هل بدأ النفوذ الإماراتي في أفريقيا مسيرة التراجع؟

الأربعاء 25 أبريل 2018 11:04 ص

بدأت أوراق النفوذ الإماراتي في أفريقيا تتساقط على نحو متسارع، فلم تكد أبوظبي تستفيق من الضربات المتتاية التي نالتها في منطقة القرن الأفريقي حتى جاء مرض الجنرال الليبي «خليفة حفتر» ليجعل الاستثمار الإماراتي بقواته في مهب الريح.

 وظهرت عدة مؤشرات في الآونة الأخيرة تشي بأن القرن الأفريقي بدأ يضيق ذرعا بالممارسات والتدخلات الإماراتية التي تخفي مطامع أوسع وأهدافا أعمق، تغذي السير وتحث الخطى نحوها دون تدرج.

وتتعلق أهم هذه المؤشرات بفسخ عقود في بلدين مهمين في القرن الأفريقي مع شركة «موانئ دبي» أحد أهم الأذرع الاقتصادية لدولة الإمارات، كانت تدر أرباحا وتوفر حضورا جيوسياسيا لأبوظبي في منطقة ازداد التكالب الإقليمي والدولي عليها في السنوات الأخيرة.

وتمكنت الإمارات خلال السنوات الماضية -وربما في غفلة من العديد من الفاعلين الإقليميين والمحليين- من إيجاد مواطئ أقدام لها في أغلب دول القرن الأفريقي، وتحقيق شراكات متعددة تنوعت بين الحضور الاقتصادي الذي تقود قاطرته موانئ دبي، والعسكري عبر استنبات قواعد عسكرية لا تتوفر الكثير من المعطيات عن أهدافها ومجالات تركيزها، وإن تم تسويقها غالبا في الأوساط المحلية عبر ذرائع تدريب الكوادر العسكرية المحلية ورفع الكفاءة العسكرية للدول المستضيفة.

وقد ساهم الحضور التركي بدعم من قطر في تراجع النفوذ الإماراتي، في منطقة القرن الأفريقي المطلة على طرق التجارة الدولية البرية والبحرية، والتي تمثل نقطة اتصال مع الجزيرة العربية الغنية بالنفط، والموانئ الاقتصادية الحساسة الموجودة هناك، كما أن حاملات النفط والغاز والبضائع وحتى الأسلحة تمر من تلك المنطقة.

خسائر متتالية

ورغم أن التململ داخل القرن الأفريقي من الدور الإماراتي كان يختمر منذ فترة، فقد تسارعت وتيرة رفض هذا الحضور وبشكل علني خلال الأسابيع الأخيرة، وكانت البداية حين أعلنت جيبوتي إنهاء عقد الامتياز الممنوح لشركة «موانئ دبي» والقاضي بأن تشغل الشركة الإماراتية لمدة 50 عاما ميناء «دوراليه» للحاويات، أكبر ميناء أفريقي للحاويات على البحر الأحمر.

وظلت الإمارات تدير الميناء منذ عام 2006، ولكن الجيبوتيين فسخوا العقد أخيرا بسبب ما بات يلحقه تشغيل موانئ دبي بسيادة البلد من انتهاك، وباقتصاده من أضرار، كما أنهم رفضوا قبل ذلك إقامة قاعدة عسكرية إماراتية في بلادهم.

وقد عزا مراقبون إلغاء إدارة الإمارات لمحطة حاويات «دوراليه»، إلى ان ملاحق عقد الامتياز الذي كان ممنوحا لشركة موانئ دبي وتفاصيله تضمنت شروطا مجحفة، من بينها منع توسعة مباني الميناء أو إقامة أي مبان جديدة، كما أن حصص التملك المتفق عليها لم تكن هي نفسها في توزيع الأرباح، فضلا عن جعل الإدارة المالية في يد شركة موانئ «جبل علي» بمجموعة موانئ دبي العالمية.

وحتى إن تمكنت موانئ دبي لاحقا من العودة إلى جيبوتي عبر التحكيم الدولي أو بتفاهمات جديدة، فالراجح أن الجيبوتيين لن ينسوا تصريحات رئيس مجلس إدارة موانئ دبي العالمية «سلطان أحمد بن سليم»، التي قال فيها: جعلنا من الجيبوتيين بشرا، ولكننا سنرجعهم كما كانوا.

ولم تقتصر انتفاضة القرن الأفريقي ضد الوجود الإماراتي على جيبوتي، فقد لحقت بها الصومال التي استثمرت فيها الإمارات سنين عديدة، قبل أن يتبدى للمسؤولين الصوماليين ما جعلهم يشكون في الدور الإماراتي ويعتبرونه خطرا على سيادة بلادهم.

ففي مطلع مارس/آذار الجاري، وقعت شركة موانئ دبي مع كل من إقليم أرض الصومال (مناطق بشمال الصومال أعلنت انفصالها عن بقية الصومال من جانب واحد عام 1991) وإثيوبيا، بشأن الإدارة والاستثمار في ميناء «بربرة» على ساحل البحر الأحمر، وتوزيع حصص العائدات بواقع 51% لموانئ دبي و30% لأرض الصومال و19% لإثيوبيا.

