«ذي أتلانتيك»: سر نجاح «حزب الله» الانتخابي

الثلاثاء 8 مايو 2018 09:05 ص

امتدت أعلام «حزب الله» الصفراء لأميال على طول الطريق السريع إلى «بعلبك»، وهي مدينة لبنانية بالقرب من الحدود مع سوريا، تتخللها صور لـ«حسن نصرالله»، زعيم الحزب، وكان يبتسم في بعضها، وفي البعض الآخر، كان يظهر تعبير الجدية أو يقوم بالتحية.

وكانت الرسالة الواضحة إلى الناخبين على رايات الحزب بسيطة، نحن نحمي ونبني.

واعترض «غالب ياغي»، عمدة بعلبك السابق الذي خاض الانتخابات البرلمانية اللبنانية نهاية الأسبوع الماضي، وهي الأولى من نوعها في 9 أعوام، على شقي الرسالة.

وبينما كان متكئا على أريكة في مقر حملته الانتخابية، قال إن «حزب الله» فشل سياسيا، وتم استهلاكه جدا في القتال في الحروب عبر الحدود.

وبدلا من تطوير استراتيجية لتحسين حياة المواطنين، قام مقاتلوه بتدريب المتمردين الشيعة على القتال ضد الجنود الأمريكيين في العراق، وهم الآن من الداعمين الرئيسيين لنظام «بشار الأسد» في سوريا، وتعتبر الحكومة الأمريكية الحزب جماعة إرهابية.

وفي هذه الأثناء، تعاني المنطقة، المعروفة باسم «بعلبك الهرمل»، من انعدام الأمن، وقد حدث على الأقل نزاع أخير متصل بالانتخابات تحول إلى تبادل لإطلاق النار بقذائف الهاون، ما أعاق السياحة والاستثمار، كما أنها واحدة من أكثر المناطق فقرا في لبنان، حيث يعيش نحو 40% من السكان تحت خط الفقر، وأكثر من نصفهم عاطلون عن العمل.

ويستند النظام السياسي في لبنان إلى ترتيبات لتقاسم السلطة بين الطوائف المختلفة في البلاد، مع عدد محدد من مقاعد البرلمان الـ128 مخصص لكل طائفة.

وتعكس سياسة البلاد الصراعات الأكبر في الشرق الأوسط، حيث تدور الصراعات في الداخل بين «حزب الله» المدعوم من إيران ضد الأحزاب السنية المدعومة من المملكة العربية السعودية.

وعلى الصعيد الدولي، تتعمق المواجهة بين إيران و(إسرائيل)، التي يقول «حزب الله» إنه يسعى للقضاء عليها، ورد الوزير الإسرائيلي اليميني «نفتالي بينيت» على نتائج الانتخابات بقوله إن لبنان هي «حزب الله»، وقال إن (إسرائيل) لن تميز بينهما، رغم حصة «حزب الله» الضئيلة في العدد الإجمالي للمقاعد.

وقد يبدو من السهل على المرشح اجتذاب الأصوات من خلال التركيز على فشل الحزب الحاكم في تحسين مثل هذا الوضع الاقتصادي الصعب.

لكن ليس في بعلبك؛ فقد تلقى «ياغي» الهزيمة هناك، كما فعل كل مرشح شيعي آخر هناك ضد «حزب الله».

وفي الوقت الذي أمنت فيه قائمته مقعدا سنيا ومسيحيا في المنطقة، فقد حصل «حزب الله» وحلفاؤه على 26 مقعدا من أصل 27 مقعدا مخصصا للشيعة في جميع أنحاء لبنان.

ويبرر «ياغي» ذلك قائلًا: «هناك قول مأثور يقول إذا جوعت كلبك فسوف يتبعك، فلقد أصبحت البطالة مرتفعة للغاية في بعلبك، ولا يمكن للشباب العثور على عمل، لذا فإن البديل لإيجاد عمل هو الانضمام إلى حزب الله مقابل 400 دولار في الشهر، والخروج للقتال في مكان ما.. ثم العودة في صندوق، كشهيد».

