«جيوبوليتيكال فيوتشرز»: الانتخابات العراقية.. معركة على قيادة العالم الشيعي

السبت 12 مايو 2018 11:05 ص

لا يعد نفوذ إيران في الشرق الأوسط سرا، فلم تبذل الحكومة أي جهد لإخفاء طموحاتها الإقليمية، ولم تكف عن توسيع نفوذها منذ أن ضعف تنظيم «الدولة الإسلامية».

ولطالما بقي تأثيرها محكوما بحقيقة أنها دولة شيعية في منطقة ذات أغلبية سنية، وفي أحد الاستثناءات البارزة، وهي العراق ذات الأغلبية الشيعية، جرت الانتخابات البرلمانية في 12 مايو/آيار، تلك الانتخابات التي قد تعطي مؤشرا على مدى عمق نفوذ إيران وتجذره في أجهزة الدولة، ومدى انقسام المجتمع العراقي.

والجديد والجدير بالاهتمام حول تلك الانتخابات هو عدد الأحزاب والائتلافات السياسية الموجودة في السباق، الذي عادة ما كان يشهد فقط بعض التحالفات العريضة.

وتميل هذه الائتلافات إلى إدارة الدفة كاملة لخدمة مصالحها السياسية، وفي السلطة حاليا، يقبع ائتلاف «دولة القانون»، الذي فاز بمقاعد أكثر من أي ائتلاف آخر في عام 2014، لكنه فشل في الفوز بأغلبية مطلقة.

وفي ذلك العام، خسر «نوري المالكي»، عضو حزب الدعوة الإسلامية، الذي كان جزءا من الائتلاف الحاكم، منصبه كرئيس للوزراء، وفي ذلك الوقت، كان المرشح المفضل لإيران، ولكن خوفا من أن تؤدي ولاءاته لطهران إلى حرب أهلية مرة أخرى، فقد ضغط عليه العراقيون والأكراد والولايات المتحدة وإيران والشيعة العراقيون للتنحي عن منصبه، وحل محله رئيس الوزراء الحالي «حيدر العبادي»، الذي هو أيضا عضو في حزب الدعوة، لكنه يعتبر أكثر اعتدالا وأقل عداء للمصالح السنية والكردية.

والآن، يعاني حزب الدعوة من التصدع، ويظهر «المالكي»، الذي لا يزال لديه علاقات وثيقة مع إيران، كمرشح عن ائتلاف «دولة القانون»، الذي يحاول أن يستخدم المجموعة المحافظة في حزب الدعوة.

في حين يظهر «العبادي» كمرشح عن ائتلاف النصر، الذي يسعى للحصول على دعم من أعضاء الدعوة الأصغر سنا والأقل محافظة.

ثم هناك تحالف سائرون، بقيادة «مقتدى الصدر»، الذي يقود أيضا أحد أكبر الميليشيات الشيعية المعروفة باسم «قوات الحشد الشعبي»، وكان «الصدر» مدعوما من إيران خلال الاحتلال الأمريكي في العراق، لكنه قاوم منذ ذلك الحين النفوذ الإيراني لصالح نوعيته الخاصة من القومية الشيعية العراقية.

وفي الإجمال، هناك 5 ائتلافات شيعية ترشحت للبرلمان، بما في ذلك «ائتلاف الفتح»، الذي يقوده «هادي العامري» الذي يرأس وحدة مدعومة من إيران في قوات «الحشد الشعبي».

كما يوجد تنافس بين جماعتين سنيتين وفصائل كردية متعددة أكثر انقساما من المعتاد، في أعقاب استفتاء حكومة إقليم كردستان الفاشل على الاستقلال الذي تم إجراؤه العام الماضي.

وعلى الرغم من أن إيران قد تفضل مجموعة واحدة للتغلب على الآخرين، لكن الحكومة في طهران ستظل تتمتع بقدر من النفوذ في العراق بغض النظر عمن سيفوز.

وعلى الرغم من كل ذلك، فإنها لا تزال تسيطر على العديد من ميليشيات قوات الحشد الشعبي وتمولها، حيث ادعى أحد قادتها على الأقل أنه سيطيح بالحكومة العراقية إذا أمر المرشد الأعلى «علي خامنئي» بذلك.

