استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

العبث الأمريكي في سوريا

الجمعة 20 أبريل 2018 03:04 ص

منذ عام وربما أكثر، ومتابعون كثيرون في العالم يتساءلون، من دون جدوى، بشأن ماهية الاستراتيجية الأمريكية تجاه سوريا؟

ففي السادس من أبريل/نيسان 2017، شنت الولايات المتحدة هجمات صاروخية على قاعدة الشعيرات السورية، ردا على هجمات بالأسلحة الكيميائية، شنها النظام على معارضيه في خان شيخون.

ساعتها ثار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، معلنا أن استخدام النظام الأسلحة الكيميائية خط أحمر يجب فرضه بالقوة، لا التخلي عنه كما فعل باراك أوباما. ولكن وبعد تنفيذ الهجمة، شعر كثيرون بأن الضربة جاءت رخيصة وغير مكلفة.

فقد أطلق الأمريكيون أكثر من خمسين صاروخا على أهداف للنظام من دون أي التزامات تذكر تجاه سورية أو مستقبلها وشعبها، وتنبأ بعضهم بأن الصواريخ الأمريكية لن تردع بشار الأسد، وهو ما حدث.

وخلال العام الماضي، تكرّرت هجمات النظام بالأسلحة الكيميائية على معارضيه. وللأسف، كرّرت أمريكا، بقيادة ترامب، أخطاءها، فردا على هجوم النظام بالأسلحة الكيميائية على دوما في السابع من أبريل/نيسان الجاري، ثار ترامب على "تويتر" معلنا أن الصواريخ الأمريكية قادمة، وأن على روسيا وإيران الحذر من "ثمنٍ باهظ".

وبعد ستة أيام، كفيلة بإخلاء مواقع النظام والتنسيق مع روسيا وتقليل تبعات أي ضربة خارجية، أطلقت الولايات المتحدة بالشراكة مع بريطانيا وفرنسا أكثر من مائة صاروخ على عدة مواقع للنظام، يعتقد أن لها علاقة بإنتاج الأسلحة الكيميائية، والتي كانت أمريكا قد فرضت على النظام السوري نزعها خلال عهد الرئيس باراك أوباما.

وكأن الإنجاز الأمريكي بعد عام من الانتظار والفشل في التعامل مع النظام السوري وانتهاكاته وتوسعه بمساعدة حلفائه تمثل في مضاعفة عدد الصواريخ التي أطلقتها البوارج والطائرات الأمريكية والأوروبية على مواقع النظام في 14 أبريل/نيسان 2017 إلى أكثر من مائة هذا العام، في غياب شبه تام لما يمكن تسميتها استراتيجية أمريكية للتعامل مع النظام السوري في عهد الرئيس الحالي، دونالد ترامب، وفي ظل الواقع الجديد الذي فرضته إنجازات النظام وحلفائه على الواقع في سورية.

فأوضح سياسة عبرت عنها الولايات المتحدة تجاه سورية جاءت على لسان وزير الخارجية المقال، ريكس تيلرسون، في كلمة ألقاها في يناير/كانون الثاني الماضي في مركز هوفر للأبحاث بجامعة ستانفورد الأمريكية. ساعتها عبر تيلرسون عن استراتيجية طموحة، تقوم على خمس دعائم أساسية:

- ضمان هزيمة "داعش" وأخواتها في سورية،

- وعدم قدرتهم على العودة واستغلال الأراضي السورية في إعادة تنظيم صفوفهم،

- والتوصل إلى حل سياسي للحرب الأهلية في سورية، وفقا لقرارات الأمم المتحدة، بما في ذلك وضع دستور جديد وتنظيم انتخابات برعاية الأمم المتحدة،

- والحد من النفوذ الإيراني في سورية، بما يضمن عدم وصول إيران إلى تحالفاتها عبر العراق وسورية ولبنان، وصولا إلى البحر المتوسط،

- وضمان عودة اللاجئين والمهجرين السوريين إلى أراضيهم، وأخيرا ضمان بقاء سورية خالية من أسلحة الدمار الشامل.

وقد تطلبت تلك السياسة، وفقا لتيلرسون نفسه التزاما أمريكيا طويل المدى تجاه سورية تمثل في:

- الحفاظ على وجود مفتوح للقوات الأمريكية هناك،

- وتقديم مساعدات مالية لإعادة بناء المناطق المحرّرة من النظام و"داعش" ومساعدة القوى المحلية في تلك المناطق على إعادة توطين الأهالي واللاجئين وإصلاح المرافق وتقديم الخدمات الأساسية،

- والحفاظ على مناطق خفض التصعيد، والضغط على روسيا لإرغام النظام على القبول بمفاوضات جنيف برعاية الأمم المتحدة والتعاون مع حلفاء أمريكا كتركيا في قضايا مكافحة الإرهاب.

لكن ترامب عصف بتلك السياسة نهاية شهر مارس/آذار الماضي حين أعلن، بشكل مفاجئ في كلمة ألقاها أمام أنصاره في ولاية أوهايو، عن رغبته في سحب القوات الأمريكية من سورية "قريبا جدا"، وترك المشكلة السورية "لآخرين ليعتنوا بها"، معتبرا أن مهمة بلاده الأساسية هناك كانت هزيمة "داعش"، وهو ما تحقق تقريبا وفقا لوجهة نظره.

