استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الأسطورة «محمد صلاح»… الأمور في نِصابها

الثلاثاء 1 مايو 2018 03:05 ص

كان المفكر الجزائري مالك بن نبي محقا حين قال «عندما يسيطر التشويش وانعدام التماسك على عالم الأفكار تظهر علاماتهما في أبسط الأعمال، وعندما يمس انعدام التماسك في عالم الأفكار العلاقات المنطقية، يجب أن نتوقع سائر أنواع اللبس في العقول».

ربما كانت المبالغة في تناول الأحداث وتضخيمها، أبرز مظاهر انعدام هذا التماسك في عالم الأفكار، حين يخرج ذلك التناول من الأطر المنطقية المقبولة إلى حالة من الشطط.

يعيش العالم العربي والإسلامي حالة من تنازع الأفكار والتقييم لشخصية مصرية انتقلت إلى العالمية، وأعني اللاعب الموهوب محمد صلاح، الذي يلعب في صفوف ليفربول الإنكليزي.

وأصبح الوجه الأبرز في وسائل الإعلام والسوشيال ميديا، وبات بدون مبالغة الشخصية المصرية الأكثر تأثيرا، ولو فرض أنه رشح نفسه لانتخابات رئاسية فيقينا سوف يحقق فوزا كاسحا.

طرف من أطراف هذا التنازع اعتبر صلاح ورقة جهزها نظام السيسي في مصر ولمعها، للتغطية على فشله وسوء إدارته للبلاد.

فلئن كان النظام بالفعل يحاول استغلال نجاحات صلاح، إلا أن أصحاب هذا الاتجاه في التناول بالغوا في الأمر عندما تجاهلوا أن اللاعب المصري لم تكتب له هذه الشهرة إلا بعد أن غادر بلاده التي لفظته فيها أندية عريقة، وحقق شهرته بالعرق والتعب، فلا مجال للقول أنه أحد أدوات النظام، بل هو من التعسف الواضح.

فهل وصول محمد صلاح إلى هذه المكانة يضاف إلى إنجازات السيسي؟

لا أرى أن هناك رابطا أو صلة، فهو ضمن المواهب المهاجرة من مصر والدول العربية بصفة عامة، إلى حيث الغرب الذي يهتم باحتضان هذه المواهب والثروات المهدرة في أوطانها.

الشعب المصري يعيش حالة من اليأس والإحباط والقهر، واهتمامه الزائد بمحمد صلاح يعكس تطلعاته إلى أي صورة مبهجة تسكن ألمه، ولو لم يجن منها فائدة مادية، ومن حق هذا الشعب المقهور أن يفرح، فلا داعي لإقحام اللاعب في الشأن السياسي.

لقد أقحم صلاح رغما عنه في الشأن السياسي بالفعل، عندما انطلق الإعلام المصري يحذر من الاستقطاب الإخواني لصلاح، وجعلوا ينتقدون لحيته وسجوده عقب تسجيل الأهداف، وزاد الإعلام من صيحاته التحذيرية، عندما أثنى الداعية السعودي عائض القرني على اللاعب، باعتباره واجهة مشرفة للمسلمين في أوروبا، واعتبروا هذا الكلام من الداعية – الذي ينسبونه إلى الإخوان – لونا من ألوان الاستقطاب.

إذا خرجنا عن جغرافيا مصر، سنجد أن بعض الناشطين العرب ذهبوا بشأن محمد صلاح مذهبا بعيدا، واعتبروا أن اهتمام الإنكليز به وتكريمه يدخل ضمن إنفاذ مخططات الغرب تجاه المسلمين والعرب، لإغراقهم في شؤون تلهيهم عن قضاياهم الأساسية، بل اعتبر البعض محمد صلاح جزءا من النشاط الاستشراقي المعاصر، وعده آخرون عنصرا من عناصر القوة الناعمة البريطانية.

أنا لا أنكر أن إلهاء الشعوب الإسلامية مطلب غربي، لكن هذا الكلام أعتقد أنه قيل في غير مناسبته، فالجماهير الأوروبية لا يقل جنونها الكروي عن الجماهير العربية بل هو أشد، ولعلنا نطالع باستمرار أنباء المعارك الطاحنة بين مشجعي الفرق الأوروبية المتنافسة، وكرة القدم أصبحت تجارة رابحة، وجزءا أساسا في اقتصاديات الدول.

ومن ناحية أخرى فهناك العديد من اللاعبين المسلمين العرب في صفوف الأندية الأوروبية، لكنهم لم يحظوا بهذا الاهتمام البريطاني والعالمي، فتكريم اللاعب والاحتفاء به جاء بسبب إنجازاته بدون شائبة تكلف.

