أن تكون كياناً إرهابياً في مصر!

الخميس 26 فبراير 2015 07:02 ص

أصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أمس قرارا بقانون «الكيانات الإرهابية» والذي يدرج 24 فعلاً من ينفذ أيّاً منها يعتبر ضمن «الكيانات الإرهابية»، ويحقّ للسيسي إصدار هذه القوانين، مستنداً إلى الدستور الحالي للبلاد، بسبب غياب سلطة تشريعية في مصر إلى حين إجراء انتخابات. 

المشكلة في هذه الأفعال الـ24 التي يعددها القانون هي عموميّتها الكبيرة التي قد تنطبق على أي شكل من أشكال الاحتجاج على السلطات القائمة، ومن ذلك على سبيل المثال: الدعوة «بأي وسيلة» إلى الإخلال بالنظام العام، فالمشكلة تكمن هنا في توسيع القرار للوسائل التي يمكن للسلطات أن تؤولها أو تفسّرها، بحيث تشمل عملية إرهابية كبرى كما حصل في سيناء مؤخراً وأدت إلى مقتل العشرات من الجنود، كما يمكن أن تشمل جملة نقد ساخرة من السيسي أو كبار قادته الأمنيين على «تويتر» أو غيرها من وسائل التواصل الاجتماعي. 

بجرّة قلم واحدة فقط يضع القانون المذكور مواجهة مباشرة بين المصريين (وربما غير المصريين من العرب الذين لا بواكي لهم كالسوريين والفلسطينيين) وبين «النظام العامّ»، فتفيض عموميته بذلك عن فكرة الدفاع عن النظام السياسي التي هي عادة «بيت القصيد» في عرف أرباب الحكم، إلى أي خلاف مع رجل أمن أو ضابط شرطة أو بلطجي أو مخبر بسيط أو موظف دولة أو حتى شخص عاديّ موال للنظام، وهو جاري الحال في جلّ النظم الاستبدادية.

بمادته الأولى الخطيرة يجرّم القانون المذكور، متقصّداً، الحقوق السياسية المشروعة للبشر في النظم المتمدنة، مثل أشكال المعارضة السياسية للنظام، كتشكيل الجماعات والأحزاب، والتظاهر والاعتصام وحرية الرأي والتعبير، فمن السهل في السياق الحالي لمصر شملها كلها في «الدعوة بأي وسيلة إلى الإخلال بالنظام العام»، لكن الأخطر من ذلك أن القانون يخلط، متقصدا، بين هذه الممارسات السياسية، والأفعال الجرميّة الخالصة مثل «إيذاء الأفراد، أو إلقاء الرعب بينهم، أو تعريض حياتهم، أو حرياتهم، أو حقوقهم، أو أمنهم للخطر»، بحيث يساوي بين المعارضة السياسية والإجرام الذي تقوم به العصابات التي تمتهن القتل والنهب. 

وكي لا يكون هناك أي غموض بشأن إرادة تكسير أي اعتراض سياسي أو اجتماعي على النظام الحاكم في مصر يُدخل قانون «الكيانات الإرهابية» أفعالاً أخرى مثل «عرقلة عمل» دور العبادة والمستشفيات ومعاهد العلم والمنظمات والهيئات الإقليمية والدولية في مصر، عن القيام بعملها «أو ممارستها لكل أو بعض أوجه نشاطها» ضمن الأعمال التي تحوّل فاعلها إلى «كيان إرهابي» وبذلك لا تحتاج لعدّك إرهابياً إلا اعتبار ممثلي السلطات لأي شكل من أشكال الاعتراض عليهم لتصبح مجرماً بقوّة «القانون»!

المفارقة أنه حين يذكر القانون المذكور «إيذاء الأفراد، أو إلقاء الرعب بينهم، أو تعريض حياتهم، أو حرياتهم، أو حقوقهم، أو أمنهم للخطر» لا يتذكر القارئ التنظيمات الإرهابية المسلّحة فقط، بل يتذكّر أيضا أفعال السلطات المصرية نفسها بدءاً من فضّ اعتصامي رابعة والنهضة، مروراً بالتعامل العنيف القاتل مع جماهير النوادي الرياضية المصرية، ووصولاً إلى المحاكمات الجماعية للمعارضين السياسيين، إسلاميين وليبراليين، والأحكام القاسية ضدهم.

يأتي القانون المذكور أثناء تصاعد إدانات منظمات حقوقية دولية لمقتل مدنيين خلال القصف المصري الأخير على درنة في ليبيا، وهو ما قدّرت منظمتا «العفو الدولية» و«هيومن رايتس ووتش» أنه يمكن اعتباره «جرائم حرب». 

ما تقوله أفعال السلطات الحاكمة من بطش بالسياسة والاجتماع في مصر تتوازى مع أمثال قوانين السيسي هذه التي تشرّع لهذه الأفعال وهو ما يرسم علامات استفهام على دور مصر الذي انحسر من كونها، في الخمسينات والستينات، قاطرة التوازنات العربية، إلى تدهورها الحالي المؤسف إلى «كيان» وظيفيّ للبطش المحلّي والإقليمي. 

  كلمات مفتاحية

مصر السيسي قانون الكيانات الإرهابية تجريم الحقوق النظم المتمدنة المعارضة السياسية الجماعات الأحزاب التظاهر الاعتصام حرية الرأي

مصر .. تفعيل سلاح حظر النشر لمنع متابعة انتهاكات الشرطة