«جيوبوليتيكال فيوتشرز»: أمريكا مسؤولة عن إضعاف عملات تركيا وروسيا وإيران

الأحد 15 أبريل 2018 11:04 ص

لا تحتاج الولايات المتحدة إلى استخدام جيشها للتأثير في الأحداث العالمية.

فالروبل الروسي والليرة التركية والريال الإيراني كلها تتراجع من حيث القيمة. والقاسم المشترك هو أن الولايات المتحدة تشارك بطريقة ما في تراجعها جميعا. وهذه علامة على قوة الولايات المتحدة. فحتى عندما يصبح جيشها أكثر محدودية وفي الوقت الذي تهدد فيه بالانسحاب من الشرق الأوسط وأجزاء أخرى من العالم، لا يزال بوسع الولايات المتحدة ممارسة الضغط على اقتصادات الدول التي تعمل ضد المصالح الأمريكية دون اللجوء إلى القوة العسكرية.

ضغط العقوبات على روسيا

بالنسبة لروسيا، تسببت العقوبات التي فرضت عليها مؤخرا، والتهديد بفرض عقوبات جديدة، في استنزاف اقتصادها وعملتها. وفي الأسبوع الماضي، أعلنت الولايات المتحدة عن جولة جديدة من العقوبات تستهدف الحكام القدامى الروس وأعمالهم. وقد تضررت «روسال»، وهي مجموعة من شركات التعدين، وأحد أكبر منتجي الألمنيوم في العالم، بشكل خاص، حيث انخفضت أسهمها بنحو 35% في غضون يومين. لكن «روسال» لم تكن الشركة الوحيدة التي لها علاقات مع الحكومة الروسية التي تضررت بعمليات البيع السريعة؛ فقد شهد «سبير بنك» و«فيرتا بنك»، وهما بنكين روسيين رئيسيين، تراجعا في أسعار أسهمهما بنسبة 20% و 10% على التوالي، بعد أن إعلان العقوبات. وقدر بعض المحللين الماليين أن ما يصل إلى 16 مليار دولار من الثروة التي تملكها «الأوليغاركية الروس» قد اختفت خلال ساعتين فقط.

وعبر استخدام ما يسمى بالعقوبات الثانوية، التي تستهدف كل من الشركات الأمريكية وغير الأمريكية التي تتعامل مع الشركات الروسية والأفراد الروس، تفرض الولايات المتحدة قيودا على وصول روسيا إلى الدولارات. ويحد هذا من قدرة الشركات الروسية على إجراء معاملات عالمية بالدولار ووصولها إلى الاستثمار الأجنبي. وعلى سبيل المثال، اضطرت «روسال» إلى مطالبة عملائها بتنفيذ عقود باليورو بدلا من الدولار. كما أن «الروبل» المتدهور يجعل الآلات والمعدات الأجنبية، التي تعد من أكبر واردات روسيا والتي تحتاجها روسيا لتحديث اقتصادها، أكثر تكلفة.

وتعد جاذبية الاستثمار أمرا حاسما بالنسبة لموسكو، حيث تحاول إصلاح اقتصادها لتقليل اعتمادها على النفط والموارد الطبيعية الأخرى. ومع ذلك، زاد تدفق رؤوس الأموال من روسيا بنسبة 60% في عام 2017 مقارنة بعام 2016، وبلغ إجمالي 13.4 مليارات دولار في الربع الأول من عام 2018. ولا يعد قطع هذا التدفق إلى الخارج أمرا جيدا بحال.

وبفرض العقوبات، تريد الولايات المتحدة أن تجعل مشاكل روسيا الداخلية قوية بما يكفي لإجبار موسكو على تحويل تركيزها إلى الداخل والحد من مغامراتها الخارجية. وقد تكون هناك المزيد من العقوبات في الطريق. ومن شأن مشروع قانون تم تقديمه في الكونغرس الأسبوع الماضي أن يقيد الاستثمار في الديون السيادية الروسية، مما يزيد من الضغط على «الروبل». وبالتالي، تشير واشنطن إلى أنها لم تفرغ ذخيرتها بأي حال من الأحوال.