وفي الجهة المقابلة، هناك من يتناول اللاعب المصري العالمي بصورة مغالية، واهتمام مبالغ فيه، وقاموا بتصويره على أنه مهدي الأمة المنتظر.

من أشد ما أدهشني في هذا المضمار، قول أحد الإعلاميين: «محمد صلاح جمع السنة والشيعة في لبنان على مقهى واحد»، ولست أدري من أين للإعلامي المصري صاحب هذا التصريح بتصنيف رواد المقاهي في لبنان ومعرفة هوياتهم، لكنها لقطة درامية استهلاكية لتجسيد القوة الناعمة المصرية.

ما شاء الله، التقارب بين السنة والشيعة الذي لم تحققه المجامع والمؤتمرات وجهود العلماء والمفكرين، تحققه أقدام اللاعب محمد صلاح، أي هراء هذا؟

ومما يثير الضحك حتى البكاء، تعويل بعض الطيبين على اللاعب محمد صلاح في نشر الإسلام في ربوع أوروبا، ويحضرني في ذلك موقف طريف حدث لأحد الإسلاميين في مصر، عندما مر رجلان بجانبه، يقول أحدهما للآخر معرضا بهذا الإسلامي: «محمد صلاح هو الذي سينشر الإسلام في أوروبا، وليس كمثل هؤلاء الذين يريدون نشره بالتفجيرات والإرهاب».

أنا لا أقلل قطعا من دور الأخلاق في نشر الإسلام، ونعلم جميعا أن الإسلام انتشر في كثير من البلاد النائية عن طريق أخلاق التجار المسلمين، ولا أقلل من تأثر بعض البريطانيين بأخلاق محمد صلاح، لكن ينبغي ألا نضخم الأمر، فالإعجاب باللاعب ليس طريقا لأن يعتنق أهل بريطانيا الإسلام، فهم يعشقون أقدام صلاح وأهدافه بالدرجة الأولى، وهذا ما يهمهم.

هذا الكلام يجعلنا كمسلمين أضحوكة العالم، فلو دخلوا الإسلام بسبب إنجازات محمد صلاح الكروية، فماذا سيفعلون لو أقعد بالإصابة أو انخفض مستواه أو اعتزل، هل سيرتدون عن الإسلام، مثلا؟

نحن بحاجة إلى التعامل مع محمد صلاح وأمثاله من اللاعبين الناجحين بشيء من الهدوء والعقلانية، فليس محمد صلاح جزءا من مؤامرة كونية على الإسلام والمسلمين، وليس كذلك ممن سيخلصون الأمة من نكباتها أو سينهضون بها من التبعية إلى السيادة، أو من الضعف والهوان إلى العزة والتمكين، بعض من التعقل، رحمنا ورحمكم الله..

هو لاعب مكافح مجتهد، متدين، متواضع، باذل للخير، يدخل الفرحة ليس فقط إلى قلوب المصريين، وإنما إلى كل مسلم وعربي، وهو بحق صورة مشرفة لنا جميعا، وهو في النهاية لاعب كرة.

وهي ذلك الشيء المطاطي الذي يتنقل بين أقدام شباب يرتدون زيا موحدا، في مستطيل أخضر ليس مفاعلا نوويا يحمل شعار بلد مسلم، ولا مختبرا علميا، وليس سفينة فضاء عربية الصنع.

وليس حقلا للنفط يتم استخراج أسوده بأدوات أنتجتها سواعد أبناء البلد، وليس بئرا للغاز تضج الكفاءات العربية والاسلامية في مراميه، وليس جامعة وصلت للعالمية بجهود الباحثين من المسلمين.

وإن كان حكام الجور والتبعية يصرفون الناس عن ملاحقتهم ونقدهم بتضخيم الأحداث لإلهاء الناس، كما قال المفكر محمد الغزالي، فأين دور المصلحين والناشطين والدعاة في توعية الناس بقضاياهم، ووضع الشخصيات أمثال محمد صلاح في موضعها الصحيح، فلا تقديس ولا تبخيس، بل التحذير من التلهي بمثل هذه الشخصيات عن معالي الأمور وعظائمها؟

أن تدعوا الناس لفرحتهم بمحمد صلاح مع التحذير والتنبيه ووضع الأمور في نصابها، خير من الاصطدام بأحلامهم وسعادتهم بمن يحسبونه مخلص آخر الزمان أو المهدي المنتظر..!

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

  • إحسان الفقيه - كاتبة أردنية

  كلمات مفتاحية

كرة القدم محمد صلاح السيسي التوظيف السياسي المؤامرة الكونية المهدي المنتظر