«يوراسيا ريفيو»: السعودية تواصل تمويل التشدد في عصر «بن سلمان»

الجمعة 27 أبريل 2018 04:04 ص

لطالما كان هناك جدل حول عمر حكم العائلة الحاكمة السعودية.

وكان أحد الأسباب الرئيسية للشكوك حول استمرار «آل سعود» في الحكم لفترة طويلة، هو الصفقة التي قاموا بها مع الوهابيين، الذين يؤيدون «التفسير المتشدد» لتعاليم الإسلام.

تلك الصفقة أنتجت أكبر حملة دبلوماسية عامة في التاريخ.

ويعد الإنفاق السعودي على تمويل المؤسسات الثقافية الإسلامية المحافظة للغاية في جميع أنحاء العالم، وإقامة علاقات وثيقة مع الزعماء المسلمين غير الوهابيين، ووكالات الاستخبارات في مختلف الدول الإسلامية، مهما من وجهة نظر الوهابية، ما منحها بعدا جيوسياسيا كبيرا.

ومع عدم وجود تاريخ دقيق، تشير التقديرات إلى أن هذا الإنفاق يتراوح بين 75 و100 مليار دولار.

وتماشت تلك الحملة بشكل متقن مع المعارضة العميقة للشيوعية داخل المملكة، وعدائها لإيران ما بعد عام 1979، ووجهة نظر الغرب للإسلام في الحرب الباردة كأداة مفيدة ضد القومية العربية، وهو تصور في بعض الأحيان كان يتقاسمه الحكام العرب غير السعوديين.

ولم تكن الحملة مجرد نتيجة للزواج بين آل سعود والوهابيين.

إذ بقت -لوقت طويل- مركزا لسياسة القوة الناعمة السعودية واستراتيجية بقاء «آل سعود».

وكان أحد الأسباب، وبالتأكيد ليس الوحيد، للشك في استمرار «آل سعود» في الحكم لفترة طويلة، هو حقيقة أن نشر الوهابية كان له رد فعل عنيف في الداخل وفي البلدان في جميع أنحاء العالم، خاصة بعد أن ركزت الأضواء على السلفية الجهادية منذ أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001.

ولم تكن مشكلة «آل سعود» فقط في كون شرعيتهم تعتمد بشكل كلي على علاقتهم بالوهابية.

بل في أن «آل سعود» منذ بدء الصفقة كانوا في أغلب الأحيان يسيطرون عليها.

لكن منذ أن تركوا المارد يخرج من الزجاجة؛ فهو الآن يتمتع بحياة مستقلة، ولا يمكن وضعه مرة أخرى في الزجاجة.

وهذا أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت البعض في العقد الماضي إلى القول بأن «آل سعود» والوهابيين كانوا يقتربون من نقطة حاسمة للانفصال.

فالأمر لم يكن يقدم بالضرورة حلولا، لكنه كان يزيد الأمور سوءا من خلال إثارة انقسامات أكثر تشددا من أي وقت مضى، عبر العالم الإسلامي وفي مجتمعات الأقلية المسلمة في أماكن أخرى بطرق متعددة، بما في ذلك زيادة المواقف الطائفية وغير المتسامحة في دول مثل إندونيسيا وماليزيا وبنغلادش وباكستان.

صعود «بن سلمان»

لكن جاء صعود ولي العهد السعودي «محمد بن سلمان» يتحدى بوضوح هذه الافتراضات.

فمن جهة، يطرح وجوده السؤال حول إلى أي مدى يظل حكم «آل سعود» معتمدا على الشرعية الدينية، في الوقت الذي يحرك فيه «بن سلمان» الأمر الواقع من حكم توافقي داخل العائلة إلى حكم رجل واحد يرسخ شرعيته عبر دوره كمصلح.

كما يطرح السؤال عما يمكن أن يحل محل «الإسلام السني المتطرف» الذي يحظى بسلطة كبيرة، كرد فعل على الحماس الثوري الإيراني المتصور.

وتكمن الإجابات في الدرجة التي نجح إليها «بن سلمان» في تطبيق الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي، ولا يزال يتعين توضيح تعريفه لما يعتبره «الإسلام المعتدل»، وإلى أي مدى المقاومة التي سيقابلها خلال إعادة التعريفات الدينية والإصلاحات الاجتماعية التي ستظهر بين أعضاء المؤسسة الدينية وشرائح من السكان.

