في الذكرى الـ36 لتحريرها.. أجواء الحرب والتهجير تخيم على «سيناء»

الثلاثاء 24 أبريل 2018 09:04 ص

مفارقتان تتزامنان مع الذكرى الـ36 لعيد تحرير سيناء الذي تحتفل به مصر كل عام، الأولى تؤكد أن المنطقة الملتهبة شمال شرقي البلاد لم تتحرر بعد، والثانية تشير إلى غياب أجواء العيد عن أهالي تلك المنطقة مقابل استمرار المعاناة والألم.

الذكرى التي تحل الأربعاء 25 أبريل/نيسان الجاري، لا يعبر عنها سوى منح المصريين إجازة رسمية، تحت أزيز الطائرات وزخات الرصاص ضمن عملية عسكرية موسعة «سيناء 2018»، والتي دخلت شهرها الثالث على التوالي لتعقب التنظيمات المسلحة والإجرامية، شمال ووسط سيناء، ومناطق أخرى في أنحاء الجمهورية، دون أن تضع الحرب أوزارها إلى الآن.

تهديد أمني

وتتعامل الحكومة المصرية مع «سيناء» كتهديد أمني، يظهر في نشرات الأخبار الرسمية مصحوبا بهجمات دامية، وسيارات ملغومة، وعبوات ناسفة، دون بذل أي جهد ملموس لتنمية المنطقة أو لتحسين أوضاعها الاقتصادية.

ويرى النظام الحاكم، في «شمال سيناء» أرضا مهمشة وجالبة للمتاعب، تتطلب من آن لآخر عمليات تهجير وتمشيط ومداهمة، وإقامة مناطق عازلة، وإخلاء قرى بأكلمها من سكانها، لدواع أمنية.

وخلال السنوات الماضية، عمدت أجهزة الدولة إلى تفريغ بعض الكتل السكانية في عدة مناطق، خصوصًا في المنطقة الحدودية مع قطاع غزة، والتي كانت تمر فيها كل الأنفاق بين القطاع ومصر، وكذلك حول بعض المنشآت العسكرية والحكومية في الشيخ زويد والعريش، ومؤخرًا بدأت خطة لتأسيس حرم آمن حول مطار العريش.

ووفق مدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن، الباحث «ديفيد شينكر»، فإنه منذ عام 2011، تتكبد مصر خسائر ضد تمرد صغير عدديًا في سيناء.

ورغم عدد جيشها الثابت البالغ قوامه 440 ألف عسكري والمساعدات العسكرية الأمريكية السنوية بقيمة 1.3 مليار دولار التي تلقتها خلال السنوات الخمس الماضية، لكنّ مصر عجزت عن احتواء أو وضع حدّ لتقدّم متمردين يقدّر عددهم بنحو 600-1000 شخص.

وتجاوزت العملية «سيناء 2018» السقف الزمني الذي حدده الرئيس المصري «عبدالفتاح السيسي» للانتهاء من العمليات المسلحة في سيناء في آخر فبراير/شباط الماضي.

وتمكنت القوات المسلحة من تصفية عشرات المسلحين من المنتمين لـ«ولاية سيناء»، والقبض على آلاف المشتبه بهم والإفراج عن غير المتورطين في الأعمال العدائية، وتدمير مراكز إعلامية ومراكز بث وإذاعة وضبط مواد متفجرة وأدوات إرسال واستقبال، فيما بدا أنها الخسائر الأكثر التي تكبدها المسلحون في سيناء منذ عام 2011.

وبعد توالي بيانات النصر من قبل المتحدث العسكري المصري (نحو 18 بيانا) عن سير العملية منذ 9 فبراير/شباط الماضي، سقط قبل أيام، نحو 20 قتيلا من الجيش والشرطة، في هجوم على أحد معسكرات الجيش، وسط سيناء، في إشارة إلى استمرار معاناة الأمن المصري، وقدرة التنظيمات المسلحة على تكبيد الجيش والشرطة خسائر فادحة.

وتشير إحصائيات الجيش إلى مقتل أكثر من 200 مسلح و32 جنديا على الأقل منذ بدء العملية قبل أكثر من شهرين، وعدد الموقوفين إلى 3177 شخصا (تم الإفراج عن عدد منهم لم يحدد).

