«ستراتفور»: عواقب انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي الإيراني

الأربعاء 9 مايو 2018 06:05 ص

بعد أشهر من التهديدات والتكهنات والشائعات، أعلن الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» في النهاية الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران.

وفي 8 مايو/أيار، أعلن «ترامب» انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية المعروفة باسم خطة العمل المشتركة الشاملة، بسبب مخاوف من أن الاتفاق لم يكن شاملا بما فيه الكفاية، ولم يستهدف الأنشطة الإقليمية الإيرانية المزعزعة للاستقرار. وتعتبر هذه الخطوة انعكاسا كبيرا لسياسة الولايات المتحدة تجاه إيران، وتثير عددا من الأسئلة حول موقف سيتطلب مراقبة دقيقة في الأشهر المقبلة.

الصورة الكبيرة

وكما كتبنا في توقعات الربع الثاني من عام 2018 في «ستراتفور»، فإن انشغال واشنطن سيكون مباشرًا بالجمهورية الإسلامية الإيرانية في هذا الربع.

وسوف يعيد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي التأكيد على حاجة طهران لسياسة دفاعية قوية، تشمل الأنشطة ذاتها التي تغذي المخاوف الأمريكية، وهي تطوير الصواريخ الباليستية، والعمليات السرية، ودعم الميليشيات الإقليمية.

ولكن فيما يتعلق بالدبلوماسية الدولية، لن يكون أمام إيران الآن خيار سوى طرح قضيتها على الشركاء الودودين في أوروبا، مثل فرنسا وألمانيا.

عودة جميع العقوبات

وفي إعلانه، أوجز «ترامب» خطة لإعادة فرض جميع العقوبات الأولية والثانوية المعلقة على القطاعات الاستراتيجية للاقتصاد الإيراني، بما في ذلك قطاعات النفط والقطاع المالي الحيوي.

كما تتضمن الخطة وضع عدد من الأشخاص والكيانات مرة أخرى على قائمة الإرهاب والأشخاص المحظورين.

وأصدرت وزارة الخزانة الأمريكية توجيهات تشير إلى أن العقوبات ستدخل حيز التنفيذ بعد فترة من 90 إلى 180 يوما، حيث تبدأ في الفترة من 6 أغسطس/آب إلى 4 نوفمبر/تشرين الثاني، وفقا للعقوبة المحددة.

وفي نهاية المطاف، بحلول 4 نوفمبر/تشرين الثاني، ستكون الولايات المتحدة قد أعادت جميع العقوبات التي فرضتها على إيران قبل خطة العمل المشتركة الشاملة. ومع ذلك، لن تعود أي من العقوبات التي أزالها الاتحاد الأوروبي أو مجلس الأمن الدولي بعد توقيع الاتفاق النووي.

عامل الاتحاد الأوروبي

وكان الاتفاق النووي الإيراني قد أدى إلى رفع العقوبات الثانوية التي كانت تحظر على الشركات الأجنبية، بما في ذلك الشركات الأوروبية والآسيوية، التعامل مع إيران.

ومع ذلك، ظلت معظم المعاملات بين الشركات الأمريكية وإيران غير قانونية ومحدودة بسبب العقوبات الأساسية التي لا علاقة لها بالاتفاق.

وفي حين أن انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل المشتركة الشاملة ينهي الاتفاقية متعددة الأطراف فعليا، إلا أن الاتحاد الأوروبي أعلن على الفور أنه ما زال ينظر إلى الاتفاق على أنه أمر حاسم لضمان الأمن الإقليمي والعالمي، وأنه لا يزال ملتزما بالاتفاق، بما في ذلك تخفيف العقوبات على الجمهورية الإسلامية.

وتستطيع بروكسل تمرير تشريع يساعد الشركات الأوروبية على القيام بأعمال تجارية مع إيران، على الرغم من العقوبات الأمريكية، وقد يحاول الاتحاد الأوروبي أيضا منع واشنطن من فرض العقوبات في منظمة التجارة العالمية.

وسوف تعتمد إيران بشكل كبير على الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق لتستمر في العمل؛ حيث يمكنها تخطى بيئة عقوبات أمريكية أكثر صرامة، لكن الغموض القانوني ومخاطر التعارض مع عقوبات واشنطن سيجبر العديد من الشركات الأوروبية على الامتثال لبعض العقوبات الأمريكية بغض النظر عن قرارات بروكسل.

الأسئلة حول أسواق النفط

وسيعتمد نجاح العقوبات على مدى تأثيرها على صادرات النفط الإيرانية. وستدخل العقوبات التي سوف تؤثر على مشتريات النفط الإيراني حيز التنفيذ في نهاية فترة الـ 180 يوما، في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني.

ويمكن لأي دولة طلب الإعفاء من هذا مع بعض الشروط. وستقوم كلا من وزارة الخارجية ووزارة الخزانة الأمريكية، إلى جانب الاستخبارات القومية، بتحديد ما إذا كانت كل دولة قد خفضت وارداتها من النفط الإيراني بنهاية الفترة، ويشمل ذلك إنهاء العقود وانخفاض حجم الشراء.

واستنادا إلى سياسة الإدارة في عهد الرئيس «باراك أوباما»، كان الانخفاض الضروري للإعفاء هو الانخفاض بنسبة 18 إلى 20%.