وعلى الفور رفضت حكومة الصومال الاتفاقية الثلاثية واعتبرتها باطلة وغير قانونية، ولاحقا وافق أعضاء البرلمان الصومالي بأغلبية كبيرة على قرار يمنع شركة موانئ دبي العالمية من العمل داخل الأراضي الصومالية، كما تقدمت حكومة الصومال بمذكرة احتجاج إلى الأمانة العامة لجامعة الدول العربية تطالب فيها برفض اتفاقية بربرة.

ولا يبدو وضع الإمارات بخير في إرتيريا التي تواجه فيها منافسة من خصوم لها من بينهم إيران، كما أن إثيوبيا وإن كانت اشتركت معها في اتفاقية ميناء بربرة بأرض الصومال فإنها تنظر بريبة وتوجس إلى حضورها في القرن الأفريقي.

أما دولتا الصومال وجيبوتي فقد انقلبت العلاقة معهما إلى توتر بعد أن اتضح لهما كم هي مجحفة عقود الإماراتيين الذين -وفق مراقبين- يتعمدون تعطيل الموانئ التي يحتكرونها، خشية ازدهارها وتأثيرها سلبا على الموانئ الإماراتية.

مرض «حفتر»

وعلى امتداد الأسبوعين الأخيرين، فقدت سلطات شرق ليبيا، المدعومة إماراتيا، الكثير من مصداقيتها، بداية مع تشبث رموزها بإنكار تدهور الحالة الصحية للجنرال «خليفة حفتر»، والادعاء بأنه في زيارة لفرنسا بدعوة من رئيسها «إيمانويل ماكرون»، ثم بإنكار حالة الانقسام الداخلي بشأن تدبير الشؤون العسكرية.

الأوضاع الحقيقية باتت اليوم واضحة إلى مدى كبير، فوضع «حفتر» الصحي متعكر إلى درجة لا تسمح له بالظهور علنا أو بتولي زمام القيادة مرّة أخرى.

هذه التطورات تتواصل، في وقت ظهر فيه مؤشر مهم في مدينة بنغازي، وهي المعقل الرمزي لـ«حفتر»، تمثل في اندلاع اشتباكات مسلحة بين عناصر من «كتيبة شهداء الزاوية» وأخرى من «جهاز البحث الجنائي» (الاثنان يتبعان فريق حفتر).

كما راجت أخبار عن هجوم موازٍ لعناصر من «كتيبة شهداء الزاوية» ضد دورية من أمن النجدة أدت إلى مقتل عنصرين من الأمن.

وتعود أسباب هذه التطورات إلى تجاذبات شخصية تطورت، نتيجة غياب «حفتر» لتشمل تشكيلات تعمل تحت قيادة واحدة وضمن تكتل ومشروع عسكري واحد.

ورغم الحملة المكثّفة التي تقودها منذ أشهر سلطة الشرق، العسكرية والسياسية، على مدينة درنة، فإن التقدم لا يزال بطيئا.

وضع درنة، وسيادة الشك حول مصيرها، لا يختلف كثيراً عما يحصل في جنوب البلاد، فقد صدر عن الحاكم العسكري لمدينة الكفرة، أهم التجمعات في الجنوب الشرقي، يدعو فيه الأجانب لمغادرة المدينة في ظرف أسبوع، ما يشي باحتمال وقوع عمليات أو مواجهات عسكرية قريبا، كا تجددت الاشتباكات في مدينة سبها، وهي أهم التجمعات في الجنوب الغربي.

وفي الوقت الذي نجا فيه رئيس أركان قوات «حفتر» الفريق «عبد الرازق الناظوري» من محاولة اغتيال بسيارة مفخخة في مدينة بنغازي شرق ليبيا، حذر المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، من عواقب تراجع نفوذ «حفتر» بسبب متاعبه الصحية، محذرا من أثر ذلك على استقرار شرق ليبيا، وأنشطة دول إقليمية راهنت عليه، في إشارة إلى الإمارات ومصر.

ويبدو أن الوعكة الصحية التي ألمت بـ«حفتر» ستمثل نقطة انعطاف في المشهد الليبي لن تكون في صالح الإمارات، خاصة مع عدم التوافق على خليفة له، يحظى بقبول قبلي وعسكري فضلا عن كونه مؤهلا لقيادة جبهة أنفقت أبوظبي عليها بسخاء.

وإجمالا، يمكن القول إن الإمارات تمر بمرحلة خريف قاسي في أفريقيا، ستلقي بظلالها بالضرورة على المنطقة بأسرها، فإما أن تدفع تلك الخسائر أبوظبي لمراجعة سياساتها الخارجية التي خلفت توجسا ورفضا متزايدا لأي دور تقوم به، أو تحاول الإمارات الدفاع بشراسة عما تبقى لها من نفوذ فضلا عن استرجاع ما فقدته بغض النظر عن تكلفة ذلك من الأرواح والأموال، الأمر الذي قد يزيد المنطقة اضطرابا واشتعالا.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

القرن الإفريقي النفوذ الإماراتي حفتر موانئ دبي استقرار المنطقة منافسة تركية