أزمة إنسانية

المفارقة الثانية، جاءت من خلال تقرير حقوقي دولي، أكد تفاقم الأزمة الإنسانية في «سيناء» التي تحتفل مصر بتحريرها، وسط معاناة من سكانها جراء تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وندرة السلع الأساسية، وقطع الاتصالات وخطوط المواصلات.

وتحت عنوان «أزمة إنسانية تلوح في سيناء»، قالت «هيومن رايتس ووتش» الحقوقية الدولية، إن «حملة الحكومة المصرية ضد المجموعة المسلحة المدعومة من تنظيم الدولة الإسلامية تركت نحو 420 ألف مواطن في مدن شمال سيناء الأربع في احتياج مُلحّ للمساعدات الإنسانية، منذ بداية الحملة في 9 فبراير/شباط الماضي».

واعتبرت المديرة الإقليمية بالمنظمة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، «سارة ليا ويتسون»، أن «أي عملية لمكافحة الإرهاب تعرقل وصول السلع الأساسية إلى مئات الآلاف من المدنيين هي غير قانونية، ومن المستبعد أن تنهي أعمال العنف».

وأكد تقرير المنظمة، أن الحملة الأمنية ضد تنظيم «ولاية سيناء» فرضت «قيودًا مشددة» على حركة المواطنين والبضائع في معظم أرجاء المحافظة الحدودية.

وأضافت المديرة الإقليمية بالمنظمة: «تنحو أعمال الجيش المصري إلى العقاب الجماعي، وتكشف الفجوة بين ما يدعي الرئيس عبدالفتاح السيسي أنه يفعله نيابة عن المواطنين والواقع المشين».

وتفيد شهادات الأهالي للمنظمة، بندرة بعض المواد الطبية، وألبان الأطفال، فيما أصبح الوقود يُباع في السوق السوداء في العريش بخمسة أضعاف ثمنه، كما صار التنقل من أزمات الأهالي، خاصة في الحالات التي تتطلب التوجه لمدن أُخرى من أجل تلقي العلاج أو المتابعة الطبية.

و«إذا ما استمر المستوى الحالي من التضييق على الحركة، فإن ذلك سيؤدي إلى أزمة إنسانية أوسع في منطقة هي بالأساس مهمشة اقتصاديًا، وتعاني بشكل مستمر من العمليات العسكرية الدائرة وهدم المنازل»، وفق المنظمة.

ويزيد من معاناة سكان سيناء، الحظر المفروض على الاقتراب من مناطق الجذب السياحي في المنطقة، ومعاملتهم كمجرمين وكطابور خامس يعمل ضد مصر، وفروض شروط تأشيرة للبدو الذين يحاولون عبور قناة السويس إلى مصر، بحسب «مدى مصر».

ويتعرض بدو سيناء لقمع أمني متواصل، منذ عقود، واعتقلت قوات الأمن المصرية أكثر من 3 آلاف من البدو ردا على التفجيرات التي وقعت في طابا وشرم الشيخ عام 2004-2005، على سبيل المثال، رغم أن الجماعات الإرهابية كانت قد أعلنت مسؤوليتها في الحالتين.

وتفاقمت محنة سيناء بعد أن استولى «السيسي» على السلطة في انقلاب يوليو/تموز عام 2013، وأمرت القاهرة الجيش المصري بتدمير نحو 1200 من الأنفاق التي كان البدو يعتبروها مصدر رزق لهم من خلال تهريب البضائع من رفح في سيناء إلى قطاع غزة منذ أن بدأت (إسرائيل) ومصر في حصار الأراضي الفلسطينية عام 2007.

وعلى الرغم من أن الحكومة المصرية قد تعهدت مرارا وتكرارا بتطوير المنطقة، فإن الوعود لم تتجسد أبدا، وفي الأعوام 1994 و2012 و2016، كشفت القاهرة عن خطط لتعزيز الاقتصاد المحلي في شبه جزيرة سيناء، لكن في جميع الحالات الثلاث، لم تنطلق الخطط أبدا، لتظل تحرير سيناء مجرد ذكرى ويوم عطلة رسمية.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

عيد تحرير سيناء شمال سيناء عبدالفتاح السيسي العريش سيناء 2018 ولاية سيناء