لقد أبدى «بن سلمان» حتى الآن إشارات مغرية، لكنه لم يقل أو يفعل أي شيء يمكن اعتباره قاطعا.

وفي الواقع، ما لم يفعله أو يقله قد يكون أكثر أهمية، حتى لو كان من السابق لأوانه استخلاص تلك الاستنتاجات من الحدود المحتملة للتغيير التي يتصورها.

على الجانب الإيجابي، أدخل «بن سلمان» الإصلاحات الاجتماعية التي تعزز فرص المرأة وتخفيف قيود التعبير الثقافي.

وفي الوقت نفسه، قام بمهاجمة المؤسسة الدينية وقيد سلطاتها وأشباهها، بما في ذلك المجموعات الرئيسية مثل رابطة العالم الإسلامي، التي كانت الحكومة تستخدمها في تمويل ونشر «التيار المتطرف»، وأصبح يستخدمها كقوى ضد التطرف لصالح التسامح الديني والحوار. 

وفي فبراير/شباط، وافقت السعودية على تسليم السيطرة على المسجد الكبير في بروكسل، بعد أن فشلت جهودها الرامية إلى تثبيت إدارة أكثر اعتدالا في مواجهة الانتقادات البلجيكية المتزايدة لما يروج له من عدم التسامح والنفوذ الذي يروج له مديرو المساجد.

وتحدث المسؤولون السعوديون عن احتمال وقف التمويل الدولي للمؤسسات الدينية، على الرغم من أن الاتفاق (مؤخرا) على ضخ مليار دولار في بناء مئات المساجد والمراكز الدينية في بنغلادش قد يوحي بخلاف ذلك.

وقد يعطي الفشل في بروكسل سببا ضئيلا للاعتقاد بأن المؤسسة الدينية شهدت تغييرا حقيقيا في القلب، أو أن المملكة قد أكملت مراجعة مناهجها وكتبها الدينية؛ الأمر الذي يشير إلى أن المملكة غير مهيأة لنشر شكل معتدل حقا من الإسلام في بنغلادش أو في أي مكان آخر.

وفي بعض النواحي، فإن السؤال هو ما إذا كان هذا يهم خارج المملكة بقدر ما هو مهم محليا.

لقد تغيرت المعايير مع سيطرة «بن سلمان» على السلطة، لكن حقيقة أن المؤسسة الدينية كانت مستعدة للتنازل في نهاية المطاف عن مبادئها اللاهوتية لتلائم الاحتياجات السياسية والجيوسياسية لـ«آل سعود» كانت تشكل منذ فترة طويلة صنع السياسة السعودية.

وبالنسبة إلى العلماء الوهابيين والسلفيين، كانت الحملة الدبلوماسية العامة تتعلق بالدعوة، ونشر تفسيرهم الخاص من الإسلام.

وبالنسبة للحكومة، كان الأمر يتعلق بالقوة الناعمة.

وفي بعض الأحيان تزامنت مصالح الحكومة والعلماء، وفي بعض الأحيان تباينت.

ومع ذلك، في كثير من الأحيان، كانت متطلبات الحكومة والأسرة الحاكمة لها الأسبقية.

وفي حين أن الاتصالات بين علماء الوهابية و«ديوباندي» من شبه القارة الهندية تعود إلى الثلاثينات، إن لم يكن قبل ذلك، كان العلماء السعوديون على استعداد لوضع خلافاتهم جانبا لاستغلال أتباع «ديوباندي» كقوة قوية بين المجاهدين المناهضين للسوفييت في ثمانينات القرن العشرين وما تلاها، والصراع ضد الشيعة في باكستان.

وتكمن المشكلة في تخطيط التدفقات المالية للحملة في أن المصادر كانت متعددة وأن الخطوط بين مسارات التمويل غالبا ما تكون غير واضحة.

ولا شك أن الحكومة كانت مصدر التمويل الرئيسي، لكن الصورة بدت دائما فوضوية.

لكن ممن تتشكل الحكومة؟ كان كبار الأمراء هم الذين شغلوا مناصب قيادية في الحكومة والمناصب الرسمية.

