«صيدا» تجسد التحول اللبناني من السعودية لإيران.. وتترقب الانتخابات

الأربعاء 2 مايو 2018 04:05 ص

«إنه قانون الفيزياء.. أي فراغ لا بد أن يملأه شيء ما».. هكذا تحدث مسؤول كبير في تيار المستقبل الذي يقوده رئيس الوزراء اللبناني «سعد الحريري»، عن التحول الذي شهده بلاده خلال الأعوام الماضية، والتي انتقل فيه النفوذ السعودي إلى قوة إيرانية.

المسؤول الذي رفض الكشف عن هويته، تحدث لـ«رويترز»، قائلا: «عندما نُسئل كيف حال السنة في لبنان.. أقول إنها معجزة أنهم ما زالوا على أقدامهم».

جاء هذا الحديث، قبل أيام من الانتخابات البرلمانية اللبنانية المقرر إقامتها في 6 مايو/أيار الجاري، بعد سنوات من التأجيل جراء الانقسامات السياسية الحادة بالبلاد.

«سنجر» دليل

ويعد المواطن اللبناني «يوسف سنجر»، أحد مظاهر هذا التغير والتعديل في ميزان القوى في المسرح السياسي اللبناني.

ففي المرة السابقة التي أجرى فيها لبنان انتخابات نيابية، حظي «سنجر» برحلة جوية مدفوعة للعودة من السعودية إلى موطنه من أجل التصويت لكتلة «الحريري».

وباعتباره موظفا في شركة «سعودي أوجيه»، للإنشاءات التي كانت أعمالها مزدهرة في ذلك الوقت وتملكها أسرة «الحريري»، لم يكن هناك أي شك في المرشح الذي سيؤيده في تلك الانتخابات.

حينها انخرط «سنجر»، في ماكينة الدعاية الانتخابية، بينما ظلت والدته تلاحق جيرانها للتأكد من ذهابهم للتصويت في مدينة صيدا الواقعة جنوبي لبنان.

وبعد سنوات منذ ذلك الوقت، انهارت «سعودي أوجيه»، بسبب تقليص إنفاق الدولة في السعودية والإهدار وسوء الإدارة والفساد، وساءت أحوال «سنجر»، ويقول الآن إنه «لن يعطي صوته لمرشح من أسرة الحريري مرة أخرى هو والعشرات من أفراد عائلته».

ويعكس فقدان الثقة، الصدع الذي شهدته العلاقة الوثيقة بين السعودية ولبنان، وكان كثير من مظاهرها يمر عبر أسرة «الحريري».

ومع تركز اهتمام الرياض الآن على اليمن، حيث أصبحت الرياض طرفا في حرب بالوكالة مع إيران، عززت طهران نفوذها في لبنان من خلال دعمها غير المقيد لجماعة «حزب الله» الشيعية المسلحة.

وقال «سنجر»، إن شركة «سعودي أوجيه»، توقفت عن دفع مرتبه عام 2015، وإنه عاد إلى صيدا بعد ذلك بعام لكنه يواجه صعوبات في تسيير أموره.

ويعتزم «سنجر» التعبير عن استيائه بعدم التصويت في الانتخابات البرلمانية التي تجري الأحد المقبل، للمرة الأولى منذ عام 2009.

وقال «سنجر»: «كنا نحس حالنا كأننا نشتغل بالحكومة. كنا تقريبا شبه حكوميين».

وأحدث انهيار «سعودي أوجيه»، هزة على الصعيد المالي لأسرة «الحريري» وكتلة «تيار المستقبل».

وكانت الثروة التي ولدتها شركة البناء العملاقة ساعدت في ترسيخ وضع أسرة «الحريري»، باعتبارها القوة السنية المهيمنة في الحياة السياسية في لبنان.

كما أنها كانت أداة للدعم السعودي لرئيس الوزراء الراحل «رفيق الحريري» الذي اغتيل عام 2005.

ورغم أنه من المرجح بقاء «الحريري» رئيسا للوزراء بعد الانتخابات، فمن المتوقع أن يفقد مقاعد لصالح منافسين من بينهم بعض المرشحين المتحالفين مع «حزب الله» المدعوم من طهران، فيما يمثل تحولا صغيرا آخر في التنافس بين السعودية وإيران على الصعيد الإقليمي.

ربما تحدث خسارة من خسائر «الحريري» في صيدا التي استفادت من تحويلات دولارات النفط.

فعلى مدى عشرات السنين، ظلت «سعودي أوجيه»، توظف العاملين بكثافة من صيدا وستتضرر المدينة من انهيار الشركة.

المنافسة بصيدا

ومما زاد من صعوبة التحدي الذي يواجهه «تيار المستقبل»، نظام التصويت الجديد الذي يعني أن حليفا لـ«حزب الله» (أسامة سعد الذي نال في الدورة السابقة نحو ثلث أصوات المدينة ورسب)، في وضع يتيح له الفوز بواحد من المقعدين المخصصين للسنة ويشغلهما «تيار المستقبل» منذ عام 2009.