وقال وزير المالية «ستيفن منوشين» إن العقوبات التي تم فرضها هذا الشهر تأتي ردا على سيطرة روسيا على منطقة «القرم»، ودعمها المستمر لنظام «الأسد» في سوريا. ولا شك أن التسمم الأخير الذي تعرض له جاسوس روسي سابق في المملكة المتحدة قد لعب دورا. لكن لا ينبغي النظر إلى العقوبات على أنها مجرد رد فعل على هذه الأحداث. وتحاول الولايات المتحدة إرسال رسالة أوسع إلى روسيا، وهي أنه إذا واصلت موسكو تعزيز وضعها في أماكن مثل أوكرانيا وسوريا وجورجيا، فسوف تواجه العواقب. وبطريقة ما، تعتبر خطوة استباقية تهدف إلى إبقاء الروس تحت المراقبة، ومنع المزيد من التوغلات الروسية في أماكن أخرى.

عدم اليقين في إيران

وهناك عدو آخر تواجهه الولايات المتحدة في سوريا وهو إيران. وبينما كانت الولايات المتحدة مشغولة بجمع تحالف ضعيف من المتمردين المعتدلين لمحاربة «بشار الأسد» وتنظيم «الدولة الإسلامية»، كانت إيران تعزز موقفها هناك. وتحتاج الولايات المتحدة الآن إلى طريقة للحد من توسع إيران، وتشجيع خفض قيمة الريال الإيراني، من خلال التهديد بإلغاء الاتفاق النووي الإيراني كأحد السبل للقيام بذلك. ويزيد عدم اليقين المحيط بالاتفاق من صعوبة قيام الشركات الأجنبية بأعمال في إيران، مما يحد من إمكاناتها الاستثمارية الأجنبية. ولا تحتاج الولايات المتحدة فعليا إلى التخلي عن الاتفاق لإحداث تأثير، بل تحتاج فقط إلى التهديد بالقيام بذلك.

ويعطي انخفاض الريال بشكل حاد نتيجة لهذا الغموض مؤشرا على أن اقتصاد إيران ما زال ضعيفا، بغض النظر عن نفوذها المتصاعد في سوريا والعراق. ومثل روسيا، تضطر إيران الآن إلى تحويل اهتمامها إلى القضايا المحلية بدلا من جهودها في التوسع الخارجي. وعلى سبيل المثال، فرضت الحكومة هذا الأسبوع سعر صرف خاص بها يبلغ 42 ألف ريال للدولار، وهو أعلى بكثير من سعر السوق، والذي يعادل في الوقت الحالي نحو 60 ألف ريال للدولار، في محاولة لوقف تراجع العملة. وتشير الاحتجاجات واسعة النطاق التي وقعت في يناير/كانون الثاني، ومحليا في مقاطعتي «خوزستان» و«أصفهان» هذا الأسبوع إلى وجود استياء ثابت واسع النطاق من النظام. ولا يقتصر هذا الاستياء على الطلاب أو أولئك الذين يعيشون في المدن. وفي «أصفهان»، يحتج المزارعون مرة أخرى على سوء معالجة الحكومة لنقص المياه أثناء الجفاف الشديد على مستوى البلاد، مما جعل من الصعب على المزارع أن يكسب قوته إن لم يكن قد أصبح مستحيلا. ونتيجة لذلك، يتم زراعة محاصيل أقل، مما يزيد من حاجة إيران إلى استيراد الغذاء. ولكن مع ضعف الريال، تصبح واردات الغذاء أكثر تكلفة.

وكان أحد العوامل المحفزة لاحتجاجات يناير/كانون الثاني هو الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية الأساسية. وفي أعقاب تلك الاحتجاجات، اضطرت إيران -تحت ضغط متزايد من الميزانية بسبب تخصيص المزيد من الأموال للقتال في الحروب- إلى التخلي عن تخفيضات الدعم المخطط لها لإرضاء الجمهور. وهو الأمر الذي اضطر المرشد الأعلى الإيراني «علي خامنئي»، إلى اللجوء لصندوق الاحتياطي الإيراني لضمان عدم تخفيض التمويل المقدم إلى الجيش. لكن ضعف الريال سيجعل الإيرانيين يفكرون مرتين في تمويلهم العسكري، وقد يؤثر على قدرة إيران على مواصلة شن الحرب على المستوى الذي كانت عليه في العامين الماضيين. وإذا كان ارتفاع أسعار المواد الغذائية سيؤدي مرة أخرى إلى حدوث انتفاضات واسعة النطاق، فسوف تحتاج إيران إلى تحويل الأموال إلى الاحتياجات المحلية لضمان الاستقرار الاجتماعي.

