انتخابات لبنان.. خريطة جديدة تخسر فيها السعودية أمام إيران

الثلاثاء 8 مايو 2018 06:05 ص

وضعت الانتخابات البرلمانية اللبنانية أوزارها بعد انتظار طويل، أسفر عن تغير في التركيبة السياسية في البلاد، تراجع فيها السُّنة بشكل ملحوظ، فيما حقق «حزب الله» وحلفاؤه السياسيون مكاسب ملحوظة، ما يعطي دفعة للجماعة الشيعية المدعومة من إيران والمناهضة بشدة لـ(إسرائيل)، كما يؤكد على النفوذ الإقليمي المتزايد لطهران في مقابل خسارة للرياض.

ومع إقفال صناديق الاقتراع وبدء ظهور النتائج انطلق مسلسل تحليل معطيات هذا الاستحقاق الذي شهد انتخاب 128 نائبا، قلة منهم وجوه جديدة، بينما سيواصل قسم كبير من النواب الحاليين مسيرتهم البرلمانية.

الانتخابات البرلمانية، التي جرت للمرّة الأولى منذ 9 سنوات، باعتماد صيغة معدّلة للنظام النسبي، من خلال ما يسمّى «الصوت التفضيلي»، والتقسيم الطائفي للمقاعد الانتخابية، جاءت نتائجها بعكس ما أراد عرّابو القانون الانتخابي الجديد، لا سيما «تيار المستقبل» الذي يتزعمه رئيس الوزراء «سعد الحريري»، والذي تكبّد خسارة كبيرة في العاصمة بيروت.

كما خسر «التيار الوطني الحر» المسيحي، الذراع السياسية للعهد الرئاسي، والذي يتزعمه وزير الخارجية «جبران باسيل»، زوج ابنة رئيس الجمهورية العماد «ميشال عون»، الذي أسس «التيار البرتقالي» وقاده حتى انتخابه رئيساً للبلاد في أكتوبر/تشرين الأول 2016.

وشهدت الانتخابات النيابية اللبنانية اقتراعا بنسبة بلغت 49.20%، وتمثلت النسبة الأعلى في دائرة الشمال الثانية، والأقل في دائرة بيروت الأولى.

ولم يلبّ إقبال المواطنين طموحات الأحزاب السياسية، وهو ما ساهم في اهتزاز المشهد الانتخابي لدى متخلف القوى السياسية الكبرى، في ما عدا تحالف «حزب الله» و«حركة أمل»، الذي تمكن من حشد ناخبيه.

خريطة جديدة

زعيم «تيار المستقبل» رئيس الوزراء الحالي «سعد الحريري»، ورغم احتفاظه بزعامة الطائفية السنية على مستوى البلاد، فإنه خسر عددا من المقاعد في بعض دوائر بيروت، والشمال والبقاع، والجنوب، ما قلص عدد كتلته البرلمانية التي كانت 32 نائبا إلى 21 مقعدا فقط، ما يعني خسارة الثلث.

وقال «الحريري»، عقب ظهور النتائج: «كنا نراهن على نتيجة أفضل وعلى كتلة أوسع»، لكنه قال إنه «سعيد بالنتيجة».

وربط تراجع عدد مقاعده بطبيعة قانون الانتخاب الجديد، مقللا من تداعيات ذلك على مستقبل تياره السياسي الذي يؤخذ عليه تقديمه العديد من التنازلات لصالح «حزب الله» في السنوات الأخيرة.

وعلى الرغم من ذلك، يبقي «الحريري» كزعيم للسنة بقيادته أكبر كتلة في البرلمان، ما يجعله المرشح الأوفر حظا لتشكيل الحكومة المقبلة.

في المقابل، رفع «التيار الوطني الحر» الموالي للرئيس اللبناني «ميشال عون» حصته النيابية حاصدا 29 نائبا مع حلفائه، وفقا لما قاله رئيس التيار «جبران باسيل»، الذي أشار إلى أن كتلته هي الأكبر في البرلمان.

وفي المقابل خرج حزب «القوات اللبنانية» المناهض لـ«حزب الله»، بزعامة «سمير جعجع»، وهو حزب مسيحي، بفوز كبير زاد تمثيله إلى المثلين تقريبا بحصوله على 15 مقعدا على الأقل مقارنة مع 8 من قبل، حسبما أظهرت النتائج الأولية، ليثبّت نفسه لاعبا أساسيا في المعادلة السياسية.

فيما حافظ الحزب «التقدمي الاشتراكي» بزعامة «وليد جنبلاط» على كتلة نيابية وازنة بـ8 مقاعد، تمكنه من الاستمرار بلعب دور بارز.