وعلاوة على ذلك، فإن العديد من المناصب الحكومية المهمة يحتفظ بها أشخاص متعاطفون مع إيران، بما في ذلك المسؤول عن تحديد أي من مجموعات قوات «الحشد الشعبي» تحصل على تمويل من الحكومة العراقية.

وفي هذا السياق، قد يكون احتمال فوز زعيم الميليشيا الموالية لإيران بمنصب الرئاسة أقل أهمية من جهود إيران لبسط نفوذها في العراق من خلال الترشيحات.

تنافس على القيادة الشيعية

وتعد المنافسة بين القوميين العراقيين والفصائل المؤيدة لإيران معركة على قيادة العالم الإسلامي الشيعي نفسه، ويستمد النظام الإيراني شرعيته من تفسيره الفريد للمفهوم الشيعي اللاهوتي المسمى بـ«ولاية الفقيه».

ووفقا لهذه النظرية، يجب أن يعهد بإدارة الشؤون الاجتماعية إلى خليفة من رجال الدين يقود المسلمين خلفا للنبي محمد صلى الله عليه وسلم.

واستخدم «الخميني»، أول حاكم لإيران بعد الثورة الإسلامية عام 1979، هذه النظرية ليجادل بأن الجمهورية الإسلامية بحاجة إلى أن يحكمها مرشد أعلى يقوم بتوجيه الأمة في الشؤون الدينية والسياسية على السواء.

ومع ذلك، فقد فسر آخرون المذهب بشكل مختلف، ويعتقد «علي السيستاني»، رجل الدين الشيعي البارز في العراق، أن دور «الفقيه» يجب أن يقتصر على توفير التوجيه الروحي.

ولقد دعا «السيستاني» إلى إقامة نظام ديمقراطي في العراق، نظام يضم جميع شرائح المجتمع، الشيعة والسنة والأكراد والمسيحيين، في الجسم السياسي.

وقبل أن يؤسس «الخميني» الجمهورية الإسلامية عام 1979، كان تفسير «السيستاني» هو السائد في الأوساط الشيعية، حتى إن بعض آيات الله في إيران عارضوا مذهب «الخميني».

قد يبدو هذا كأنه اختلاف في تفسير المذاهب اللاهوتية، لكن لذلك نتائج عملية، ويقترب نهج «السيستاني» من النزعة القومية التي تتعارض مع الهوية الشيعية العابرة للحدود التي تحاول إيران زراعتها في جميع أنحاء المنطقة على أمل أن تتمكن في نهاية المطاف من بناء إمبراطورية شيعية.

ورغم أن «السيستاني» قد أمر جميع العراقيين القادرين على العمل - وليس الشيعة فقط - بتشكيل ميليشيات لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية»، فقد دعا الوحدات الموالية له في قوات الحشد الشعبي إلى حل نفسها بعد هزيمة التنظيم، وقد دافع عن بقاء الزعماء الدينيين خارج السياسة.

لكن من خلال تلك المجموعات شديدة الأهمية التي تعمل مع إيران، كانت طهران تمارس نفوذا أكبر في العراق، ومع ذلك، لا يزال الشيعة الموالون لـ«السيستاني» يشعرون بالقلق من دور إيران في العراق، وقد سعوا إلى هزيمة المرشحين المؤيدين لإيران خلال الانتخابات، وتشير النتائج الأولية أنهم حققوا نتائج إيجابية في ذلك.

وتدعي إيران أنها القائد الحقيقي للشيعة في الشرق الأوسط، وبما أن حكمها الديني قائم على فرضية أن الزعماء الدينيين يجب أن يكونوا قادة سياسيين، فإن نهج «السيستاني» يشكل تهديدا ليس فقط لقدرة إيران على استعراض السلطة في العراق، ولكن أيضا لشرعية النظام الثيوقراطي في إيران نفسها.

لذا تتركز التفسيرات في هويتين متنافستين؛ واحدة تروج للإمبراطورية الشيعية، والأخرى تروج لدولة قومية تكون فيها السياسة والدين منفصلين في الغالب (على الأقل حسب معايير المنطقة).

وبالتالي، تدور الانتخابات حول أكثر من مجرد السياسة؛ إنها المعركة الأخيرة في حرب على قيادة العالم الشيعي نفسه.

المصدر | جيوبوليتيكال فيوتشرز

  كلمات مفتاحية

الانتخابات العراقية الحشد الشعبي علي السيستاني مقتدى الصدر علي خامنئي