فهل كانوا ممثلين للحكومة، أم مجرد أشخاص عاديين حين تبرعوا من حساباتهم الشخصية في بلد كان من الصعب فيه التمييز بين ميزانية الحكومة والعائلة؟

علاوة على ذلك، كان لدى الحكومة تيارات تمويل متعددة شملت وزارة الخارجية التي تستخدم شبكتها من البعثات الدبلوماسية في الخارج، والمنظمات الفاعلة غير الحكومية المتعددة، الممولة جيدا، مثل «رابطة العالم الإسلامي»، التي كانت تدار في أغلب الأحيان مع القليل من الرقابة من قبل جماعات مثل «جماعة الإخوان المسلمين» مع أجندة خاصة بها، ومؤسسات في المملكة مثل «الجامعة الإسلامية» في المدينة المنورة ونظيراتها في باكستان وماليزيا، فضلا عن الصناديق التي كان يوزعها علماء المسلمين والأثرياء.

وإضافة إلى هذا التعقيد، كانت حقيقة أنه لم يكن هناك نظرة واضحة على ما كان يقوم به المتبرعون من القطاع الخاص، ومن كان متبرعا خاصا ومن لم يكن.

ولا يتعلق هذا فقط بالخطوط غير الواضحة بين الحكومة والعائلة الحاكمة، بل أيضا بالسعوديين من أصل عرقي معين، على سبيل المثال الباكستانيين أو البلوش، وكذلك المخابرات السعودية.

وفي بعض الأحيان، كان أعضاء الجماعات العرقية بمثابة وكلاء حكوميين للعلاقات مع الجماعات المناهضة للشيعة المتشددة في باكستان وغيرها.

ومما يزيد من تعقيد التقييم المالي غياب الشفافية حول الطرف المستلم.

وفي بعض الحالات، مثل ماليزيا، كان يتم التحكم في تدفق الأموال من قبل السلطات أو من قبل حزب سياسي في الحكومة.

وفي بلدان أخرى -مثل إندونيسيا- كانت الأموال تأتي في كثير من الأحيان في حقائب.

وصدرت تعليمات لموظفي الجمارك في المطارات بالسماح بمرور المال دون تسجيل.

لا رقيب

وبعبارة أخرى، نادرا ما كان السعوديون يراقبون التبرعات قبل 11 سبتمبر/أيلول 2001، وحتى وقعت هجمات القاعدة في المملكة عامي 2003 و2004.

وكان لدى البنك الأهلي التجاري، عندما كان أكبر مؤسسة مالية في المملكة، قسم من الحسابات المرقمة.

وكانت هذه إلى حد كبير حسابات تابعة لأفراد العائلة الحاكمة.

ولم يتمكن سوى 3 أشخاص من الوصول إلى هذه الحسابات، وكان أحدهم مالك أغلبية البنك، «خالد بن محفوظ».

وكان «خالد» يتلقى مكالمة هاتفية من أحد كبار أفراد العائلة، يطلب منه تحويل الأموال إلى بلد معين، تاركا الأمر إليه في تحديد أين تذهب تلك الأموال على وجه التحديد.

وفي إحدى الحالات، أرسل الأمير «سلطان»، وزير الدفاع آنذاك، تعليمات لـ«خالد» بنقل 5 ملايين دولار إلى البوسنة.

ولم يشر «سلطان» إلى المستفيد.

وأرسل «خالد» الأموال إلى مؤسسة خيرية في سراييفو تم اقتحامها في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول من قبل أجهزة إنفاذ القانون الأمريكية وأجهزة الأمن البوسنية.

وكشفت الأقراص الصلبة للمؤسسة عن مدى سيطرة الجهاديين على المؤسسة.

وفي مرحلة ما، اشتبه السعوديون في أن أحد ناشطي المؤسسة كان عضوا في جماعة «الجهاد الإسلامي» في مصر. وأرسلوا شخصا إلى سراييفو للتحقيق. 

وواجه المحقق الرجل قائلا: «نسمع أن لديك هذه الصلات، وإذا كان هذا صحيحا، فنحن بحاجة إلى الافتراق»، ووضع الرجل يده على قلبه وأقسم نافيا الادعاء.