أما «حزب الله»، فكان المستفيد الأكبر مما أفرزته نتائج الانتخابات، بعد تمكنه مع حليفه رئيس البرلمان «نبيه بري» من حصد معظم المقاعد العائدة للطائفة الشيعية، إضافة إلى فوز حلفاء له في عدد من دوائر بيروت، والبقاع، والشمال، والجنوب من طوائف مختلفة.

وأظهرت النتائج النهائية في جميع الدوائر الانتخابية الـ15، باستثناء واحدة، أن «حزب الله» وحلفاءه السياسيين فازوا بما يزيد قليلا عن نصف مقاعد البرلمان، حسب «رويترز».

وعلى الرغم من عدم توافق «حزب الله» وحلفائه، دائما على كل المواضيع،، فإن دعمهم لترسانة الحزب يعتبر أمرا استراتيجيا وحيويا للجماعة في لبنان.

ومن غير الوارد حصول «حزب الله» وحلفائه على أغلبية الثلثين، التي تخولهم إصدار قرارات كبرى مثل «تغيير الدستور».

وفي تعليقه على ما أفرزته الانتخابات، قال الأمين العام لـ«حزب الله»، «حسن نصرلله»، إن هذا الحضور النيابي للمقاومة وحلفائها يشكل ضمانة كبيرة لحماية معادلة الشعب والجيش والمقاومة الكفيلة بحماية البلد.

واعتبر أن الحملة ضد حزبه أعطت نتائج عكسية ودفعت مناصريه إلى التصويت بكثافة أكبر، مشددا على أن النتائج أثبتت أن «بيئة المقاومة وقفت إلى جانب الحزب ولم تعاقبه».

وتصنف واشنطن «حزب الله» الذي يمتلك ترسانة كبيرة من السلاح ويقاتل (إسرائيل)، على قائمة المنظمات الإرهابية.

كما تتهم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان خمسة أعضاء من الحزب باغتيال رئيس الوزراء الأسبق «رفيق الحريري» في عام 2005.

ولطالما شكل سلاح الحزب الذي يحارب إلى جانب قوات نظام «بشار الأسد» في سوريا، مادة خلافية بين الفرقاء اللبنانيين، لكن الجدل حول سلاحه تراجع إلى حد كبير قبل الانتخابات بفعل «التوافق السياسي» القائم حاليا.

وفي حين سيفتقد البرلمان الجديد بعض الوجوه البرلمانية التي لها بصمات في العمل التشريعي والسياسي، فإن المرشحين المستقلين لم يفلحوا بتسجيل اختراقات مهمة.

والملاحظ أيضا، أن عدد النساء ارتفع عما كان عليه سابقاً من أربع نساء إلى ست نساء.

ووفقا لنظام تقاسم السلطة الطائفي في لبنان، فإن رئيس الوزراء ينبغي أن يكون مسلما سنيا، حيث من المتوقع أن تكون الحكومة الجديدة، مثل المنتهية ولايتها، تشمل جميع الأحزاب الرئيسية.

ومن المتوقع أيضا أن تستغرق المباحثات حول المناصب الوزارية بعض الوقت، مع توقعات أن يشهد البرلمان اللبناني في المرحلة المقبلة ظهور توازنات أو تحالفات جديدة.

خسارة السعودية

وهذه النتائج تعتبر ضربة سياسية قوية لـ«الحريري»، الذي كان حتى وقت قريب ينظر إليه بوصفه ذراع الرياض السياسية في بيروت، قبل أن يحتجزه ولي العهد السعودي «محمد بن سلمان»، خلال زيارته المملكة أواخر العام الماضي، ويجبره على الاستقالة من منصبه، بحسب اتهامات الساسة اللبنانيين.

هذا التغوّل السعودي على السيادة اللبنانية، رغم فشله بعد تدخل الرئيس الفرنسي «إيمانويل ماكرون»، أفقد المملكة، حسب المراقبين، واحدة من أهم مناطق نفوذها وأكثرها انصياعاً لها، فقد اجتمع اللبنانيون على اختلاف مشاربهم الدينية والسياسية على رفض ما قامت به الرياض ضد رئيس حكومتهم.

هذه الخسارة، عبر عنها الكاتب السعودي «جمال خاشقجي»، حين قال إن نتيجة الانتخابات في لبنان «نكسة لمساعي السعودية ضد ایران».

وأضاف في تغريدة على حسابه بـ«تويتر»: «حان الوقت لإعادة النظر في الخطط والتحالفات السابقة ليس في لبنان فقط بل في كل المنطقة».