منذ ذلك الحين، قرّر ترامب تجميد 200 مليون دولار من المساعدات الأمريكية الموجهة إلى جهود إعادة الإعمار، كما طالب خطابيا دولا أخرى كالسعودية بتحمل تكاليف إعادة الإعمار وضمان استقرار سورية في مرحلة ما بعد "داعش".

في هذا السياق، جاء رد فعل ترامب الغاضب على الهجمات الكيميائية على دوما وكأنه في عزلةٍ عن بقية مواقفه، أو كمحاولة لتحقيق مكسب سياسي شخصي سريع، وتشتيت الانتباه عن مشكلاته الداخلية، وإثبات أنه يقف للروس ويعارضهم في ظل التحقيقات القانونية الجارية بشأن علاقة حملته الانتخابية بمسؤولين روس.

فقد شن ترامب هجوما واسعا على النظام وروسيا على وسائل التواصل الاجتماعي، وتحديدا على "تويتر"، منذرا بسرعة الانتقام الأمريكي، ومحذرا الروس والإيرانيين من "ثمن باهظ".

لكن لم تأت الهجمات الأمريكية سريعا، بل تأخرت ستة أيام، وجاءت محدودة، وغالبا بالتنسيق مع روسيا، أو على الأقل تحذيرها، وسرعان ما أعلن ترامب، بعد إطلاق الصواريخ الأمريكية، أن المهمة انتهت.

وأعلن البنتاغون أن المهمة كانت محدودة، ولا تتبعها هجمات أخرى، وكأنهما يحاولان تهدئة الأوضاع، وامتصاص غضب روسيا، وضمان محدودية رد فعلها.

وبهذا خرجت الضربة الأمريكية على سورية من مجال الاستراتيجية والسياسة إلى مجال التنفيس عن لحظات غضب الرئيس ترامب، ونزعاته الشخصية وتسرعه في الإعلان عن مواقفه، وعدم قدرته على التحكم في خطابه وردود أفعاله.

فبدلا من أن يسعى ترامب إلى إعادة صياغة مواقف بلاده تجاه سورية بشكل متكامل، والإعلان عنها في الوقت وبالأسلوب المناسبين، تسرع كالعادة في الإعلان عن مواقفه الغاضبة على وسائل التواصل الاجتماعي، من دون التنسيق مع قادة إدارته وحلفائه، والذين سارعوا بالتحكم في ردود أفعاله، وإعادتها إلى أرض الواقع، لينتهي الأمر بعدة ضربات محدودة الأثر، وربما تمثل انتصارا سياسيا إضافيا لنظام الأسد.

فبعد كل الإنجازات التي حققها النظام السوري على أرض الواقع خلال العام الماضي، بمساعدة روسيا وإيران، ما زالت الولايات المتحدة تفتقد استراتيجية واضحة، واقتصر رد فعلها على استخدام النظام الأسلحة الكيميائية على عدة هجمات صاروخية.

وكأنها تقبل بقية سياسات النظام، وما تتضمنه من قتل واسع بالأسلحة التقليدية وتهجير قسري وانتهاكات صارخة لحقوق الإنسان وتثبيت أقدامه، وأركان حكمه، في ظل إعلان ترامب عن رغبته في سحب قواته من سورية في أسرع وقت ممكن.

لن تكون المواقف الأمريكية السابقة بلا تبعات مستقبلية، فهي تعبر عن استمرار الانكفاء الأمريكي على الذات، وتراجع الاهتمام الأمريكي بالمنطقة، وتفتح الباب على مصراعيه أمام قوى أخرى لملء الفراغ الناجم عن هذا التراجع، وتحمل ما يفرضه من تكاليف مالية وعسكرية وسياسية باهظة من ناحية، وتحمل كذلك ما يترتب عليه من تحول سورية إلى ساحة تناحر إقليمي لا يهدأ بين قوى كإيران وتركيا وإسرائيل والسعودية.

كما يترك التراجع الأمريكي المضطرب، والمفتقد لاستراتيجية، حلفاء أمريكا في المنطقة، كالأكراد والعرب السنة، في مواقف لا يحسدون عليها، بعد ما قدموا من تضحيات باهظة خلال الصراع السوري المدمر، ولشعورهم بالانكشاف وعدم الثقة في القيادة الأمريكية، وإمكانية أن يتعرّضوا لمزيد من الخسائر العسكرية والسياسية، في غياب القيادة والاستراتيجية الأمريكية، وفي ظل صراع إقليمي هائل ومكلف، لن يتوقف قريبا.

  • علاء بيومي - كاتب وباحث مصري من واشنطن

المصدر | العربي الجديد

  كلمات مفتاحية

سوريا العبث الأميركي دونالد ترامب باراك أوباما الصراع الإقليمي الأسلحة الكيميائية الاستراتيجية الأميركية التناحر الإقليمي