة حول اتفاقية تعاون نووي، تحدد الشروط التي يمكن لشركات أمريكية بموجبها بيع معدات أو تكنولوجيا نووية إلى المملكة.

ووفقا للعديد من التقارير، فإن السعوديين يطالبون باتفاق ثنائي -يعرف باسم «اتفاقية 123»- لكن مع شروط خاصة تسمح لهم بالسيطرة على طرفي دورة الوقود النووي، وبهذه الطريقة، يمكنهم أن يخصبوا اليورانيوم الخاص بهم ويعيدون معالجة الوقود بمجرد استخدامه لانتزاع البلوتونيوم المتولد من التفاعل المتسلسل.

هناك اتفاق من نوع 123 قائم بين الولايات المتحدة وجارة السعودية، أبوظبي، وهي لا يسمح بهذه الشروط. وهذه الاتفاقية تلتزم ما يعرف بـ«المعيار الذهبي»، لكن السعودية لا تريد قبول نموذج أبوظبي لأن الاتفاقية الدولية التي تحد برنامج إيران النووي ينبغي ألا تحظر التخصيب.

ورغم أن اليورانيوم المخصب للمفاعلات النووية متوفر بكثرة في الأسواق العالمية، إلا أن ولي العهد يؤكد المملكة تريد الاستفادة من مواردها المحلية عن طريق القيام بالتخصيب بشكل خاص، وحتى إذا كانت هذه حجة مناسبة للتخصيب، إلا إن السعوديين لا يستطيعون تقديم حجة تبرر طلب إعادة المعالجة للقبض على البلوتونيوم، الذي لديه استخدامات مدنية محدودة ولكنه في الأساس وقود للأسلحة النووية.

ويمكن أن نتوقع أن يقوم السناتور «إدوارد ماركي»، الذي عارض طويلا الطاقة النووية بأي شكل من الأشكال، بقيادة معارضة الكونجرس لاتفاقية 123 التي تسمح بإعادة المعالجة.

وقال «ماركي» في بيان له الشهر الماضي: «أكد ولي العهد السعودي ما كان الكثيرون يشكُّون فيه منذ فترة طويلة، بأن الطاقة النووية في السعودية هي أكثر من مجرد طاقة كهربائية، إنها قوة جيوسياسية، على الولايات المتحدة ألا تتنازل عن معايير عدم الانتشار في أي اتفاق 123 تبرمه مع السعودية»، وقال إن السعودية مهتمة أكثر بـ«الميغاطن أكثر من الميغاواط».

يمكن للسعوديين الحصول على مفاعلات الطاقة النووية المدنية من دول أخرى -مثل كوريا الجنوبية التي توفر تلك الموجودة في أبوظبي- ولن تحتاج إلى اتفاق مع الولايات المتحدة للقيام بذلك، ولكن إذا رفضت اتفاقية 123 لأنها تصر على الاحتفاظ بحق إعادة المعالجة، فإنها سترسل إشارة واضحة غير حكيمة.

  كلمات مفتاحية

النووي السعودي محمد بن سلمان أمريكا (إسرائيل) إيران الاتفاق النووي

الاتفاق النووي وتداعياته الخليجية والخيار النووي السعودي