«واشنطن بوست»: ما الذي تعنيه الانتخابات العراقية للميليشيات الشيعية؟

الأحد 13 مايو 2018 08:05 ص

تعد الانتخابات البرلمانية العراقية الحالية هي الأولى التى تشهدها البلاد منذ هزيمة «الدولة الإسلامية» عسكريًا في ديسمبر/كانون الثاني الماضي. وهناك بوارق أمل في أن تشهد العراق فصلاً جديدا، وأن تمضي قدمًا في محاولات معالجة التحديات المستمرة فى الأمن والفساد المستشري والاستقطاب في المجتمع والنخب السياسية.

وإلى الآن يصعب التنبؤ بالنتائج في انتخابات يتنافس فيها ما يقرب من 7000 مرشح على 329 مقعدا فقط، ولا تزال النتائج تتأرجح في بلد أصبح المشهد السياسي فيه مفتتا بشكل متزايد، وتتمثل إحدى النتائج شبه المؤكدة في الصعود السياسي للميليشيات الشيعية العراقية، والتى تعد أكثرها هيمنة حالياً هي قوات الحشد الشعبي وثيقة الصلة بإيران.

الميليشيات تطور نفسها

وتم حشد هذه الميليشيا القوية التي تضم مائة ألف مقاتل مع أغلبية شيعية لملء الفراغ الأمني ​​الذي أعقب استيلاء «الدولة الإسلامية» على الموصل وما أعقبه من انهيار القوات المسلحة العراقية.

ومنذ أن بدأت الحرب على الدولة الإسلامية، فإن المجموعات الموجودة بالفعل والمقاتلين المتطوعين ضمن قوي الحشد الشعبي اكتسبوا مكانة بارزة لانتصارتهم المتعددة فى ساحات المعارك، وساعد فى ذلك تراجع هيبة ومكانة الجيش العراقي، والجزء الأكبر فى ذلك يعود إلى انهياره المخزي عام 2014، أيضا لكون الكثير من العراقيين يرون فيه مؤسسة فاسدة ذات تاريخ غارق في القمع والوحشية.

وحاربت الميليشيات الشيعية في العراق سابقا - وعانت عدة هزائم - ضد القوات العسكرية العراقية المدربة والمدعومة أمريكيا، وبالتالي تم تهميشها على فترات متفاوتة، وتدير هذه الميليشيات أنشطتها على نمط عصابات المافيا حيث تنخرط في أنشطة إجرامية وعمليات ابتزاز وانتهاكات لحقوق الإنسان.

تصبح الصورة أكثر تعقيدا بسبب الطريقة اللافتة التي تطورت بها الميليشيات الشيعية في العراق، وكذلك قوات الحشد الشعبي، والمدى الذي حافظت به على استقلالها رغم كونها رسميا ضمن مكونات الدولة العراقية التي تدين بالولاء للحكومة.

 فقد سيطرت ميليشيا لواء بدر على وزارة الداخلية العراقية وموظفيها البالغ عددهم 37 ألفا منذ عام 2003، وكذلك تطورت الميليشيات الأخرى مثل عصائب أهل الحق – عن طريق مهادنة الأحزاب والمؤسسات القائمة – إلى حركات اجتماعية وثقافية قوية عززت مؤهلاتهم السياسية وغسلت سمعتهم الملطخة بالدماء.

واندمجت هذه الجهات رسميا في الدولة العراقية واستخدمت موارد الدولة العراقية وسيادتها كأوراق ضغط للحصول على الاعتراف الدولي، مع الاحتفاظ باستقلالها المالي والتشغيلي.

جذور النشأة

ومن المفاهيم الخاطئة والمهمة فكرة أن الجماعات المسلحة هي دائماً نتاج فشل الدولة، وأن وجودها سيكون دائماً لعنة تحول دون تعافى الدولة.

فالميليشيات الشيعية هي نتاج عداء تاريخي واضطهاد طويل المدى وتصورات طويلة الأمد عن المظلومية وإنكار الحقوق التي تشكل الوعي الجماعي للطائفة الشيعية في العراق.

