«روبرت فيسك»: قطر تتطلع إلى البحر المتوسط عبر البوابة السورية

الجمعة 4 مايو 2018 02:05 ص

بعد عودتي من دمشق، كنت أتناول قهوتي على كورنيش بيروت هذا الأسبوع، عندما مرت سفينة حربية يونانية صغيرة في الأفق كانت تسير على طول الساحل اللبناني في مهمة غير مجدية تماما. وكان من المفترض، أن تكون مهمتها إلى جانب سفن بحرية أخرى تابعة لقوة الأمم المتحدة، أن تمنع «حزب الله» من شحن الأسلحة إلى لبنان.

وكانت تلك هي الفكرة التي تصورتها الأمم المتحدة عام 2006، بعد الحرب الأخيرة بين «حزب الله» و(إسرائيل)، والتي لم يفز بها «حزب الله» وخسرتها (إسرائيل) بالتأكيد، والتي جلبت في نهاية المطاف المزيد من القوات الدولية إلى لبنان.

 لسبب غريب، فقد افترض الجميع عام 2006 أن إيران كانت ترسل الأسلحة إلى «حزب الله» عبر البحر المتوسط​​، رغم أن كل شخص في لبنان يعرف أن إيران تقع إلى الشرق من لبنان، وأن أسلحتها وصلت إلى لبنان عبر سوريا، الواقعة أيضا إلى الشرق من لبنان.

وعلى أي حال، تلعب الآن سوريا دور الحرب الأهلية الذي لعبته لبنان بين عامي 1975 و1990، مع وجود الروس والأمريكيين والإيرانيين و«حزب الله» اللبناني والعراقيين والميليشيات الأفغانية وتنظيم «الدولة الإسلامية» والأكراد والأتراك وكل الأطراف من كل حدب وصوب. لكن قد يفاجأ القراء حين يعرفون أن السوريين كانوا مهتمين ببلد آخر تماما في الآونة الأخيرة.

ومنذ بضعة أيام، عقد رئيس النظام السوري «بشار الأسد» اجتماعا خاصا للصحفيين السوريين في دمشق وأبلغهم أن العلاقات قد استؤنفت، على مستوى متواضع، بين قطر وسوريا. لكن الحقيقة تقول إن هذا لم يكن استئنافا للعلاقات، بل مجرد دولتين تحافظان على الاتصال بينهما. وذلك يجعل القصة مثيرة للاهتمام.

ومنذ أعوام مضت، قرب بداية الحرب السورية، تم إطلاق مجموعة من الراهبات من قبل الخاطفين في سوريا، من خلال تدخل مشترك من «الأسد»، وأمير قطر «تميم بن حمد»، ورئيس المخابرات اللبنانية العميد «عباس إبراهيم». وفي الواقع، أعربت الراهبات عن تقديرهن لكل من «الأسد» والأمير. وقالت الشائعات إنه تم دفع الكثير من المال مقابل إطلاق سراحهن، لدرجة جعلتهن، كما ذكرت من قبل، أغلى الراهبات في العالم.

لكن يجب هنا أن نصب تركيزنا وتفكيرنا على قطر. وتعد قطر دولة كبيرة لأنها تحتوي على النفط والغاز المسال وقناة الجزيرة التلفزيونية، لكنها وحدها، تبقى عرضة دائما لأن يغزوها السعوديون والإماراتيون. وهي أيضا شبه جزيرة صغيرة تحتوي على قاعدة عسكرية أمريكية ضخمة، لكن كثيرا ما أساء إليها «دونالد ترامب» نفسه. وقد يكون حكامها الملكيون أباطرة، ولكنها نفسها ليس لديها إمبراطورية.

لكن إذا كانت قطر تخطط لإعادة إعمار سوريا عندما تنتهي الحرب، مستغلة ثروتها الضخمة قادرة على إعادة بناء تلك الأرض القديمة، فسيكون لدى قطر إمبراطورية لأباطرتها هنا. لكن لا يعني ذلك أن قطر سوف تمتلك سوريا في أي وقت، لكن سيكون لها، كما نقول في الشرق الأوسط، «نفوذ كبير»، حيث ستمتلك السلطة والقوة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وهي قوة لا تملكها حتى المملكة العربية السعودية.

في مواجهة (إسرائيل)

لكن بالطبع سوف يشارك الروس أيضا، ودعونا نتذكر أن الملك السعودي «سلمان بن عبدالعزيز» كان ضيفا على الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» منذ فترة قريبة، وربما يشارك الإيرانيون أيضا بطريقة هامشية. وهنا أذكر، بالمناسبة، أن فكرة أن الإيرانيين يهيمنون على سوريا تعتبر أسطورة، يكررها كثيرا رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو».

وفي كل رحلاتي، لم أر إيرانيا على الخطوط الأمامية السورية لأكثر من عام على عكس الحضور البارز لـ«حزب الله». وبالطبع سيلعب الجيش السوري دورا بارزا في إعادة بناء سوريا حال بقاء «الأسد» كما صار متوقعا.

ومنذ عدة أسابيع، أظهر التلفزيون السوري الجنود والدبابات والشاحنات المتجهة إلى الجنوب للمعركة النهائية في الغوطة الشرقية. وكان من المفترض أن الهدف المعلن كان تخويف باقي الإسلاميين في الغوطة، لكن السبب الحقيقي كان مختلفا تماما. فقد أراد الجيش معرفة السرعة المطلوبة لنقل 25 ألف جندي من حلب والشمال إلى دمشق والجنوب. واستغرق الأمر 48 ساعة فقط. وبعبارة أخرى، ليس هذا مجرد جيش قتال نجا من حرب كاسرة، وهو ما يقودنا إلى نقطة صغيرة أخرى تزعج سوريا.

فعلى طول حدودها مع الجولان الذي تحتله (إسرائيل)، هناك مجموعة متنوعة من الميليشيات، بعضها من الإسلاميين، الذين لديهم علاقات جيدة هامشية مع (إسرائيل). وقد نقل الإسرائيليون بعض جرحاهم إلى المستشفيات الإسرائيلية، ولم يقدم الإسرائيليون على قصفهم أبدا. إذن، ماذا لو انتهت الحرب، هل يخطط الإسرائيليون لاستخدام هذا التكتل الصغير تحت هضبة الجولان؟ وهل يستعيد جنود «الأسد» المنطقة؟ أم تحاول (إسرائيل) تحقيق نسخة سورية من منطقة الاحتلال التي سيطرت عليها (إسرائيل) في جنوب لبنان من عام 1982 حتى عام 2000؟

وبعبارة أخرى، هل ستحاول (إسرائيل) الاستيلاء على بعض الأراضي السورية في أعقاب الحرب، وتزعم أنه كان من الضروري القيام بذلك من أجل إبقاء الإيرانيين، أو الحشود الفارسية الأسطورية، بعيدا عن الحدود الإسرائيلية؟ قد تكون الفكرة قائمة، على الرغم من أن الجنرالات الأكثر حكمة في الجيش الإسرائيلي لا يرغبون في مواجهة الجيش السوري، لكن تظل الفكرة مثيرة للاهتمام.

المصدر | الإندبندنت

  كلمات مفتاحية

سوريا لبنان روبرت فيسك بشار الأسد قطر