وقال الكاتب السعودي «صالح الفهيد»، تعليقا على الانتخابات: «اليوم حقق (الأمين العام لحزب الله) حسن نصرالله خطوة كبيرة ومهمة في مشواره نحو تحقيق هدفه الاستراتيجي بتحويل لبنان إلى قطعة من جمهورية ولاية الفقيه الإيرانية الفارسية».

بينما قال اللواء السابق في الاستخبارات السعودية «أنور عشقي»، إن بلاده «تنظر بحذر واهتمام إلى التغيرات، التي أفرزتها الانتخابات النيابية اللبنانية».

ورأى أن «أي تغيير في سياسة الحكومة اللبنانية لصالح حزب الله، ستقابله المملكة ودول الخليج بالنأي بالنفس عن هذا البلد، الأمر الذي سيؤثر على وضعه الاقتصادي».

كما شددت القناة العبرية «العاشرة»، على أن «انتصار حزب الله مهم ولا مثيل له، بل من شأنه أن يغيّر وجه لبنان رغم المال السعودي».

انتصار إيران

في المقابل، أوردت صحيفة «الأخبار» القريبة من «حزب الله» في مقالة افتتاحية بعنوان «الرابحون والخاسرون»، أن «حزب الله» و«حركة أمل» أظهرا «قدرة فائقة على تنظيم الصفوف بما يمنع تعرضهما لأي انتكاسة»، فيما «تلقى الحريري (وتيار المستقبل الذي يرأسه) الصفعة الأكبر في تاريخه».

واعتبرت أن «خسارة الحريري هي العلامة الفارقة في هذه الانتخابات».

فيما اعتبر مستشار المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية «علي أكبر ولايتي» أن النتائج التي حققتها قوائم «حزب الله» وحلفاؤه في الانتخابات البرلمانية اللبنانية جاءت «خلافا لمزاعم صهيونية ومؤامرات سعودية».

ونقل التليفزيون الرسمي الإيراني عن «ولايتي» قوله إن «هذا الانتصار وتصويت الشعب اللبناني للائحة المقاومة ناتج عن تأثير السياسات اللبنانية في الحفاظ على استقلال ودعم سوريا أمام الإرهابيين».

ويهدد الأداء القوي للأحزاب والساسة الذين يدعمون «حزب الله» بتعقيد السياسة الغربية تجاه لبنان المتلقي الكبير للدعم العسكري الأمريكي والمعتمد على مليارات الدولارات من المساعدات والقروض لإنعاش اقتصاده الهش.

كما يتعرض لبنان لضغوط لكي يثبت للمانحين الدوليين والمستثمرين، الذين تعهدوا بتقديم أكثر من 11 مليار دولار لبيروت الشهر الماضي، بأن البلاد لديها خطة موثوق بها لإصلاح اقتصادها، وينظر إلى إجراء الانتخابات على أنه جزء أساسي من ذلك.

وكان ينبغي أن يجري لبنان الانتخابات البرلمانية في 2013 لكن أعضاء البرلمان صوتوا بدلا من ذلك على تمديد فترة ولايتهم بسبب عدم اتفاق القادة على قانون جديد للانتخابات البرلمانية.

وفي السنوات القليلة الماضية تراجعت مسألة أسلحة حزب الله على الأجندة السياسية في لبنان.

ويقول «الحريري»، الذي قاد صراعا سياسيا لسنوات مع «حزب الله»، إنها مسألة يمكن حلها على المستوى الإقليمي عبر الحوار.

وإجمالاً، يمكن القول إن ما حدث يسجل نقلة نوعية نحو تدشين مرحلة جديدة في تاريخ لبنان، شكلت انعطافة في إدارة الحياة السياسية في البلد الذي مزقته الحرب الأهلية لسنوات.

وقد يكون إحداث أي تغيير على صعيد التمثيل السياسي أمراً مستبعداً في الوقت الراهن، حسب مراقبين، لكن التوازنات تبدلت بطريقة تتيح توقع نمط آخر من المواجهات المقبلة، وهو ما سيتضح جلياً في طريقة تأليف الحكومة وآلية إدارة ملفات اللبنانيين، لكن الأكيد أن نفوذ السعودية في هذا البلد لم يعد كما كان أبداً.. ويبدو أنه لن يعود.

ومن المقرر أن تعقب الانتخابات اللبنانية، انتخابات في العراق يوم 12 مايو/آيار الجاري.

ومن المزمع أيضا أن تبرز الانتخابات العراقية توسع نفوذ إيران إذ قد يفوز واحد من ثلاثة زعماء شيعة مؤيدين لطهران بمنصب رئيس الوزراء.

  كلمات مفتاحية

انتخابات لبنان حزب الله السعودية إسرائيل إيران حسن نصرالله سعد الحريري الشيعة السنة