الصراع على السلطة في الشرق الأوسط يستغل الصدع الطائفي القديم

الاثنين 7 يوليو 2014 03:07 ص

دافيد كيركباتريك، نيويورك تايمز، 5/7/2014 - ترجمة وتحرير: الخليج الجديد

هناك حواجز سوداء وصفراء تغلق الطرق التي تدخل إلى المناطق ذات الغالبية السنية حيث يوجد جنود سنة من الخارج يركبون حاملات جنود ويقومون بحماية قصور الأسرة الحاكمة ونخبة رجال الأعمال.

وما وراء هذه المناطق هناك قرى شيعية فقيرة يمثلون حوالي 70% من البحرين حيث يصل عددهم إلى 650000 مواطن. وفي هذه المناطق تجد الشرطة تقوم بمناوشات ليلية مع الشباب الذين يلقون بالحجارة وفي بعض الأوقات يستخدمون البنادق محلية الصنع أو الملوتوف.

إن معاركهم تعد امتدادا للعداء الطائفي الذي يمتد بعمر الإسلام. غير أن هذه المعارك هي مظهر من مظاهر التدافع من أجل السلطة من خلال اللعب خارج المنطقة في أعقاب غزو الولايات المتحدة للعراق وثورات الربيع العربي.

إن جزيرة البحرين الواقعة على الشاطئ الشرقي للسعودية كانت أول بلد خليجي يشهد ثورات ربيع عربي مطالبة بالمساواة بين المواطنين وبالحكم الديمقراطي غير أنها منبثقة من نوازع طائفية مع أنها في البداية بدت طبيعية. غير أن التجربة البحرينية الآن صارت بمثابة نذير لاشتعال ما كان وما زال يعرف بالتنافس الكبير بين السنة والشيعة وهو الأمر الذي يهدد بتآكل حدود دول مثل سوريا والعراق وعدم استقرار البحرين ولبنان وكذلك تصاعد التنافس الإقليمي على النفوذ والسيطرة بين إيران الشيعية والسعودية السنية.

ويقول العلماء والنشطاء إن العنف الطائفي الذي يجتاح الشرق الأوسط لم ينتج فقط من اندلاع التنافس الديني بسبب قمع الحكام الديكتاتوريين العلمانيين الذين حكموا المنطقة. في المقابل، يقولون أنه قد تم اللعب مرة أخرى على الغضب الديني وهو الأمر الذي يُستغل في أي صراع يدور على الأرض.

وقال الشيخ «ميثم السلمان»، عالم مسلم شيعي والذي اعتقل تسعة أشهر في السجون البحرينية وعذب علي يد الشرطة هناك في 2011 بسبب مساندته للثورة، «هناك قوى تبقي على التوتر قائما في سبيل الحصول على قطعة أكبر من الكعكة».

أما عن ميدان اللؤلؤة الذي اعتصم فيه المتظاهرون أسابيع منذ ثلاثة أعوام فقد صار معسكرا وقد فض هذا الميدان حيث دخلت القوات السعودية السنية وقامت بقمع الحركة الشيعية المطالبة بالديمقراطية.

ومع ذلك، الغضب الطائفي لا يمكن التنبؤ به ولا يمكن السيطرة عليه حتى ولو كان هذا الغضب ضد أولئك الذين يمكنهم استغلاله. ومع انطلاق الشرارة الأولى للاحتجاج في سوريا، على سبيل المثال، قامت الحكومة السورية وكذلك داعميها من الإيرانيين بتصوير الحركة على أنها قوة طائفية يسيطر عليها متطرفون سنة، وذلك من أجل التحالف مع المسيحيين والأقليات الأخرى ضدها. وقد قامت دولا مثل السعودية ودولا خليجية سنية أخرى برعاية الاستياء السني من إيران الشيعية وكذلك الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد. وقامت دول الخليج السنية بتمويل الثوار السنة فصاروا بذلك أكثر عنفا.