ومع تصدير إيران لنحو 2.5 مليون برميل يوميا، فإن هذا يؤدي إلى انخفاض قدره 500 ألف برميل يوميا، إذا كانت العقوبات فعالة للغاية، وهو أقل بكثير من 1 مليون برميل يوميا التي انخفضت في عام 2012 بسبب العقوبات.

ومع ذلك، ففي هذه المرة، لن يفرض الاتحاد الأوروبي حظرا كاملا على واردات إيران، وهو ما أدى إلى انخفاض قدره 600 ألف برميل يوميا سابقا.

ومن غير المرجح أن يحدث انخفاض قدره مليون برميل يوميا إذا بقيت طهران طرفا في الاتفاق، وألا تزيد من برنامجها النووي. وعلى أي حال، فإن لدى مجلس التعاون الخليجي وروسيا قدر كبير من الطاقة الاحتياطية لتعويض أي هبوط في صادرات النفط الإيرانية.

خيارات إيران للرد

وقال الرئيس الإيراني «حسن روحاني» إن بلاده تنظر في الاتفاق النووي بين إيران و5 بلدان أخرى، وهي الصين وفرنسا وألمانيا وروسيا والمملكة المتحدة، وإنه أمر وزير الخارجية «جواد ظريف» بالتحدث إلى هذه الدول حول سبل استمرار الاتفاق.

لكن إذا فشلت تلك المحادثات، قال «روحاني» إن منظمة الطاقة الذرية الإيرانية يجب أن تكون مستعدة للبدء في زيادة مستويات تخصيب اليورانيوم.

ولأن الولايات المتحدة لم تعد طرفا في الاتفاقية، فإن طرح القضية في اللجنة المشتركة بين الدول المشاركة هي استراتيجية لا طائل من ورائها.

وإلى جانب المحادثات مع الاتحاد الأوروبي، فلدى إيران إلى حد كبير 3 استراتيجيات. وهي تنطوي على الانسحاب الفوري من خطة العمل المشتركة الشاملة وإعادة تشغيل أجزاء من برنامجها النووي.

وإزالة البروتوكول الإضافي الذي يمنح المفتشين من الوكالة الدولية للطاقة الذرية إمكانية الوصول بسهولة إلى مواقعها النووية. والانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.

وفي الماضي، هددت إيران باستخدام كل واحدة منها، لكنها تمثل جميعها تصعيدا خطيرا لطهران، لأنها قد تلحق ضررا لا يمكن إصلاحه بعلاقتها بالاتحاد الأوروبي، ويؤدي توافق الكتلة مع الولايات المتحدة بشأن التدابير الاقتصادية.

لذلك، فمن المرجح أن تستنفد إيران الخيارات الدبلوماسية أولا، على أمل بناء دعم دولي أمام الولايات المتحدة، قبل أن تسلك هذا الطريق. لكن إذا فشلت المحادثات، فقد لا يكون أمام إيران خيار سوى الرد بشكل أقوى.

الخطر الواقع على الاقتصاد الإيراني

وفي أعقاب إعلان «ترامب»، انتشرت الأسئلة حول موضوع الاقتصاد الإيراني.

ومثل هذه التحديات ليست جديدة، بل ساعدت على إشعال الاحتجاجات بداية العام.

ولطالما كافحت الجمهورية الإسلامية لخلق فرص لشبابها. واشتكى العديد من الإيرانيين من أن خطة العمل المشتركة الشاملة قد فشلت في تزويد البلاد بأي منافع اقتصادية ملموسة.

وانخفض الريال الإيراني من 36 ألف للدولار الأمريكي في سبتمبر/أيلول عام 2017، إلى 60 ألف في أبريل/نيسان، بسبب تكهنات بأن الولايات المتحدة قد تعيد فرض العقوبات.

وعلى الرغم من أن البنك المركزي الإيراني لاحق تجار العملة، مما أجبرهم على تطبيق المعدل الرسمي البالغ 42 ألف ريال للدولار، فإن سعر السوق السوداء انخفض ليصل إلى 70 ألف ريال مقابل الدولار.

وسيكون سعر الصرف المتقلب للعملة، وارتفاع أسعار الخبز والدجاج، والمزيد من الاحتجاجات، مؤشرات مهمة على تأثير العقوبات.

ولمواجهة «ترامب»، تؤكد إيران على استراتيجيتها الخاصة بمقاومة الاقتصاد، والتي تتطلب اعتمادا أقل على الواردات، وعلاقات أفضل مع الدول الأخرى الراغبة في الإبحار والمخاطرة ضد تيار العقوبات الأمريكية.

وستزيد هذه التحركات من فرص الصناعات الثقيلة المحلية في إيران، ولكن من غير المؤكد ما هي الآثار التي ستتركها على الاقتصاد الإيراني المرتبط بالحرس الثوري الإيراني.

كما ستحاول الحكومة التخفيف من العقوبات عن طريق الحد من العلاقات الاقتصادية مع الأماكن التي يحتمل أن تخضع لضغط الولايات المتحدة، وسوف تتجه لاتخاذ خطوات نحو شركاء أكثر صداقة مثل الصين وروسيا وقطر والهند.

المصدر | ستراتفور

  كلمات مفتاحية

الاتفاق النووي الإيراني الولايات المتحدة الاتحاد الأوروبي الصين روسيا