مزارعو الأرز بمصر يتوقعون أوقاتا عصيبة بسبب «سد النهضة»

الثلاثاء 24 أبريل 2018 07:04 ص

تجاهل زراع الأرز في قرية كفر زيادة بدلتا النيل في مصر لسنوات قيودا على الزراعة تهدف لإدخار المياه واستمروا في زراعة هذا النوع من الحبوب الذي يكاد لا تخلو منه مائدة الطعام في العالم العربي.

لكن قرارا على بعد آلاف الكيلومترات إلى الجنوب من البلد العربي الأكثر سكانا يوشك أن يغير هذا الوضع، في مثال آخر على ما يفرضه القلق بشأن المياه من تغييرات في قوانين الزراعة بل حتى الدبلوماسية الدولية.

وبعيدا في أعلى النهر إلى الجنوب، بالقرب من أحد منابع النيل، تتأهب إثيوبيا لملء الخزان خلف سدها الجديد (سد النهضة الكبير) البالغ قيمته أربعة مليارات دولار، وقد يحدث هذا في العام الجاري.

وقد تكون لسرعة ملء الخزان آثار مدمرة على المزارعين الذين يعتمدون منذ الأزل على نهر النيل في زراعة المحاصيل المختلفة للسكان في مصر البالغ عددهم 96 مليون نسمة، والذين من المتوقع أن يصلوا إلى 128 مليونا بحلول 2030.

وتتصدر حماية حصة مصر من مياه النيل، التي تعتمد عليها البلاد في الصناعة وفي توفير مياه الشرب وأيضا مياه الري، جدول أولويات الرئيس «عبدالفتاح السيسي» بينما يبدأ فترة حكمه الثانية.

وتتصدى السلطات أخيرا لمشكلة الانتشار غير القانوني لزراعة الأرز، وهو محصول كثيف الاستهلاك للمياه، مظهرة اهتماما ملحا بعد أن فشل تغير المناخ والنمو السكاني السريع في إذكائه.

ويقول تجار إن هذه الحملة تعني أن مصر ستصبح على الأرجح بلدا مستوردا للأرز في عام 2019 بعد أن ظلت لعقود أحد كبار المصدرين.

وأصدرت القاهرة قرارا يسمح بزراعة 724 ألف فدان من الأرز هذا العام، وهي مساحة تشير تقديرات التجار إلى أنها أقل من نصف المساحة التي زرعت في 2017 والبالغة 1.8 مليون فدان، والتي زادت بدورها كثيرا عن المساحة المخصصة رسميا والبالغة 1.1 مليون فدان.

وبدأت الشرطة في مداهمة منازل فلاحين واحتجازهم حتى يسددوا غرامات متأخرة تعود إلى سنوات مضت.

وقال «محمد عبدالخالق»، وهو مزارع في قرية كفر زيادة الواقعة على بعد نحو 125 كيلومترا شمالي القاهرة في محافظة البحيرة: «الشرطة جاءت إلى منزلي في الثالثة صباحا واقتادوني إلى قسم الشرطة لأسدد الغرامة».

وأضاف: «حتى لو كانت الغرامة جنيها واحدا (خمسة سنتات أمريكية)، فإنهم سيأتون إلى منزلك».

وتحدث 3 فلاحين آخرين عن تعرضهم لنفس الموقف وقالوا إنهم لن يزرعوا الأرز هذا العام.

وقال «مصطفى النجاري» رئيس لجنة الأرز في المجلس التصديري للحاصلات الزراعية، إن مصر ستضطر على الأرجح إلى استيراد ما يصل إلى مليون طن من الأرز العام القادم إذا تمسكت الحكومة بالنهج الجديد.

وأضاف: «سد النهضة فتح الباب أمام زيادة الوعي بقضايا شح المياه، لكن مصر تحتاج منذ وقت طويل إلى مراجعة سياسة تخصيص المياه».

ويقول مزارعو الأرز، الذين اعتادوا البدء في زراعته في نهاية/أبريل نيسان، إنهم قد يتركون أراضيهم بورا في ظل صعوبة التحول السريع إلى محاصيل صيفية أخرى مثل القطن والذرة، التي تحتاج إلى تقنيات وآلات مختلفة.

وكشف وزير الري المصري «محمد عبدالعاطي»، أن الوضع يشكل تهديدا كبيرا للمحاصيل وسبل العيش وحتى الاستقرار السياسي إذا فشلت جهود التنسيق.