والآن، أوفت الثورة السورية بعض أسوأ المخاوف الطائفية وتهدد ليس فقط أمن عائلة الأسد وإنما إيران والسعودية أيضا. وقد سيطر أسوأ المتطرفين السنة، الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، على مناطق واسعة في كل من سوريا والعراق وشرعت في قتل المئات من الشيعة ودمرت مساجدهم. إن الثورة التي قامت بها الدولة الإسلامية في العراق وسوريا قد وضعتها على أعتاب كل من الحكومة العراقية في بغداد، حليفة إيران، وكذلك المملكة العربية السعودية والتي طالما خافت من المتطرفين وتعتبرهم تهديدا لها في الداخل.

كما أن عودة التناحر السني الشيعي في كل المنطقة قد تبع النموذج التالي: ضعف الدولة القديمة يؤدي بالمواطنين القلقين إلى العودة لهويتهم الطائفية بينما يقوم الحكام غير الآمنين بإحاطة أنفسهم بالموالين لهم من عشائرهم وطوائفهم كما يقومون باستعداء الآخرين بشكل منهجي على أساس طائفي. وفي حالة حلفاء أمريكا مثل البحرين والعراق، يقول المحللون، أن الولايات المتحدة وقوى أخرى غربية تغض الطرف عن تجاوزات بعض الحكام وطائفيتهم.

وقال «نالي ناصر»، عميد كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز، «القوى الكبرى تنجذب للعملاء الذين يمكن أن يساعدوهم».

وقال أن السعودية وإيران قد تبنوا سياسة خارجية طائفية من أجل تحقيق أهداف علمانية قديمة. وقال، «إنهم يلعبون لعبة سياسات القوى العظمى وقطع الشطرنج التي اختاروها تتأجج بالطائفية».

أما بالنسبة لأمريكا فإن المخاطر تشمل استقرار المنطقة وأمن حلفائها وكذلك شركائها الذين يزودونها بالنفط، كما أن الصراع الإقليمي من الممكن أن يعقد من محاولات الوساطة الجارية للاتفاق مع إيران حول برنامجها النووي.

غير أن واشنطن تشهد إرتباكا في المنطقة من خلال الإبقاء على حلفا في كل من الجانبين الطائفيين المتصارعين فهي حليف للسنة في السعودية والبحرين وكذلك المعارضة السورية ولكنها في الوقت نفسه حليف للشيعة في بغداد. ففي البحرين، وافقت الولايات المتحدة على مساعدة السعودية لها عسكريا من أجل قمع الثورة السلمية التي قامت بها الأغلبية الشيعية. وفي العراق تقول جماعات حقوقية أن واشنطن حافظت على الصمت في حين كان هناك أدلة تقول بأن رئيس الوزراء نور المالكي يقصي الأقلية السنية من السلطة بل ويقوم بانتهاكات ضدهم.

وبإبراز هذه التشابكات المتضاربة، فإن نظريات المؤامرة في الإعلام العربي الآن تقول بأن واشنطن ربما ترحب بالصراع الطائفي. وتقول لينا خطاب، مديرة مركز كارنيجي الشرق الأوسط في بيروت، «صارت هذه هي الرواية الأبرز».

طار وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري مؤخرا إلى بغداد من أجل حث الحكومة العراقية على مشاركة السلطة مع الآخرين وكذلك نبذ الطائفية آملا في تخفيف بعضا من حدة هذا الاستياء الذي حول بعضا من الشعب السني إلى متطرفين.

وفي البحرين، برقت عيون بعض القادة الشيعة هناك مطالبين معاملة بالمثل. وقال «خليل مرزوق»، نائب رئيس أكبر جمعية شيعية معارضة، الوفاق، والذي أفرج عنه مؤخرا من السجن، «إننا نريد أن نسمع رسالة مماثلة». 

يشكل الشيعة 15% فقط من العالم الإسلامي الذي يبلغ تعداده 1.6 مليار مسلم. ومع ذلك فهم يشكلون أغلبية في إيران والعراق والبحرين وأذربيجان وكذلك هم الأكثرية ولهم شعبية في لبنان.

وقد عاش السنة والشيعة دائما معا في سلام وكونوا تحالفات سياسية وكان الزواج بين الطائفتين شائعا. غير أن عددا من السنة في المنطقة ظلوا يقولون بأن الشيعة ليسوا مسلمين حقيقيين، في حين عانى الشيعة قرونا من الاضطهاد.

