تصريحات «البشير».. هل تنهي الصراع بين السودان وإريتريا؟

الخميس 3 مايو 2018 06:05 ص

عقب تصعيد بين الخرطوم وأسمرا، عادت لهجة التهدئة من الجانب السوداني تجاه الجارة الشرقية.

هذا التطور جاء بعد اتهامات وجهتها السودان إلى أسمرا بحشد قوات عسكرية على الحدود، وإغلاق الخرطوم حدودها، بل إرسال تعزيزات عسكرية إلى ولاية كسلا الحدودية (شرق).

ففي تصريح مفاجئ، غير الرئيس السوداني، «عمر البشير»، يوم الجمعة الماضي، مسار الحديث تجاه إريتريا، واصفا علاقة بلاده معها بـ«المميزة»، ومشددا على خصوصية العلاقة الممتدة بين البلدين.

«البشير»، وخلال مخاطبته قيادات شعبية من كسلا في القصر الرئاسي بالخرطوم، أضاف أن «الخرطوم وقفت، وستقف مع أسمرا، ومع الشعب الإريتري»، راهنا ذلك برعايتها للمصالح المشتركة، بحسب قناة «الشروق» (خاصة ومقربة من الحكومة).

وشدّد على «حرص الحكومة على توطيد علاقات السودان مع دول الجوار عبر الحدود المشتركة لتبادل المنافع».

وفي الخامس من يناير/كانون الثاني الماضي، أعلن السودان إغلاق المعابر الحدودية مع إريتريا، ثم أرسل تعزيزات عسكرية إلى كسلا.

وهو ما أرجعه مساعد الرئيس السوداني آنذاك، «إبراهيم محمود»، إلى أن الخرطوم تتحسب لتهديدات أمنية من إريتريا، بعد رصد تحركات عسكرية في منطقة ساوا الإريترية المتاخمة لكسلا.

غياب مبررات للتصعيد

تصريحات «البشير» الهادئة والإيجابية تأتي بعد نحو شهر من اتهامات إريتريا للسودان بتلقي تمويل عسكري من قطر، وإيواء داعية إسلامي إريتري معارض، وهو ما نفته الخرطوم حينها.

وقالت وزارة الإعلام الإريترية، في 23 مارس/آذار الماضي، إن «مسرحية دخول قوات مصرية إلى ساوا، وإغلاق السودان للحدود، أثارت دهشة الجميع».

وبين الجارتين السودان ومصر ملفات خلافية، أبرزها نزاع على مثلث حدودي، والموقف من سد النهضة الإثيوبي، واتهامات للقاهرة بدعم متمردين مناهضين لنظام «البشير»، وهو ما تنفيه مصر.

وتابعت الوزارة الإريترية أنه في «نهاية يناير (كانون الثاني الماضي)، وبغرض التصدي للهجوم الإريتري المدعوم إماراتيا، الذي يمكن أن يُشن على السودان، أهدت قطر الجيش السوداني ثلاث طائرات (ميج) تم تموضعها في كسلا، وكان قواد هذه الطائرات هم ضابطان من قطر وآخر إثيوبي».

كما اتهمت السودان بـ«إيواء معارضين إسلاميين من أتباع (المعارض الإريتري) الداعية محمد جمعة أبورشيد، حيث يتلقون تدريب عسكريا، وتم فتح مكتب لهم في مدينة كسلا، بتمويل قطري».

وهي اتهامات نفت الخرطوم صحتها.

وكان مراقبون سودانيون قللوا من اتهامات الخرطوم لأسمرا بحشد قوات عسكرية، معتبرين أن الحكومة حاولت مجاملة إثيوبيا، حلفيتها الإستراتيجية في السنوات الأخيرة، لأنها أول من بادرت باتهام أسمرا والقاهرة بحشد قواتهما في ساوا.

نظرية العدو الخارجي

ولم يجد محللون وناشطون سياسيون مبررا للتصعيد السوداني - الإريتري سوى محاولات الحكومتين الهروب من أزماتهما الداخلية باختلاق عدو خارجي.

لكن هذا الرأي، وفق محللين، غير مستقيم، بدليل التصريحات السودانية الإيحابية تجاه إريتريا، رغم استمرار الأزمات الداخلية في البلدين، بل تفاقم الأزمة الاقتصادية في الجارتين، منذ مطلع العام الجاري.

وما تزال الخرطوم تعدد نجاحاتها بعد إغلاق الحدود، ونشر قوات الجيش والدعم السريع التابعة لها، على حدود تمتد 650 كم بين البلدين، حيث أعلنت إحباط تهريب الكثير من المواد الأساسية المدعومة، بينها مواد غذائية وبترولية، إلى إريتريا.

