«ف.بوليسي»: انحياز «ترامب» لقطر علامة على قرب الإطاحة بالاتفاق النووي

الجمعة 4 مايو 2018 08:05 ص

في سلسلة من التغريدات صبيحة يوم 6 يونيو/حزيران عام 2017، اتهم الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» حكومة قطر بتمويل التطرف. وكان ذلك بمثابة انقلاب لصالح قادة السعودية والإمارات والبحرين ومصر، الذين فرضوا حصارا على القطريين في اليوم السابق، بعد أعوام من لومهم على دعم قناة الجزيرة الفضائية الهدامة والمضللة على حد قولهم، فضلا عن ادعائهم قيام الدوحة بمساعدة الجماعات المتطرفة في المنطقة.

ومع استمرار الجمود لأشهر، بدا أن «ترامب» راضٍ عن ذلك. وبالتأكيد، كانت هناك عدة مكالمات هاتفية بين الرئيس وقادة دول الخليج طلب خلالها «ترامب» إصلاح علاقاتهم، لكن القضية لم تكن ذات أولوية بالنسبة للبيت الأبيض.

والآن، عاد «ترامب» للتدخل، ولكن فقط لدفع القضية لمنعطف جديد. فبدلا من مهاجمة القطريين كما فعل في يونيو/حزيران الماضي، أرسل الرئيس للتو وزيره المعين حديثا، «مايك بومبيو»، إلى الشرق الأوسط، حيث طلب من السعوديين إنهاء الأمر فورا. وطلب «بومبيو» من وزير الخارجية «عادل الجبير» إصلاح المشكلة مع قطر؛ حيث يبدو أن الأمر قد طال بما فيه الكفاية.

فما الذي تغير؟ لقد أدركت إدارة «ترامب» أن علاقتها مع إيران قد وصلت إلى ذروتها، وترغب في وجود مجلس تعاون خليجي موحد إلى جانبها. ومن شبه المؤكد أن تغيير نغمة «ترامب» لصالح قطر يعني أنه اتخذ قراره بإفشال الاتفاق النووي الإيراني في الأسابيع المقبلة.

ومن المفارقات أن الحصار الرباعي قد أصبح، في غضون ذلك، واقعا إقليميا جديدا، بينما استخدمت قطر مواردها المالية الكبيرة لتفادي آثار الحصار. وأقامت صناعة الألبان الخاصة بها، وعدلت أنماط رحلات الخطوط الجوية القطرية، وعمقت علاقاتها مع تركيا، وقبلت شحنات الطعام من إيران، وخاصة في الأيام الأولى من الحصار. واستخدم أمير قطر أيضا الواقع الجديد لتحقيق مصلحته الدبلوماسية الخاصة.

ومن جانبها، بمجرد أن فهمت دول الحصار أن القطريين لن يتراجعوا ولن ينفذوا الـ 13 مطلبا التي كانوا قد وضعوها شرطا لإنهاء الحصار، انتقلوا إلى العمل من أجل عزل الدوحة على المدى الطويل في المنطقة.

وهكذا استقر الصراع من جانب كل طرف بدرجات متفاوتة من التصيد، عبر الأخبار المزيفة من ناحية، والتسريبات الاستراتيجية من الناحية الأخرى.

وفي بعض الأحيان، اقترب مستوى المكائد لتفاهة ما يحدث بين طلاب المدارس المتوسطة، وأزالت شركة طيران الاتحاد، على سبيل المثال، كلمة «قطر» من برنامج الخريطة المتحركة الخاص بها. وفي هذه الأثناء، ظهرت تسريبات البريد الإلكتروني المتكررة لسفراء الإمارات كنوع من الثأر.

وكان للنزاع دائما القدرة على الانتشار إلى ما وراء منطقة الخليج. فجميع اللاعبين الرئيسيين، بالإضافة إلى تركيا، نشطون في البحر الأحمر والقرن الأفريقي.

وحدث القطريون والأتراك مؤخرا علاقاتهم العسكرية مع السودان، مما أثار قلق المصريين، وزاد من المخاطر في النزاعات المستمرة بين مصر والسودان وإثيوبيا حول توزيع مياه النيل والقضايا الإقليمية الأخرى. وهناك بعض التداخلات الأخرى في الصراع في كل من ليبيا وتونس، حيث دعمت دول الحصار وقطر الأطراف المتعارضة.

واندلع الصراع على العلاقات العامة والضغط في واشنطن؛ حيث أنفق القطريون والسعوديون ببذخ لإقناع صناع السياسة وأعضاء الكونغرس ومراكز الأبحاث بوجهات النظر المختلفة.

لكن هذه الجيوش من جماعات الضغط والاستشاريين لم تنتج الكثير لعملائها. وظل الإجماع العام في واشنطن أنه لا طرف من هؤلاء الحلفاء مثاليون، وأن القطريين ليسوا بالتأكيد ملائكة، لكن لديهم علاقات فريدة من نوعها مفيدة، ووجود قاعدة العديدة الجوية يعد قيما للغاية بالنسبة للولايات المتحدة.