وأضاف قائلا: «تخيل إلى أي مدى سيصبح هؤلاء الناس معرضين للخطر».

ومؤخرا، كشفت وزارة الموارد المائية والري في مصر، عن ارتفاع إجمالي غرامات زراعات الأرز بمحافظات الجمهورية، إلى نحو 3 مليارات جنيه (نحو 170 مليون دولار).

لا اتفاق

وظلت مصر ردحا من الزمن تعتبر النيل هبة خالصة لها على الرغم من أن النهر وروافده يمران في عشر دول.

ومن مقولات الرئيس المصري الراحل «أنور السادات» الشهيرة قوله في عام 1979 إنه مستعد للذهاب إلى الحرب من أجل النيل إذ تعرض تدفق المياه في النهر للتهديد.

لكن أي تهديد من إثيوبيا في الماضي كان أجوفا، أما السد الجديد، الذي يقطع رافد النيل الأزرق قبل أن ينحدر باتجاه جنوب شرق السودان، سيمنح أديس أبابا نفوذا سياسيا كبيرا على جيرانها في دولتي المصب.

والسودان ومصر هما أكبر المستفيدين من مياه نهر النيل في الزراعة وفي السدود، وتريد القاهرة أن تتأكد من أن سد النهضة لن يؤثر على سريان نهر النيل وتدفقات المياه التي تقدر بنحو 84 مليار متر مكعب في المتوسط سنويا.

وتسعى إثيوبيا إلى الاستفادة من السد لكي تصبح أكبر دولة تولد وتصدر الكهرباء في أفريقيا، ولتوصيل الكهرباء للمرة الأولى إلى عشرات الملايين.

ولم يتمكن البلدان من الاتفاق على ترتيب شامل لتقاسم المياه على الرغم من سنوات من التفاوض.

ولم تنضم إثيوبيا إلى اتفاق عام 1959 بين مصر والسودان، الذي أعطى القاهرة الحق في نصيب الأسد في النهر، ولا تعترف به.

من جانبها ترفض مصر التوقيع على مبادرة إقليمية لتقاسم المياه تعود إلى عام 2010 تنزع من مصر حق النقض بشأن المشروعات التي من شأنها أن تغير مخصصات المياه.

وتقول إثيوبيا إن سدها لن يؤثر على سريان النيل حالما يُملأ خزانه الذي يتسع لاستيعاب 79 مليار متر مكعب.

لكن القضية تتعلق بمدى السرعة التي سيتم بها ملء الخزان، إذ تريد إثيوبيا الانتهاء من عملية الملء في ثلاث سنوات على الأكثر بينما تسعى مصر لجعل المدة تصل إلى ما بين سبع إلى عشر سنوات وفقا لما تقوله مصادر على دراية بالموضوع.

وليس هناك ثمة شك في أن سريان النيل سيتأثر أثناء تلك السنوات، لكن الأمر غير المعروف هو حجم التأثير، ولا يتوافر سوى القليل من البيانات للإجابة على ذلك السؤال.

وبحسب تقديرات مصادر في وزارة الزراعة المصرية، فإن خسارة مليار متر مكعب من المياه ستؤثر على مليون شخص وتؤدي إلى خسارة 200 ألف فدان من الأراضي الزراعية.

وقال «أشرف العتال»، الرئيس التنفيذي لشركة فورتونا لتجارة السلع الأولية التي مقرها دبي والخبير في تجارة الحبوب المصرية، إنه على ذلك الأساس ربما يتسبب ملء خزان سد النهضة في ثلاث سنوات في تدمير 51% من الأراضي الزراعية في مصر، بينما سيدمر 17% من تلك الأراضي إذا تم على ست سنوات.

من جهتها، قالت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) إن مصر تحتاج إلى استجابة «سريعة وكبيرة» من أجل ضمان الأمن الغذائي في السنوات القادمة لعدد من الأسباب من بينها شح المياه والتطور الحضري وآثار تغير المناخ.

وتعثرت المباحثات بين مصر والسودان وإثيوبيا بشأن السد في أوائل أبريل/نيسان الجاري، بسبب ما وصفه السودان بأنها مسائل فنية، ولم يتحدد بعد موعد للجولة المقبلة.

المصدر | الخليج الجديد+ رويترز

  كلمات مفتاحية

الأرز سد النهضة إثيوبيا مصر