وبقدر ما كان السعوديون قلقين، تم تسوية القضية، حتى وصف الرجل لاحقا في شهادة المحكمة مدى سهولة خداع السعوديين.

ولم يقتصر مقياس نجاح الحملة السعودية الدبلوماسية على درجة تمكنها من دمج التيار الديني المتطرف في المجتمعات في جميع أنحاء العالم.

فمن وجهة نظر الحكومة والأسرة الحاكمة، كان العنصر الجيوسياسي المتشدد أكثر أهمية من ذلك؛ حيث كان يهدف إلى نشر معاداة الشيعة والخروج بموقف مناهض لإيران.

ونتيجة لكل هذا، خلقت 4 عقود من التمويل عالما متشددا ينتشر في جميع أنحاء العالم، وبأشكال عديدة ومستقلة عن سلطة المملكة، وقامت أجزاء منها بالتحول ضد المتبرع الأصلي.

وخلصت دراسة للمدارس الباكستانية نشرت في وقت سابق من هذا العام إلى أن التمويل الأجنبي لا يمثل سوى 7% من الأموال المالية التي تصل لآلاف المعاهد الدينية في البلاد.

تنويع مصادر التمويل

ويبدو أن هناك حقيقة جديدة، وهي أن المحافظين المتعصبين لم يعودوا يعتمدون بالكامل على التمويل السعودي.

ويأتي هذا الإدراك في لحظة حاسمة.

فبعد 11 سبتمبر/أيلول، وحتى في أعقاب هجمات القاعدة على أهداف في المملكة عامي 2003 و2004، فرضت السعودية ضوابط صارمة على التبرعات الخيرية، لضمان عدم تدفق الأموال إلى الجماعات الجهادية.

علاوة على ذلك، لا شك في أن التمويل السعودي في عهد «محمد بن سلمان» من غير المرجح أن يعود إلى ما كان عليه في الماضي.

فالخطة البنغالية الممولة من المملكة لبناء «المساجد المعتدلة»، والتخلي عن السيطرة على المسجد الكبير في بروكسل، والانتشار الجديد لـ«رابطة العالم الإسلامي» من أجل التسامح والحوار بين الأديان، فضلا عن جهدها للوصول إلى المجتمعات اليهودية، قد توحي بأن الأموال السعودية قد تستثمر في محاولات الحد من تأثير تمويل المملكة لمدة طويلة للمناهج المحافظة المتطرفة.

هل يمانع حقا؟

ومع ذلك، هناك أيضا مؤشرات على أن «محمد بن سلمان» لا يمانع تمويل المسلحين، عندما يناسب ذلك هدفه الجيوسياسي.

وقد صنفت وزارة الخزانة الأمريكية العام الماضي «مولانا علي محمد أبوتراب» كإرهابي، في نفس اليوم الذي كان فيه في المملكة لجمع الأموال.

و«أبوتراب» هو باحث إسلامي باكستاني بارز من أصل أفغاني، يعمل في مجلس ديني معين من قبل الحكومة، ويحافظ على علاقات وثيقة مع السعودية، ويدير سلسلة من المدارس الدينية التي يحضرها آلاف الطلاب على طول حدود بلوشستان مع إيران وأفغانستان.

وجاءت زيارة «أبوتراب» للمملكة في وقت كان فيه مواطني المملكة والإمارات من العرق البلوشي يجمعون كميات كبيرة من الأموال لصالح العلماء المسلمين المناهضين للشيعة والمعادين لإيران في بلوشستان.

ومن غير الواضح ما إذا كانت الأموال قد تم التبرع بها بمباركة ضمنية من «بن سلمان» أم لا.

لكن الأمر الواضح هو أن التمويل وزيارة «أبوتراب» تزامنا مع صياغة خطط لزعزعة استقرار إيران من خلال استغلال المظالم وإثارة الاضطرابات بين الأقليات العرقية في إيران، بما في ذلك البلوش.

ولم تتضح هذه الخطط، ومع ذلك، يثير التمويل التساؤل عن مدى صدق «بن سلمان» في وقف تمويل التيار المتطرف المحافظ.

  كلمات مفتاحية

السعودية محمد بن سلمان الوهابية آل سعود تمويل التطرف