النمو المدعوم بالديون في تركيا

وعلى النقيض من روسيا وإيران، لا تمثل تركيا هدفا مباشرا للولايات المتحدة. ومع ذلك، تواجه تركيا مخاطر جسيمة بسبب السياسة النقدية الأمريكية. وردا على سوق العمل الأمريكي الضيق، والنمو الاقتصادي الثابت، قام بنك الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة منذ 2015، وسيستمر بالتأكيد في القيام بذلك طوال عام 2018. ويشجع هذا تدفق رؤوس الأموال إلى الولايات المتحدة، حيث يسعى المستثمرون إلى تحقيق عوائد أعلى. كما أنه يخلق ارتفاعا في الطلب على الدولار، مما يزيد من قيمة الدولار نسبة إلى العملات الأخرى، بما في ذلك الليرة التركية.

ويمثل تراجع الليرة مشكلة،ـ لأنه على الرغم من أن اقتصاد تركيا شهد معدلات نمو مرتفعة، إلا أنه قد تم دعمه بالديون الخارجية (أي الديون المقومة بالعملات الأجنبية). وقد صاحب هذا النمو الذي يغذيه الدين ارتفاع معدلات التضخم، التي تقلل من قيمة الليرة. وتصعب الليرة الضعيفة على الشركات التركية تسديد الديون الخارجية. وفي مارس/آذار، خفضت وكالة التصنيف «موديز» تصنيف الديون السيادية التركية، مشيرة إلى مجموعة من العوامل، منها التضخم وضعف الليرة ومخاطر التمويل الخارجي.

وبالتالي، تمثل أسعار الفائدة الأمريكية المرتفعة تهديدا لاقتصاد تركيا المتنامي، وبالتالي قدرتها على توسيع نطاق وصولها إلى أماكن قد تتحدى فيها مصالح الولايات المتحدة. ويحتاج ضعف الاقتصاد إلى تخصيص المزيد والمزيد من الأموال لخدمة الديون، الأمر الذي يصعب بشكل متزايد دعم تكاليف الحرب. وستزداد هذه التكاليف فقط في الوقت الذي تواجه فيه تركيا تحديات حكم الأجزاء السورية التي سيطرت عليها، وتطلعاتها إلى التحرك باتجاه الشرق.

ولكي نكون واضحين، لا تتعمد الولايات المتحدة إضعاف الاقتصاد التركي من خلال سياستها النقدية الخاصة. ولكن اقتصاد الولايات المتحدة كبير جدا ومنتشر، لدرجة أن له عواقب بعيدة المدى بالنسبة إلى البلدان حول العالم. ومع ذلك، كانت الولايات المتحدة وتركيا على خلاف حول الوضع في شمال سوريا، ولن تمانع واشنطن بشكل غير مباشر في الحد من قدرة تركيا على توسيع عملياتها ضد القوات الكردية هناك.

وأصبح تراجع قوة الولايات المتحدة حديثا شائعا في المناقشات حول الشؤون العالمية. لكن قدرتها على المساهمة في المشاكل الداخلية لخصومها، وحتى حليفها الذي تتعارض معه بشكل متزايد، لهي علامة على أن الولايات المتحدة ما زالت قادرة على ممارسة قوة ناعمة كبيرة، حتى وإن كان جيشها متراجعا ومحدودا في قدرته على الانتشار وممارسة القوة في المسارح الجديدة.

المصدر | زاندر شنايدر - جيوبوليتيكال فيوتشرز

  كلمات مفتاحية

القوة الناعمة سوريا تركيا إيران روسيا الولايات المتحدة الليرة التركية الريال الإيراني