«ن.تايمز»: «بن سلمان» يصعد هجومه على إيران لصرف الأنظار عن إخفاقاته الداخلية

الخميس 26 أبريل 2018 05:04 ص

كثيرا ما يتحدث المسؤولون في الحكومة السعودية، ولا سيما ولي عهدها القوي «محمد بن سلمان»، عن دفع تهديد إيراني خطير.

لكن الحقيقة هي أنه على الرغم من هذا الكلام، فإن السياسة الخارجية المنبثقة من الرياض مدفوعة بالأساس بالسياسات الداخلية، فولي العهد يعرف أن مفتاح قوته هو إيجاد عدو مخيف.

تذبذبت العلاقة بين السعودية وإيران بين اللامبالاة والعداء والتقارب والتوتر على مر العقود، ويبدو الأمير «محمد» مصمما على تكثيف التنافسيّة مع إيران، حيث يواصل رفع مخاوف الرياض من التوسع الإيراني في العالم العربي وما وراءه.

التنافس الحالي مختلف

تكمن جذور تكريس هذا الصراع في السياق المحلي، فقد استخدم ولي العهد التنافس مع طهران لتحويل الانتباه عن تعقيد التحديات الداخلية التي تواجهه، وقد يكون الأمر نفسه صحيحًا بالنسبة لما تفعله إيران أيضا.

بعد الثورة الإيرانية في عام 1979، شرعت البلاد في تصدير نسختها من الإسلام الثوري، ومع تحول إيران إلى جمهورية إسلامية، لم يكن الإسلاميون السنة فقط يشعرون بالغيرة من انتصار الإسلام الشيعي، بل أصبحوا أكثر تصميما على تأسيس نسختهم من الدولة الإسلامية.

صدّرت السعودية الإسلام الوهابي عبر أفريقيا وآسيا حتى أوروبا، ودخلت الدولتان في معركة شرسة على أرواح المسلمين، مع قيام رجال الدين السعوديين بتعزيز خطابهم المناهض للشيعة، واستغل نظراؤهم الإيرانيون الأيديولوجيا وكذلك المشاعر المناهضة للإمبريالية والمعادية للغرب.

تحويل الانتباه عن الداخل

ولكن اللحظة الحالية مختلفة، فولي العهد السعودي يتبنى تصعيدا خطابيا ضد إيران لتحويل التركيز عن التحديات الداخلية في بلاده، في وقت يعزز فيه حكمه ويمركز السلطة في شخصه، ويستبعد العديد من الأمراء الطموحين.

وهو لا يشعر بالطمأنينة بالرغم من إقالة ولي العهد وزير الداخلية الأمير «محمد بن نايف» وقائد الحرس الوطني السعودي الأمير «متعب بن عبدالله»، واحتجاز الأمير «الوليد بن طلال» في حملة مزعومة لمكافحة الفساد في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

ويبدو أن التهميش والإذلال غير المسبوق للأمراء الكبار يطارد ولي العهد الشاب وإخوته وأولاد عمه الساخطين، ومن غير المؤكد ما ستكون عليه التداعيات.

خلق حالة حرب

ومن المؤكد أن المظالم السياسية وعدم المساواة والبطالة بين الشباب هي التحديات المحلية الملحّة للسعودية ودول الخليج الأخرى، وحتى الرئيس «باراك أوباما» ذكّر القادة السعوديين والخليجيين بهذا الواقع، لكن السعوديين لم يقبلوا أبداً بهذا التقييم واستمروا في الضغط على الولايات المتحدة لقصف إيران.

واليوم يهدف خطاب ولي العهد المتشدد والشعبوي ضد إيران والوعود بتقليص النفوذ الإيراني في البحرين واليمن ولبنان وسوريا والعراق أيضاً إلى خلق حالة تشبه الحرب يتم فيها إسكات المعارضة الداخلية والقضاء على الانتقادات الموجهة لسياساته الداخلية بتذكير أفراد العائلة المالكة المهمشين والعامة بأنهم يحاربون تهديدا وجوديا من إيران التوسعية.

كما يلوم إيران على احتجاجات المواطنين الشيعة في السعودية في المنطقة الشرقية الغنية بالنفط، حيث يتهم السعوديون المواطنين الشيعة بكونهم عملاء إيرانيين، كما يتم إسكات المعارضة بين السنة الذين ينتقدون السياسات المحلية عبر استحضار حالة الحرب مع إيران، خاصة الحرب الأهلية في اليمن.