ومع ذلك، كانت الدول الأربع التي تحاصر قطر راضية عن تعيين «بومبيو» وزيرا للخارجية بعد إقالة «ريكس تيلرسون».

وفي الرياض وأبوظبي، كان المسؤولون ينظرون إلى «تيلرسون» كجزء من المشكلة. واعتقدوا أن «تيلرسون» كان يحمي القطريين من غضب الرئيس. ووقع القطريون سلسلة من اتفاقيات مكافحة الإرهاب والأمن مع الولايات المتحدة في فبراير/شباط، وقام «ترامب» باستضافة إيجابية لأمير قطر في البيت الأبيض في أبريل/نيسان، وحتى مع حضور «بومبيو»، لا تزال الكفة تميل لصالح الدوحة.

وجاءت معظم التحركات لتوضح أن البيت الأبيض في الصراع الخليجي -ربما بعد أن نجح القطريون في كسب التأييد، وربما بعد أن أدركت واشنطن أن القطريين هم الخيار الأفضل على الدوام- يبدو مرتبكا بعض الشيء. ويظهر ذلك على سبيل المثال في التحرك للضغط من أجل حل للموضوع الآن، وليس في الماضي.

فضلا عن الإقالات والاستبدالات المتتالية، لا سيما بعد أن أقال «ترامب» مستشار الأمن القومي «إتش آر ماكماستر» واستبدله لصالح «جون بولتون»، وبعد أن نقل «بومبيو» من وكالة الاستخبارات المركزية إلى وزارة الخارجية. وكلا الرجلين يكرران عبارة «التطرف الإرهابي الإسلامي»، وكلاهما يطالبان بتصنيف جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية.

مواجهة إيران

ويعد مطلب «بومبيو» بتسوية الدول الخليجية لخلافاتها أمر منطقي فقط على خلفية 12 مايو/أيار، وهو التاريخ الذي ينتظر فيه من الرئيس إما التنازل عن العقوبات على إيران أو إعادة تطبيقها، وهو ما يعني انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني.

وكان قلق واشنطن الأكبر بشأن الحصار، لا سيما في وقت مبكر، هو كيف سيؤثر الخلاف داخل المنطقة على قدرة الولايات المتحدة وحلفائها على مواجهة إيران.

ولم يكن ذلك فقط لأن قطر الصغيرة كانت لاعبا مركزيا في المواجهة؛ فطالما كان لدى الدوحة وجهة نظر مختلفة عن إيران فيما يتعلق بها كمشكلة يجب إدارتها بدلا من المواجهة، بل لأن عدم الاستقرار على الشواطئ الغربية للخليج كان يوفر فرصة لطهران لإحداث المزيد من الأذى في شبه الجزيرة العربية من خلال القيام بما قام به الإيرانيون في كثير من الأحيان ردا على المشاكل في العالم العربي، وهو استغلالها لتعزيز نفوذهم.

وكان هذا التهديد نظريا فقط حيث لم يعزز الإيرانيون تحركاتهم بسبب الخلاف القطري. لكن من السهل أن نتصور أن يتغير ذلك إذا انسحبت واشنطن من الاتفاق النووي وأعادت فرض العقوبات على طهران.

ومن الواضح أن الإدارة تريد خليجا موحدا للتخفيف من أي تداعيات محتملة لزعزعة الاستقرار. ويبدو من غير المحتمل أن يحاول الجنود الإيرانيون الوصول إلى الساحل الشرقي للسعودية، لكن هناك إمكانية كبيرة لإحداث إيران للتخريبات وإدارة حرب معلومات تهدف إلى إرباك وتخويف دول الخليج. وسيكون من الأفضل لو أن هذه الدول نفسها لم تشارك في نفس النوع من النشاط ضد بعضها البعض، لأنها ستوفر فقط فرصة أخرى لطهران ووكلائها.

وصحيح أن «ترامب» يحب في كثير من الأحيان الخداع في الفترة التي تسبق اتخاذ قرارات مهمة، ولكن قد لا يكون هذا مناسبا بشأن الاتفاق الإيراني.

ويعتبر التحول لصالح قطر علامة أخرى على أن «ترامب» قد يطيح بالاتفاق. وجاء ذلك بعد تصريح «بومبيو» في بروكسل بأنه لا يعتقد أن الرئيس سيبقي على الاتفاق، وبعد فشل الرئيس الفرنسي «إيمانويل ماكرون» في الحصول على التزام من «ترامب» للحفاظ على الاتفاق وتعزيزه.

ربما يكون القطريون قد خرجوا من عنق الزجاجة بسبب عزم «ترامب» الوفاء بوعده بالانسحاب من الاتفاق الإيراني. وقد يكون هذا مصدر ارتياح للبعض، ولكن بالنظر إلى ما قد يحدث لاحقا، فقد يندم الجميع على ذلك.

المصدر | فورين بوليسي

  كلمات مفتاحية

الاتفاق النووي الإيراني قطر دول الحصار مايك بومبيو