إستراتيجية الخرطوم

حديث «البشير» لم يقف عند العلاقة التاريخية والممتدة مع إريتريا، بل امتد إلى «تأمين الحدود»، عبر دعوة أسمرا إلى أن تحذو حذو القوات السودانية - التشادية المشتركة.

لذا شدد على أن «العلاقات بين السودان وتشاد أصبحت مثالا يسوقه الاتحاد الأفريقي لبقية الدول الأفريقية لجعل الحدود نقاطا للتواصل وليست للاحتراب».

وتنشط قوات سودانية - تشادية مشتركة في نحو عشرين موقعا حدوديا بين البلدين اللذين وقعا عام 2009 اتفاقية أمنية نصت على نشر قوة مشتركة لتأمين الحدود بينهما، ومنع أي طرف من دعم المتمردين في الطرف الآخر، حيث كان البلدان يتبادلان اتهامات في هذا الشأن.

ومن أبرز أهداف الحكومة السودانية هو إقامة علاقة عسكرية مع دول الجوار، لتأمين الحدود من الحركات المسلحة، ومنع تهريب البشر والاتجار بهم، ومحاربة الجرائم العابرة للدول.

ويدعو مسؤولون سودانيون دول الجوار، وهي إثيوبيا، تشاد، جنوب السودان، أفريقيا الوسطى، ليبيا، وإرتريا، إلى مثل هذا التعاون.

وتقول الخرطوم إن تجربة «القوات السودانية - التشادية» ساهمت في خفض القتال بإقليم دارفور غربي السودان، والذي يشهد قتالا بين الحكومة وحركات متمردة منذ 2003.

قوات مشتركة

تصويب الرئيس السوداني نحو إريتريا بضرورة أن تكون الحدود نقطة للتلاقي، وليس للاحتراب، تمثل، بحسب خبراء، نظرة مستقبلية ربما تسهم في تأمين السودان لحدوده الشرقية تماما، بعد أن ضمن تأمين حدوده الغربية، من الحركات المتمردة، لاسيما الحركة الشعبية/قطاع الشمال المتمردة، التي تقاتل الجيش السوداني في ولايتي جنوب كردفان (جنوب) والنيل الأزرق (جنوب شرق)، منذ عام 2011.

وتزامنت تصريحات «البشير» مع اتفاق السودان وإثيوبيا، الجمعة الماضي، على تفعيل وتنشيط القوات المشتركة على حدود البلدين، لمكافحة التهريب والاتجار بالبشر وتجارة السلاح والمخدرات والجرائم العابرة للحدود.

إعلاء المصالح المشتركة مع إريتريا، وتأمين حدودهما المشتركة بتشكيل قوات مشتركة، يجعل الخرطوم تمضى، وهي أكثر اطمائننا، في مشروعها نحو دولة أخرى، وهي ليبيا، ما قد يقلل من الصراع المسلح في منطقة متوترة بالأساس.

توافق أمريكي إسرائيلي

وفق الأستاذ بجامعات سودانية، «حاج حمد محمد»، فإن «أسمرا تشكل أكثر مناطقة القارة الأفريقية خطورة، باعتبارها أحد معاقل (إسرائيل) الصامتة، وما حدث خلال الفترة الماضية من تصعيد بين السودان وإريتريا، وتدخل قوى إقليمية أخرى، ساهم في تأجيج الصراع».

وأضاف «محمد»، في حديث للأناضول، أن «معادلا جديدا ظهر في الصراع بمنطقة القرن الأفريقي (شرقي القارة)، وهو المنافسة الصامته بين اللوبي الصهيوني والرأسمال الوطني الأمريكي».

ومضى قائلا إن «الحكومة السودانية سريعة التفاعل مع أي دعوات للحرب، بذات سرعتها للتراجع عنها، وما تصريح البشير الإيجابي تجاه إريتريا إلا دلالة على ذلك».

وشدد على أن «التواجد الإسرائيلي في إريتريا و(دولة) جنوب السودان، كما هو فلسطين، يشكل دائما عاملا للتوتر والحرب، وفق سياسيات اليمين الإسرائيلي».

واعتبر أن «إعمال المنطق والواقعية هو الذي دفع البشير إلى توجيه الحديث صوب إنشاء قوات على الحدود لتأمينها مع الجارة الشرقية (إريتريا)، بعد نجاح التجربة السودانية- التشادية».

وختم الأكاديمي السوداني حديثه بأنه «يمكن أن تنجح تجربة تأمين الحدود السودانية - الإريترية، حال حدثت تغطية وتفاهمات وتوافق أمريكي إسرائيلي على ذلك، كما حدثت في التجربة التشادية، التي وجدت تغطية وحققت نجاحات».

  كلمات مفتاحية

عمر البشير السودان إريتريا المعابر الحدودية الاتحاد الأفريقي

السودان وإريتريا يبحثان إجراءات فتح الحدود