وفي العراق، كانت أخر نقطة مضيئة عندما اُجري العديد من استطلاعات الرأي منذ الغزو الأمريكي للعراق، وتكشف تلك الاستطلاعات أن السنة والشيعة يؤيدون التعايش سويا ويصفون بلدهم بأنه الأكثر وحدة وليس الأكثر انقساما.

غير أن السيد «نوري المالكي» قد احتكر السلطة ومع تزايد الانتهاكات الحقوقية في السنوات الأخيرة ضعفت الوحدة الوطنية. وفي استطلاع رأي أجري في ربيع 2012 من قبل المعهد الديمقراطي القومي في واشنطن، قفزت نسبة العراقيين الذين قالوا إن العراق أكثر انقساما 12% مقارنة بآخر استطلاع لتصل إلى 35%. أما بالنسبة للعرب السنة فقد تضاعفت نسبة الذين قالوا بالانقسام لتصل إلى 58%.

وفي البحرين، عندما قام الآلاف من المتظاهرين بالزحف إلى ميدان اللؤلؤة في مواجهة الحكومة في فبراير 2011، كان معظمهم من الشيعة. غير أن واحدا من أهم القادة هناك كان «إبراهيم شريف» وهم مسلم سني معروف بأنه ناشط معارض لفساد الحكومة.

وقد كان «إبراهيم شريف» من أوائل القادة الذين اعتقلوا حيث أخذ من بيته من قبل الشرطة في الساعات الأولى بعد منتصف ليل يوم 17 مارس بعد أن قامت قوات الشرطة بفض ميدان اللؤلؤة. وقد أثبت وجود شريف عدم صحة قصتهم بأن هذه الثورة هي مخطط شيعي، وهذا ما قالته زوجته، «فريدة غلام اسماعيل» خلال مقابلة. وقد بقي الرجل في السجن بتهم الخيانة.

وفي وقت اعتقاله والقمع، كان المتظاهرون الشيعة يهتفون بهتافات يغلب عليها الطابع الشيعي وهو ما أثار مخاوف السنة. وقد اتهمت الحكومة البحرينية خصومها الشيعة بحمل السلاح والتخطيط لإسقاط المملكة البحرينية بالعنف والسيطرة على القيادة والحصول على الدعم الإيراني.

وقد ادعى زعماء المعارضة أن هذه الاتهامات للتخويف، ولكن بعد ذلك كانت هناك إشارات على تزايد العنف والتورط الإيراني. وفي ديسمبر، اعترضت السلطات البحرينية سفينة عراقية تبحر نحو البحرين محملة بأسلحة سورية وإيرانية. كما أعلنت جماعة شيعية تسمي نفسها «اللواء عشتار» مسؤوليتها عن الهجمات التي وقعت ضد قوات الأمن، ومن بينها التفجيرات التي قتلت ضابطين شرطة بحرينيين وكذلك ضابط إماراتي. وقد قتل ضابط آخر يوم السبت بعد أن جرح فيما سماه مسؤولين بحرينيين هجوما إرهابيا.

وتقول بعض الأحزاب البحرينية المعارضة الآن أن أملهم الوحيد هو السلام الإقليمي الذي يضم كلا من السعودية وإيران، وهو الأمر الذي سيزيح مخاوف الأسرة الحاكمة من الأغلبية الشيعية.

ولكن المتفائلين يرون أن التوترات في البحرين لم تتصاعد بعد لتصل إلى عنف طائفي بين المدنيين السنة والشيعة. ويقول بعض قادة المعارضة أنه في حين أن البحرين أصبحت برميل بارود قابل للانفجار، إلا أنه لا يزال لديها فرصة لتصبح نموذجا لتقاسم السلطة في المنطقة.

«لماذا ننتظر حتى تحدث كارثة حقيقية؟» سأل السيد مرزوق، من جمعية الوفاق الشيعية.

 

 

 

  كلمات مفتاحية

ثلاث ظواهر مَرَضية تجاوزها العالم إلا النظام العربي: الطائفية والسلطوية وتهميش المرأة