«لوب لوج»: في مفارقة ساخرة.. بنغلاديش تتطلع للسعودية لمواجهة «التشدد»

الأربعاء 25 أبريل 2018 11:04 ص

في مفارقة ساخرة، تتطلع بنغلاديش إلى المملكة العربية السعودية لتمويل خطة بقيمة مليار دولار لبناء مئات المساجد والمراكز الدينية لمواجهة الإسلام المتشدد، الذي يرجع جذوره خلال العقد الماضي إلى فرع الإسلام المحافظ المتشدد الذي روجت له السعودية طويلا بمليارات الدولارات.

وتشكل خطة بنغلاديش أول جهد تقوم به دولة إسلامية لاستغلال تعهدات ولي عهد المملكة «محمد بن سلمان» بإعادة السعودية إلى شكل من «الإسلام المعتدل».

وستحاول الخطة عكس تداعيات الاستثمار العالمي للمملكة بقيمة وصلت إلى 100 مليار دولار، على مدى 4 عقود، لدعم المساجد والمراكز الدينية والجماعات المتشددة، كدواء مضاد للمنهج الثوري الإيراني بعد عام 1979.

وقد ركز التعاون بين المملكة ومختلف البلدان، بما فيها ماليزيا، حتى الآن على مكافحة التطرف بالتعاون مع سلطات الدفاع والأمن، بدلا من المبادرات الدينية.

ولطالما أصدرت السلطات الدينية السعودية وعلماء الدين الإسلامي فتاوى أو آراء دينية تدين العنف السياسي والتطرف وتتهم الجهاديين بالانحراف عن الطريق الحقيقي للإسلام.

لكن التحركات السعودية على الأرض، وهي أكبر جهد دبلوماسي عام في التاريخ، كانت مع ذلك تستخدم الدين للعب دور سياسي في نشر نفوذها، فضلا عن التغطية على السخط واسع النطاق الذي يغذيه فشل الحكومات في تقديم السلع والخدمات العامة.

محاولة عكس الرواية

وتطرح الخطة البنغالية أسئلة متعددة، بما في ذلك ما إذا كانت صناعة السرد المضاد قد تؤدي إلى نتائج في غياب سياسات حكومية فعالة تعالج المظالم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

كما يطرح السؤال حول ما إذا كان التغيير في المملكة العربية السعودية قد تقدم إلى مرحلة يمكن معها ادعاء أنها قد وضعت حدا لجذور التشدد داخلها وألقت بالمناهج المحافظة وراء ظهرها، والجواب على كلا السؤالين هو على الأرجح «لا».

ومن نواح عديدة، فقد استفادت الفئات المحافظة المشددة من المسلمين السنة، العنيفين وغير العنيفين، بشكل مباشر أو غير مباشر من السخاء المالي السعودي، لذا تنتقد تلك الفئات المسار الذي شرع فيه «بن سلمان».

وتعد تداعيات الحملة السعودية واضحة في آسيا، ليس فقط في صعود التشدد في بنغلادش، ولكن أيضا في مدى تأصل مفاهيم التفوق والعصبية في دول مثل ماليزيا وإندونيسيا وباكستان.

وغالبا ما يتم التعبير عن هذه المفاهيم بالتمييز، إن لم يكن اضطهاد الأقليات، مثل المسلمين الشيعة، مع إجراءات صارمة ضد هذه الأقليات من قبل السلطات والجماعات.

وقد شهدت بنغلاديش في الأعوام الماضية سلسلة من عمليات القتل الوحشية للمدونين والمفكرين الذين اتهمهم الجهاديون بالإلحاد.

وعلاوة على ذلك، يتم تقليص الحريات الأساسية في بنغلاديش بشكل رسمي وغير رسمي بصور مختلفة، نتيجة للصراعات الداخلية التي مكنتها في الأساس الضغوطات السعودية الناجحة لتعديل الدستور العلماني للبلاد في عام 1975.

وامتنعت السعودية عن الاعتراف بالدولة الجديدة، ومنعت عنها الدعم المالي، إلى أن تم اعتماد التعديل بعد 4 أعوام من استقلال بنغلاديش.

وفي إندونيسيا، رفعت الجماعات الإسلامية بقيادة «جبهة المدافعين عن الإسلام»، في وقت سابق من هذا الشهر، شكوى بالإلحاد ضد السياسية «سوكماواتي سوكارنو»، ابنة الأب المؤسس لإندونيسيا «سوكارنو»، ويتهم المتشددون السيدة «سوكارنو» بألقاء قصيدة زعموا أنها تهين الإسلام.

وخلق قانون مكافحة الكفر في باكستان بيئة سمحت للمحافظين المتشددين من المسلمين السنة والقوى السياسية القوية بإثارة المشاعر الشعبية سعيا وراء تحقيق أهداف سياسية.

وقد حددت باكستان الشهر الماضي إسلام أباد لتكون المكان الأول لإطلاق مشروع رائد لتنظيم خطب صلاة الجمعة في مساجد المدينة، البالغ عددها 1003 مساجد، منها 86 فقط تخضع لسيطرة الدولة، في محاولة للحد من خطاب الكراهية والتطرف وتشويه صورة الأديان والمجتمعات.