ومع ظهور نتائج الانتخابات، أصبح من الواضح أن الناخبين عاقبوا أكبر حزب داخل الكتلة السنية لأعوام بسبب سوء الإدارة المتصور.

أما «حزب الله»، فإنه لم يفز فقط بالانتخابات في الجنوب اللبناني، بل سيطر عليها، فبعد أن جمعت جميع القوائم التي تعمل ضد الحزب أصواتها في المنطقة، فإنهم لم يفوزوا بما يكفي للحصول على مقعد واحد.

ويسيطر «حزب الله» وحلفاؤه الآن على الأغلبية في البرلمان اللبناني، وهو نصر سيستخدمونه كدليل على الدعم الشعبي لتدخل الحزب في سوريا، وموقفه من (إسرائيل)، والتحالف الإقليمي الأوسع مع إيران.

وبالطبع يتمتع «حزب الله» بشعبية حقيقية داخل المجتمع الشيعي، وقد نجحت رسالته بأنه حمى البلاد ضد التهديدات، سواء من (إسرائيل) أو من الجهاديين السوريين على السواء، في الوصول إلى الناخبين، الذين يرون أيضا «نصرالله» خاليا من الفساد، على عكس بقية المؤسسة السياسية المعوجة.

لكن الموارد السياسية تحت تصرف «حزب الله»، والتي تشمل ذراع بناء ومؤسسة لدعم العائلات التي قتل أبناؤها تحت رايته، كبيرة أمام موارد الأحزاب الأخرى.

كما أن ضعف الدولة اللبنانية يوفر لحزب الله ورقة رابحة، ما يسمح له بتصوير نفسه على أنه القوة الوحيدة القادرة على حماية مؤيديه من الأعداء الداخليين والخارجيين.

وقد تركت هذه المزايا المتراكمة من يعارض الحزب للتساؤل عما إذا كان هناك أي فرصة ليخسر «حزب الله» الانتخابات.

وقال «ياغي»: «إنهم يستخدمون الورقة الطائفية، فهم يحاولون جمع كل الشيعة وراءهم، إنهم يأخذون الناس الذين يعانون من الجوع ويدفعون لهم، ولديهم أسلحة ومال لا يملكه أحد غيرهم».

وسبق أن خدم «ياغي» لفترة واحدة في منصب عمدة بعلبك، حيث قال إنه ركز على تطوير الاقتصاد وتشجيع السياحة على الآثار الرومانية الرائعة في المدينة.

وكانت لبنان تحت الاحتلال السوري في ذلك الوقت، وعندما أراد «ياغي» الترشح للانتخابات في عام 2004، قال إن ضابط المخابرات السورية المسؤول عن المنطقة أخبره بعدم الترشح، وقال إن «بشار الأسد»، رئيس سوريا، أراد إعطاء البلدية لحزب الله من أجل إظهار أن الحزب ليس منظمة إرهابية، بل هو حزب سياسي يتمتع بدعم شعبي. ولقد تحدى الأمر ودخل الانتخابات على أي حال، وخسر في ما أسماه بالانتخابات المزورة.

ومثل جميع المرشحين الشيعة الذين يكافحون ضد «حزب الله» في الانتخابات البرلمانية، ابتعد «ياغي» عن انتقاد دور حزب الله كقوة عسكرية، وقال: «نحن لسنا ضد حزب الله كمقاومة، طالما أنه يقاوم بالطريقة الصحيحة، لكن شجارنا معهم حول التطوير، نحن نريد تطوير المدينة، وهم يريدون الانتظار إلى أن يحرروا كل شيء ثم يتطلعون إلى التطوير».

ولا شك في أن «ياغي» على حق في حاجة المنطقة إلى التنمية الاقتصادية، فقد تدفق اللاجئون السوريون إلى المنطقة في الأعوام الأخيرة، ويشكلون الآن ثلث سكان المنطقة، بحسب «رامي اللقيس»، مؤسس المنظمة اللبنانية للدراسات والتدريب، وهي منظمة تنموية مقرها بعلبك.

