«جيوبوليتيكال فيوتشرز»: لماذا انهار الاتفاق النووي؟

الأربعاء 9 مايو 2018 12:05 م

في الثامن من مايو/آيار، كشف الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» قراره بشأن تمديد التنازل عن العقوبات المفروضة على المؤسسات المالية الأجنبية التي لديها تعاملات مع البنك المركزي الإيراني.

وهو من شأنه أن ينهي فعلياً الاتفاق النووي لعام 2015، الذي يطلق عليه رسمياً خطة العمل المشتركة الشاملة.

وسوف تدخل هذه الخطوة حيز التنفيذ في 12 مايو/آيار، ولهذا فإن النتيجة على المدى القصير ستكون توترا في العلاقات الأمريكية مع حلفاء رئيسيين في أوروبا وآسيا، وستؤدي إلى تدهور إضافي في العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران وارتفاع في أسعار النفط، لكن النتيجة الأكثر أهمية هي الضغوط الداخلية المكثفة التي ستطرح على إدارة «روحاني»، والتي تعتبر حاليا على المحك.

أهم الاشياء

سعت الولايات المتحدة في البداية إلى الوصول لخطة العمل المشتركة لأن إيقاف برنامج إيران النووي بالقوة منذ البداية كان مكلفا، إن لم يكن مستحيلاً.

وقد حدث شيئان جعلا من الحل الدبلوماسي ليس خيارا أفضل فحسب ولكن ممكن أيضا؛ أولاً، ظهر «الدولة الإسلامية» كعدو مشترك للولايات المتحدة وإيران ولم تكن الولايات المتحدة ترغب في إرسال أعداد كبيرة من قواتها لمحاربة تنظيم الدولة، وبالتالي ففقد كانت بحاجة إلى كل المساعدة التي يمكن أن تحصل عليها في إزاحة الخلافة الوليدة.

ثانياً، بدأ نظام العقوبات الذي تقوده الولايات المتحدة في الإتيان بثماره جيث كانت الأوضاع الاقتصادية في إيران تزداد سوءًا، وكانت إدارة «روحاني» على استعداد للتباحث حول أجهزة الطرد المركزي واليورانيوم لفتح البلاد أمام الاستثمار الأجنبي، وبيع النفط للعالم وتحسين حالة الحياة في إيران.

ومع ذلك، كانت هناك معارضة سياسية داخلية كبيرة للاتفاق في كلا البلدين، في الولايات المتحدة، شعر الكثيرون أن واشنطن تحصل على القليل جدا مقابل التخلي عن العقوبات وفي إيران، شعر المتشددون أن الرئيس «حسن روحاني» كان يخون روح الثورة الإيرانية التي أطاحت بالشاه المدعوم من الولايات المتحدة.

وعلى الرغم من المعارضة، فإن الصفقة مرت، وارتفع الاقتصاد الإيراني، وصادراته النفطية وهزم تنظيم الدولة الإسلامية (على الأقل في الوقت الحاضر).

لكن التهديد الحقيقي لإيران لم يكن تنظيم الدولة، بل كان احتمال وجود كتلة عربية سنية موحدة ضد إيران، وهذا يعني أن على إيران أن تعزز مواقفها في كل من العراق وسوريا، بالإضافة إلى ذلك، واصلت إيران تطوير برنامجها الصاروخي، الذي لم ينتهك من الناحية الفنية اتفاق البرنامج النووي، ولكنه لم يزرع الكثير من الثقة في الغرب بشأن نوايا إيران.

كان من شأن أفعال إيران أن تضع الضغوط على أي رئيس أمريكي لإعادة النظر في شروط خطة العمل المشتركة، وجاءت هذه الضغوط مع رئيس جديد نسبيًا معارض للصفقة بالأساس ولديه صلاحية التراجع عنها.

ويمنح قانون عام 2012 الذي وضع العقوبات الرئيس سلطة استعراضها كل 120 يومًا، وعلى خلاف اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية، حيث تكون سلطة الرئيس غامضة في أفضل الأحوال، أو مواضيع العلاقات التجارية الأمريكية مع الصين ودول أخرى، حيث تكون سلطة الرئيس محدودة إلى حد ما فإن قرار إلغاء أو تمديد خطة العمل المشتركة هو في يد الرئيس بشكل كامل.

وستكون هناك عواقب فورية لإلغاء الاتفاق، حيث يتوقع من الدول خفض وارداتها من النفط الإيراني أو مواجهة العقوبات نفسها، وعلى الرغم من أن امتثالها لن يتم تقييمه حتى 8 نوفمبر/تشرين الثاني، فمن المرجح أن ترتفع أسعار النفط على الفور.

وسيتعين على حلفاء الولايات المتحدة الذين يستوردون كميات كبيرة من النفط الخام الإيراني، بما في ذلك فرنسا وألمانيا وكوريا الجنوبية واليابان، أن يقرروا ما إذا كانوا على استعداد للبحث عن البدائل أو المخاطرة بفرض عقوبات أمريكية.

