«فورين بوليسي»: «ترامب» قصف سوريا على طريقة «تليفزيون الواقع»

الأربعاء 18 أبريل 2018 02:04 ص

بعد سنة من شن الولايات المتحدة هجوم محدود ضد الحكومة السورية لردعها عن هجوم كيمياوي مستقبلي، قام الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» بالشئ ذاته ثانية ليلة الجمعة، وفي غضون 12 ساعة، اعتبر البنتاغون أن العملية كانت «ناجحة للغاية».

لكن ذلك لم يكن شيئا صعبا في ظل ضمان رصد المرافق الثلاثة التي استهدفت لسنوات، إضافة لوقوعها في بيئة دفاع جوي منخفضة التهديد نسبياً، وبالتالي فإن قدرة ترسانة عسكرية تبلغ قيمتها 700 مليار دولار على تدمير أهداف ثابتة ليس شيئاً جديرا بالملاحظة.

ولكن الشئ المثير بخصوص هذه الهجمات الصاروخية يكمن في إمكانية مراقبة المشهد العام لكل ذلك لحظة بلحظة، بداية من تعهد «ترامب» الأوّلي بأن الهجوم الكيميائي المشتبه من الحكومة السورية سيتم «مجابهته بقوة» إلى فيديوهات البنتاغون التي تظهر الصواريخ أثناء انطلاقها، لقد كانت هذه عملية عسكرية تم وضع سيناريوهاتها والتحدث عنها وتنفيذها بشكل يلائم عصر البث على مدار الساعة؛ عصر برامج تليفزيون الواقع.

كلُ يلعب دوره

قدم حساب تويتر الخاص بـ«ترامب» إداناته وتوجيهاته المعهودة، مطلِقاً على عدوه الأخير المتمثل في رئيس النظام السوري «بشار الأسد» لقب «الحيوان القاتل بالغاز»، ثم حذر روسيا من أن «الصواريخ اللطيفة والجديدة والذكية آتية».

وكانت هذه التغريدات الأخيرة بمثابة نبوءة دقيقة، حيث كشفت العملية عن استخدام صواريخ «JASSM» لأول مرة، وفي الأسبوع الذي تلا الضربة، زينت هذه التغريدات كل التغطية الإخبارية بخصوص الحدث.

بعد هذا خرجت علينا تسريبات للمناقشات بين مسؤولي البيت الأبيض، تراوحت بين أولئك الذين يضغطون لأجل هجوم أوسع – والذين تضمنوا أولئك المناهضين للوجود الإيراني داخل سوريا – إلى المسؤولين العسكريين الذين يحاولون الحد من الهجمات وقصرها على عدد قليل فقط من المنشآت المرتبطة مباشرة ببرنامج الأسلحة الكيمياوية، وبالتالي تجنب المواجهة المباشرة مع إيران أو روسيا.

وبدا أن «ترامب» ومستشاره الجديد للأمن القومي، «جون بولتون»، متشددين إزاء إيران، في حين أن وزير الدفاع «جيمس ماتيس» وكبار المسؤولين كانوا في وزارة الدفاع على مستوى متزن وواقعي.

كانت هناك أيضاً حملة دعوات رئاسية تم الإعلان عنها بشكل جيد وزيارات دبلوماسية لإشراك الحلفاء لإضفاء شرعية أفضل على العملية العسكرية التي يعتبرها معظم القانونيين انتهاكاً للقانون الدولي. حيث لم يقدم «إيمانويل ماكرون» و«تريزا ماي» إلا دعمًا محدودًا يقدر بـ 17 صاروخًا مجتمعين مقارنة بـ 88 من الولايات المتحدة.

كما قامت سوريا وراعيتها روسيا ، بأدوارهما المتوقعة، وأعلنت وكالة الأنباء السورية الرسمية أن «ادعاءات استخدام الأسلحة الكيميائية أصبحت نموذجاً مقولباً غير مقنع»، على الرغم من أن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية التابعة للأمم المتحدة وثقت ذلك مرارا وتكرارا.

بعد وقت قصير من ضرب الصواريخ ، أدانت وزارة الخارجية الروسية الهجوم بأنه «هجوم لا أساس له على الإطلاق على سيادة بلد كامل العضوية في الأمم المتحدة»، ثم ادعت وزارة الدفاع الروسية أن أنظمة الدفاع الجوي التي زودت بها سوريا أسقطت 71 صاروخاً من الصواريخ القادمة.

لكن مسؤولي البنتاغون أشاروا إلى أن أنظمة الدفاع الجوي هذه لم تطلق النار حتى انتهى ضرب كل الصواريخ الأمريكية والفرنسية والبريطانية.

مسرحية وليست حربا

قدم البنتاغون الصور اللازمة لإعادة الإرسال الفوري والمستمر والدورات عبر المؤسسات الإخبارية ووسائل الإعلام الإجتماعية، وهذه الصور تشمل صورا ثابتة ومتحركة لقاذفات القنابل وهي تقلع وتتلقى الوقود في طريقها إلى سوريا والسفن البحرية والغواصات التي تطلق صواريخ كروز في الظلام وصور الأقمار الصناعية قبل وبعد القصف في جميع المواقع الثلاثة التي تم قصفها.

بعد ذلك، عُقد مؤتمران صحفيان في البنتاغون، تميزا بلغة عسكرية وتفاصيل دقيقة - مثل العدد الدقيق وأسماء الصواريخ الموجهة إلى كل موقع - لتملأ الكثير من التغطية الإخبارية المطبوعة والمرئية.

 وأعلن مدير هيئة الأركان الأمريكية، الجنرال «كينيث ماكينزي»، أن الحكومة السورية «ستفكر طويلاً وبشدة» قبل أن تستخدم الأسلحة الكيميائية مرة أخرى بعد الضربة الصاروخية، مكرراً بذلك إعلان «ماتيس» قبل عام بأن «النظام السوري يجب أن يفكر طويلاً وبشدة، قبل أن يتصرف مرة أخرى بتهور».

شكّلت الضربات وتبعاتها ما يشبه مسرحية، حيث كان الهدف الأساسي هو التأكد من أن أفراد المسرحية لعبوا أدوارهم بشكل متقن. كما إن هذا الهجوم الأخير لن يكون له أي تأثير عملي على المقاتلين المشاركين في الحرب الأهلية السورية.

الجميع تذكروا السيناريو المطلوب منهم وألقوه بشكل مقنع، وتلقوا عليه تعليقات متوهجة من جمهورهم المقصود. هيا لنعطي ترامب السطر الأخير المفترض الختام به: «لم يكن هناك بالإمكان أفضل مما كان، تمت المهمة».

المصدر | فورين بوليسي

  كلمات مفتاحية

ترامب سوريا الضربة الكيميائية البنتاغون