وأضاف أنها تصارع الدخل المنخفض وقلة فرص العمل والضغط الموضوع على المؤسسات الضعيفة في المنطقة، وخاصة التنافس على المياه كعنصر حاسم لقطاعها الزراعي.

وقال «اللقيس» إن منظمته تتلقى آلاف طلبات العمل، مضيفا: «نحن ندير مطبخا لتوفير الطعام للأسر الفقيرة، وكنا نظن أنه سيكون بشكل أساسي للسوريين، وليس اللبنانيين، ولكننا وجدنا الآن أن اللبنانيين يحتاجون أيضا الحصول على الطعام لإطعام أسرهم».

وبدا أن خطاب «حزب الله» يعترف بالمظالم الاقتصادية كضعف سياسي، وفي تحول عن الحملات السابقة، ركز مسؤولو الحزب على التنمية ومكافحة الفساد كموضوعات رئيسية، بدلا من التركيز على النضال ضد (إسرائيل) أو في سوريا.

وقال «نصر الله» في خطابه الأخير قبل الانتخابات: «سيعالج حزب الله وحلفاؤه أوجه القصور الخطيرة، وسيعوضون عن الأخطاء التي ارتكبت في الماضي».

لكن بالنسبة لمؤيدي «حزب الله»، فإن هذه الأخطاء باهتة الأهمية أمام دوره الأمني ​​القوي، ولقد نجح الحزب في إقناع الغالبية العظمى من الناخبين الشيعة في «بعلبك» بأن التصويت لصالح مرشحيه يشبه التعبير عن دعمهم لدور الحزب في حمايتهم مما يعتبرونه تهديدات في (إسرائيل) وسوريا.

وفي نفس الوقت، انتقد «نصرالله» أولئك الذين يعارضون الحزب، واتهمهم بالتآمر مع الجماعات المسلحة لاحتلال المدينة، مكررا زعمه السابق بأن السياسيين المعارضين هم حلفاء لتنظيم الدولة الإسلامية والجهاديين السنة الآخرين.

وقد وضع مثل هذا الخطاب السياسيين الشيعة الذين يأملون في هزيمة «حزب الله» في صندوق الاقتراع في وضع مستحيل. ومرارا وتكرارا، عبرت شخصيات معارضة شيعية عن نفس النقطة، فلم يكن «نصر الله» يريد فقط ضربهم في الانتخابات؛ بل أراد أن يسكتهم بالكامل.

وقال «يحيى شمس»، العضو السابق في البرلمان المعارض لـ«حزب الله» في بعلبك: «يريد السيد حسن نصرالله إثبات أنه هو وحلفاؤه هم أصحاب القرار الشيعي في لبنان، لكن هناك آخرين في بعلبك الهرمل شركاء في القرار، ولا يمكنهم احتكار القرار ومسح الآخرين».

قد لا تحقق نتائج الانتخابات الكثير في تغيير الطريقة التي يتم بها حكم لبنان فعليا، فحتى الأحزاب التي انهزمت في صندوق الاقتراع يمكنها أن تحتفظ بوضعها الجيد بعد مفاوضات مطولة لتشكيل ائتلاف حاكم.

وبالنسبة للسياسيين الشيعة الذين حاولوا معارضة «حزب الله»، فمن الصعب تبرير النتيجة على أنها انعكاس للإرادة الشعبية.

وقال «ياغي»: «من المفترض أن تكون لبنان دولة ديمقراطية، يتمتع فيها كل شخص بحرية التصويت لمن يريد التصويت له، لكن في الحقيقة، الأمر ليس كذلك، لا يمكنك التصويت لمن تريد التصويت لصالحه، فهناك ضغوط بطرق معينة، حيث يعتمد الناس على مختلف الأطراف لكسب قوتهم، ولدينا هنا هذه الدويلة داخل الدولة، لكن في الحقيقة الدويلة أقوى بكثير من الدولة ذاتها».

المصدر | ذي أتلانتيك

  كلمات مفتاحية

حزب الله الانتخابات اللبنانية بعلبك الهرمل سوريا