وقد أعدت الحكومة قائمة بالموضوعات التي ينبغي أن تكون محور خطب صلاة الجمعة الأسبوعية، في محاولة لمنع إساءة استخدام المساجد «لإثارة الكراهية الطائفية، وتشويه صورة الأديان والمجتمعات الأخرى، وتشجيع التطرف».

وتشمل الموضوعات حقوق المرأة، ومبادئ التجارة والبيع في الإسلام، والنظافة والصحة، وأهمية العمل الجاد، والتسامح، والصدق.

في الداخل.. القليل من التغيير

ومن خلال طرح أسئلة حول درجة الاعتدال التي ستنشرها المساجد والمراكز الدينية التي تمولها السعودية في بنغلاديش، لم يعط «بن سلمان»، في إطار جهوده لعكس آثار المذهب السعودي المتطرف، أي إشارة إلى أنه ينوي إلغاء قانون تعريف الملحدين كإرهابيين.

وأدانت محكمة سعودية العام الماضي رجلا بالإعدام بتهمة الكفر والإلحاد. وكان سعودي آخر قد حكم عليه قبل ذلك بعام بـ10 أعوام من السجن و2000 جلدة، بسبب التعبير عن مشاعر إلحادية على وسائل التواصل الاجتماعي.

وقد سعت المملكة ودول إسلامية أخرى منذ فترة طويلة من أجل تجريم الكفر في القانون الدولي، في خطوات من شأنها إضفاء الشرعية على القيود المفروضة على حرية التعبير وتزايد عدم تسامح المسلمين مع أي مناقشة مفتوحة حول عقيدتهم.

ولا شك أن المملكة لا تتحمل المسؤولية المباشرة عن الكثير من التمييز العنصري والتعصب ومنع التعددية في العالم الإسلامي.

ومع ذلك، فليس هناك شك في أن انتشار التفاسير السعودية المحافظة المتشددة قد ساهم بشكل كبير في توفير بيئة مواتية للتطرف.

وبعيدا عن قضية تعريف الإلحاد بالإرهاب، لم تضع المملكة حدا للعديد من الممارسات المحافظة المتطرفة، بما في ذلك مبدأ وصاية الذكور، التي تجبر النساء على الحصول على موافقة قريب ذكر على القرارات الرئيسية في حياتهن.

وقد أجبر «بن سلمان» حتى الآن المؤسسة الدينية المحافظة في البلاد على الخضوع، ويثير هذا التساؤل عما إذا كان هناك تغيير حقيقي في تفكير المؤسسة، أو ما إذا كانت خضعت فقط للزعيم الاستبدادي.

وفي ديسمبر/كانون الأول، أقال الملك «سلمان» مسؤولا حكوميا لتنظيم عرض أزياء مختلط الجنس، بعد أن انتقد المحافظون المتطرفون الحدث على «تويتر».

واستضافت المملكة هذا الأسبوع أسبوع الموضة العربي الأول الخاص بها، والذي كان للنساء فقط، وكان المصممون ملزمين بالالتزام بقواعد صارمة للمراسيم التي تحظر الأقمشة الشفافة وعرض الثياب أو الملابس التي تنتهي فوق الركبتين.

وفي فبراير/شباط، وافقت المملكة على تسليم السيطرة على المسجد الكبير في بروكسل، بعد أن فشلت جهودها الرامية إلى تثبيت إدارة أكثر اعتدالا في مواجهة الانتقادات البلجيكية المتزايدة لما يزعم من عدم التسامح والنفوذ الذي يحوزه مديرو المساجد.

وفي قطر، الدولة الوهابية الأخرى الوحيدة في العالم، تفسر تلك التعاليم منذ فترة طويلة بشكل أكثر تحررا من المملكة.

وبالنسبة للملك السعودي «عبدالله»، سلف الملك «سلمان»، فقد قدم نفسه على أنه بطل الحوار بين الأديان والتواصل مع مختلف الجماعات في المجتمع، بما في ذلك الشيعة والنساء.

ومع ذلك، رغم عقد من الجهود السعودية لتطهير الكتب المدرسية المستخدمة في الداخل والخارج، فقد أحرزت المملكة تقدما كبيرا في هذا، ولكن لم يتم القضاء على وصف الفروع الأخرى من الإسلام، مثل الشيعة والصوفية، بعبارات تكفيرية، فضلا عن وصف اليهود والمسيحيين بالكفار أو غير المؤمنين.

وقد لاحظ باحث «هيومن رايتس ووتش» «آدم كوغل» أن الأمير «محمد بن سلمان» قد ظل صامتا بشكل واضح حول خطاب الكراهية في الكتب المدرسية، وكذلك استخدام ذلك الخطاب من قبل المسؤولين وعلماء الإسلام المرتبطين بالحكومة.

ومع ذلك، فالانتقال من حالة إلى أخرى تأتي في إطار عملية طويلة.

ويبقى السؤال ما إذا كانت المملكة قد تقدمت إلى درجة تمكنها من مساعدة بلدان مثل بنغلاديش على نحو موثوق في التعامل مع متشدديها، حتى قبل أن تضع قطار نظامها الداخلي بنجاح على الطريق المنشود.

المصدر | جيمس دورسي - لوب لوج

  كلمات مفتاحية

بنغلاديش السعودية محمد بن سلمان الإصلاح الديني الإسلام المعتدل