وستواجه دول أخرى مثل الصين والهند قرارات مماثلة ومن ناحية أخرى، فإن روسيا ستستفيد حيث يستورد الاتحاد الأوروبي الآن ما يقرب من 5% من نفطه من إيران، وإذا أصبح النفط الإيراني خارج الطاولة، فإن ذلك سيزيد الاعتماد الأوروبي على الطاقة الروسية.

قلق واشنطن الحقيقي

وستعاني العلاقات الأمريكية الإيرانية أيضًا، فلبعض الوقت، كانت الولايات المتحدة وإيران تنسقان بشكل غير مباشر في حربهما ضد «الدولة الإسلامية»، لكن علاقتهما البراغماتية القصيرة لا يمكن أن تنجو من خسارة العدو المشترك.

وقد اعتقدت إيران أنها امتثلت بالصفقة من خلال وقف برنامجها النووي (وقد أكد المفتشون من الوكالة الدولية للطاقة الذرية ذلك)، وتشعر إيران بالإحباط لأن الإجراءات التي لا تقيدها الاتفاقية صراحة - مثل تعزيز القوة في العراق أو تطوير برنامجها الصاروخي - تستخدم كدليل على الازدواجية الإيرانية.

وبالمثل تشعر الولايات المتحدة بالقلق من أن إيران تقوم بلعب دور قوة إقليمية وتشكل تهديدًا مباشرًا لحلفائها مثل (إسرائيل) والمملكة العربية السعودية وقد كان هدف الولايات المتحدة، عندما دُمِّر تنظيم الدولة، هو خلق توازن للقوة في المنطقة، وليس زيادة نفوذ إيران.

ولكن التأثير الأكبر لإنهاء الصفقة سيكون داخل إيران نفسها، فإدارة «روحاني»، التي تمثل فصيلاً سياسيا يريد الحد من سيطرة الدولة على الاقتصاد وتقليص قوة الحرس الثوري الإيراني الواسعة النطاق، بنت مستقبلها في ظل وجود خطة العمل المشتركة الشاملة.

ورأى «روحاني» أن تدفق رأس المال الأجنبي والمزايا الاقتصادية المصاحبة من شأنها إضفاء الشرعية على إصلاحاته السياسية الطموحة حتى إن الحكومة تحركت لاعتقال شخصيات الحرس الثوري الإيراني الرئيسية في سبتمبر/أيلول الماضي.

والآن، يبدو أن قبضة ر«وحاني» قد ضعفت، وقد توقع المتشددون في إيران بأن الولايات المتحدة سوف تنسحب من الصفقة في أقرب وقت لم يعد متوافقاً مع مصالح الولايات المتحدة.

ومن الواضح أن «ترامب» سوف يزيد من العقوبات، ولكن حتى لو فعل ذلك، يستطيع الرئيس الزئبقي أن يتنازل عنها مرة أخرى بنفس السهولة التي أعادها إليها إذا قدمت إيران تنازلات أخرى، على الرغم من أن قدرتها على القيام بذلك ستكون محدودة.

وفي حين يرفض «ترامب» بشكل رمزي تجديد الصفقة، لكنه يستخدم ثغرة قانونية لتقديم إعفاءات من العقوبات إلى مستوردي النفط الإيراني، ويعني ذلك أنه لا يمكن التنبؤ بالدقة بما سيجري في المستقبل.

لقد كان أكبر عيب في خطة العمل المشتركة الشاملة هو أن تركيزها الأساسي كان منع إيران من تخصيب اليورانيوم، على الرغم من أن القلق الحقيقي للولايات المتحدة يتمثل في منع إيران من تأسيس نفسها كقوة إقليمية مهيمنة.

ولم توافق إيران على الحد من السعي وراء مصالحها الإقليمية، كما أنها لم توقف العمل على تطوير العناصر الأخرى الضرورية لإطلاق سلاح نووي مثل الصواريخ بعيدة المدى.

وسيضعف الانسحاب من الصفقة إيران وسيشل إدارة «روحاني»، وهو ما يعني تمكين المتشدّدين الذين كانت خطة العمل المشتركة العالمية خيانة بالنسبة إليهم في المقام الأول.

ولدى الولايات المتحدة وإيران تاريخ من انعدام الثقة يعود إلى 65 عامًا، لكن القضية الأكبر هي أن الولايات المتحدة وقفت دائما في طريق إيران، وبدون خطة العمل المشتركة سوف تستمر السياسة نفسها بلا شك، لكن بوسائل أخرى.

المصدر | جاكوب شابيرو - جيوبوليتيكال فيوتشرز

  كلمات مفتاحية

إيران روحاني ترامب الاتفاق النووي الانسحاب من الاتفاق النووي