وقال منسق «تيار المستقبل» في جنوب لبنان من صيدا «ناصر حمود»: «يكون الواحد ما عم يحكي صدق إذا قال إنو ما تأثرنا كمجتمع».

وقدر «حمود» أن «الأزمة كان لها تأثير مباشر على ما بين ثلاثة آلاف و3500 شخص في صيدا، وهم نحو 800 من العاملين في أوجيه وأسرهم. لكنه لا يزال يعتقد أن هؤلاء سيدعمون تيار المستقبل في الانتخابات».

وذكر أن «رفيق الحريري» الذي ولد في صيدا وشقيقته «بهية»، وهي عضو في البرلمان عن صيدا منذ عام 1992، كانا يرسلان العاطلين من سكان المدينة للعمل في «أوجيه» بشكل منتظم.

فيما قال مدير مؤسسة عقارية في صيدا «رامي قاسم ماضي»، إن شراء موظفي «أوجيه» للمنازل كان يمثل ثلث إيراداته في يوم ما.

ويواجه الاقتصاد اللبناني مشاكل لكنه يرى أن أزمة «سعودي أوجيه»، هي السبب الأساسي لما تعانيه شركته.

وقال «ماضي»، الذي انخفضت القوة العاملة لديه بواقع النصف منذ 2016: «كانت صدمة كبيرة. كنا نعتقد أن اللبناني الذي يسافر للخليج يجمع الأموال في حقائب».

كما تضررت أيضا المؤسسات الخيرية التي تديرها أسرة «الحريري» في صيدا، واضطرت عيادتان كانتا تقدمان خدمات الرعاية الصحية مدعمة لإغلاق أبوابهما قبل 18 شهرا.

وقال إن إحداهما ستعاود فتح أبوابها بعد الانتخابات.

أزمة «أوجيه»

وسافر «سنجر» من صيدا إلى السعودية في 2003. وأتاحت له وظيفته في إدارة خدمات الدعم اللوجيستي بالشركة أن يعلم أولاده في مدارس دولية ويعيل أسرته في لبنان ويشتري منزلا في صيدا.

وعندما لم يعد يتقاضى مرتبه، وجد «سنجر» عملا بشكل غير رسمي في السعودية، وباع جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص به ثم نقل أولاده إلى مدارس أقل تكلفة قبل أن يضطر لبيع أثاث منزله.

ودفعت له إحدى شقيقاته ثمن تذكرة سفره عندما عاد للبلاد في نهاية المطاف.

ولم يستطع أن يدفع باقي أقساط بيته في صيدا فتم الحجز على المنزل.

ويقول «سنجر»، إن «أوجيه» تدين له بما بين 50 و60 ألف دولار من راتبه الذي لم يتقاضاه بالإضافة للتعويضات.

كما يقول موظفون سابقون في «سعودي أوجيه»، إنه تمت إحالتهم إلى وزارة العمل السعودية فيما يتعلق بالتعويضات.

ولم ترد الوزارة على أسئلة مكتوبة بشأن وضع التعويضات، كما لم ترد «سعودي أوجيه» على ما يثار من اتهامات.

ورغم أن «حمود» أكد أن «تيار المستقبل» و«سعودي أوجيه» كيانان منفصلان، فقد قال إن «حقوق الموظفين السابقين محفوظة وإنه سيكون هناك حل للجميع».

وشكلت الرياض لجنة خاصة لإدارة إعادة جدولة ديون «سعودي أوجيه»، حسبما قال مصدران مطلعان.

وقال أحدهما إن الحكومة تريد أن يكون دفع تعويضات الموظفين أولوية.

وعندما سئل عن الأمر خلال جلسة أسئلة وأجوبة في مدرسة للأطفال في فبراير/ شباط الماضي، قال «الحريري»: «صفحة حطيتها وراي ومكمل بحياتي مش واقف عندها».

وأصبح «الحريري» رئيسا للوزراء أواخر 2016 بعد أن أبرم صفقة سياسية مع «ميشال عون» وهو حليف مسيحي لـ«حزب الله» أصبح رئيسا للبلاد.

وقال «الحريري» إنه سيخلق وظائف ضمن خطة استثمار لرأس المال قيمتها 16 مليار دولار.

ووصلت العلاقات السعودية اللبنانية إلى الحضيض، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بعدما ظل «الحريري» في الرياض لفترة قصيرة، وأعلن من هناك استقالته من منصب رئيس الوزراء.

وحلت الأزمة بعد تدخل فرنسي. ولدى عودته إلى بيروت تراجع «الحريري» عن الاستقالة.

وينفى «الحريري» أنه أجبر على الاستقالة، ونفت السعودية أنها وضعته قيد الحبس المنزلي.

وعاودت السعودية فتح خط ائتمان للبنان بقيمة مليار دولار لكن لا توجد مؤشرات على دعم مالي لـ«الحريري».

  كلمات مفتاحية

حزب الله السعودية إيران انتخابات لبنان سعودي أوجيه العلاقات السعودية اللبنانية

إعلام إيراني: الزائرون القطريون لم يأتوا للصيد فى بوشهر