يصور السعوديون عودة النفوذ الإيراني كإحياء للقومية الفارسية القديمة، ويسمح تضخيم التهديد الإيراني لولي العهد بتعظيم دوره كمنقذ للسعودية والمنطقة العربية الأوسع نطاقاً من الفارسية والشيعية.

تعزيز القومية السعودية

ويعد الحفاظ على العداوة مع طهران أيضا شرطا أساسيا للتحول الأيديولوجي المحلي الذي أطلقه ولي العهد في عام 2015 بمباركة والده الملك «سلمان»، فقد بدأ السعوديون تحت حكم الملك «سلمان»، في استبدال الأيديولوجية الوهابية القديمة بقومية عسكرية سعودية شعبوية، تتغذى على تهديد إيران التوسعية وقوميتها الشيعية العدوانية.

ويعزز التنافس مع إيران التوافق الوطني السعودي، حيث يرى السعوديون الحرب الوحشية في اليمن - التي يتم فيها دعم المتمردين الحوثيين من قبل إيران - كرد فعل ضروري في معركة من أجل البقاء للأمة السعودية وهيمنة العرب على الفارسيّة.

تنافس اقتصادي

لا يزال التفوق الاقتصادي للسعودية معتمداً على احتفاظ المملكة بحصتها المهيمنة في سوق النفط وتعزيز مكانتها كوجهة استثمارية عالمية في المنطقة، لهذا فإن القيادة السعودية تنظر إلى إيران أيضاً - وهي جارة منتجة للنفط - من خلال عدسة المنافسة.

تسعى المملكة إلى ضغط الاقتصاد الإيراني تحت وطأة العقوبات، ولن تسمح أبداً بأية جهود في التكامل الاقتصادي الإقليمي الذي قد يؤدي إلى إتاحة الموارد البشرية والمنتجات الإيرانية بسهولة في منطقة الخليج.

وبالنسبة لرؤية ولي العهد الاقتصادية، رؤية 2030، والتي تقدم كخطة تحوُّل طموحة لإبعاد بلده عن الاعتماد على النفط فمن الواضح أنها تستبعد أي دور لإيران في الوقت الذي تسعى فيه المملكة إلى تكامل إقليمي أكبر مع الإمارات والأردن ومصر وربما (إسرائيل).

حظوة الولايات المتحدة

يرتبط التنافس مع إيران أيضًا بعلاقات السعودية مع الولايات المتحدة، فأي تقارب بين الولايات المتحدة وإيران - مثل الاتفاق النووي في عهد الرئيس «أوباما» - يُنظر إليه بشك شديد وخوف لأنه يهدد موقع السعودية باعتبارها الوكيل الأمريكي الرائد في المنطقة.

خلال الحرب الباردة، عملت السعودية وإيران مع الولايات المتحدة ضد الاتحاد السوفييتي، وقد قبلوا بتقسيم العمل: حيث وفرت إيران القدرات العسكرية، بينما قدمت السعودية الدعم العقائدي والمالي ضد الاتحاد السوفياتي.

وسعت المملكة منذ ذلك الحين إلى تعزيز قدراتها العسكرية وتقديم نفسها كقوة إقليمية موالية وحيدة، راغبة في اتباع سياسات واستراتيجيات مواتية للمصالح الأمريكية، ويعد أسوأ كابوس لها هو الخوف من التخلي الأمريكي لصالح شريك إقليمي جديد.

هذا بدوره يفسر تصعيد ولي العهد من شيطنته لإيران خلال زياراته المتعددة للولايات المتحدة، وإلقائه اللوم على طهران في التطرف في السعودية، والإرهاب العالمي وصعود الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، حيث أدى النفوذ الإيراني والصعود الشيعي إلى تهميش السكان السنة.

لأسباب محلية، تحاول السعودية بشكل أساسي إبعاد إمكانية إعادة دمج إيران في المجتمع العالمي، ولن يتبدد النزاع بين الدولتين إلا إذا تراجعت التحديات المحلية أو تلاشت.

ومن الممكن أن يكون هناك عالم آخر إذا شعرت المملكة بالأمن الداخلي وتحركت نحو حكومة تمثل الشعب وتحل المشاكل المحلية بتوافق الآراء بدلاً من لوم الأعداء الخارجيين على نواقصها.

المصدر | مضاوي الرشيد - نيويورك تايمز

  كلمات مفتاحية

السعودية إيران بن سلمان خامنئي حرب اليمن