إنهم ليسوا مناهضين للدولة، لكنهم بدلاً من ذلك يسعون لنظام سياسي داخل حدود الأراضي العراقية الحالية، وإن كان ذلك متعارضاً مع الرؤى التي يتصوّرها منافسوهم والداعمون الغربيون للعراق.

وعلى أقل تقدير، فإن قوات الحشد الشعبي المنحازة لإيران – أقوى الميليشيات في العراق وأكثرها عدداً – ترغب في إعادة بناء العراق وفق شروطها (وبالشراكة مع إيران) على نقيض من الشروط والأحكام التي وضعتها الولايات المتحدة وحلفاؤها في الغرب.

وبشكل عام، يمكن أيضاً أن تُعزى الظروف التي مكنت صعود هذه المجموعات بعد عام 2003 إلى تعبئة المجتمع الشيعي ضد نظام البعث السابق، خاصة من فترة السبعينيات وما بعدها. ويبدو أن العملية والبيئة التي تمكّن الجماعات المسلحة من النجاح قد تستغرق وقتًا طويلاً في النشوء، ولكن بمجرد ترسيخها، فإنه يصبح من الصعب للغاية إزالتها، وحتى محاولة القيام بذلك يمكن أن تؤدي إلى انتشار مزيد الجماعات المسلحة، لا سيما عندما تكون هناك قوى خارجية متورطة في النزاع ولديها مصالحها الخاصة الراسخة التي تعزز قدرتهم على الصمود (كما هو الحال مع العلاقة بين الميليشيات الشيعية العراقية وإيران).

وتظهر الدراسات الحالية أن العنف غير الحكومي لا يمكن أن يُعزى دائمًا إلى فشل الدولة لأن الاعتماد على ممارسي العنف من غير الدول كان شكلاً شائعاً من أشكال التطوير العسكري في الدول التي تكون فيها مؤسسات العنف اللامركزية استجابة للتغيرات في النظام الإقليمي والدولي.

أمل في التوازن

ومن الآن فصاعدًا، يبدو أن قوات الحشد الشعبي تتطلع لأن تصبح مؤسسة متفرعة من القوات المسلحة العراقية التقليدية، وسواء كان هذا أمراً يريده العراقيون أم لا، فهو أمر مطروح للنقاش، لكنه سيزيد من فرص ابتلاع العراق في صراع لسنوات قادمة.

وفي حين أن هناك احتراما واسع النطاق للمقاتلين الذين يشكلون المجموعات المختلفة من قوات الحشد الشعبي، إلا أنه لا يخفى على الكثيرين داخل المجتمع الشيعي، وأكراد العراق، والسنة العرب والأقليات أن قيادة قوات الحشد الشعبي ومجموعاته المنحازة لإيران قد تعهدت بصراحة بالولاء لـ«آية الله خامنئي» والعقيدة التي تدعم نظام الحكم في إيران.

لكن الشيعة العراقيين قاوموا في الماضي جهود إيران لتصدير نظامها الثيوقراطي إلى العراق ومن المرجح أن يفعلوا ذلك في المستقبل القريب، بغض النظر عن كمّ استثمار إيران لمواردها في المدن المقدسة.

ويستمر التيار الصدري، الذي يعد أقوى حركة في العراق بقيادة «مقتدى الصدر»، في البناء على الإرث الذي تركه والده «محمد صادق الصدر»، وهو رجل الدين العراقي القوي الذي افتخر بنفسه وحركته لتعزيز الهوية العربية للشيعة في العراق.

 هذا سيضمن أن يحقق العراق شيئًا من التوازن، حيث لا يميل ميزان القوة كثيرًا لصالح المجموعات المتوافقة مع إيران أو تلك التي تسعى إلى إخراج العراق من مدار نفوذ إيران في الوقت الحالي.

المصدر | واشنطن بوست

  كلمات مفتاحية

الانتخابات العراقية الميليشيات الشيعية الحشد الشعبي إيران