«ستراتفور»: (إسرائيل) تواجه المخاطر الوجودية لتركيبتها السكانية المتغيرة

الاثنين 14 مايو 2018 08:05 ص

ملخص

(1) بينما تبلغ (إسرائيل) عامها السبعين، فإن تركيبتها الديموغرافية المتغيرة يمكن أن ترهق الوضع الاجتماعي المثير للجدل في البلاد، مما يقوض أمنها.

(2) ارتفاع معدلات المواليد بين السكان البدو والحريديم الإسرائيليين سيكون له تأثير أكثر عمقا على المستقبل الاقتصادي والدبلوماسي للبلاد أكثر من المعدل المتغير لنسب الفلسطينيين العرب واليهود الإسرائيليين داخل حدود الانتداب البريطاني السابق على فلسطين.

(3) ما لم تقم هاتان الجهتان بتعديل وجهات نظرهما الثقافية والتعليمية والاجتماعية المتضاربة، فقد تقوضا القوة الاقتصادية والاستراتيجية لـ(إسرائيل).

تحليل

لطالما حذر علماء الديموغرافيا من أن التوازن بين اليهود الإسرائيليين والفلسطينيين العرب سيحدد مستقبل (إسرائيل)، ففي 25 مارس/آذار، قدم الجيش الإسرائيلي بيانات إحصائية تشير إلى أن حوالي 6.5 مليون إلى 6.7 مليون فلسطيني يعيشون الآن داخل حدود الانتداب البريطاني التاريخية التي تعود لعام 1948، وهو عدد سكان يساوي أو يفوق عدد اليهود في المنطقة.

وأحيا التقرير المخاوف من أن يغير توسع السكان الفلسطينيين بشكل جذري في الوضع الاستراتيجي لـ(إسرائيل)، مما يجبرها إما على ضم هؤلاء السكان أو السماح بدولة فلسطينية أو تطوير نظام احتلال أكثر قمعية قد يؤدي إلى زيادة عزلتها الدبلوماسية.

لطالما كانت (إسرائيل) قلقة من تأثير توازنها الديموغرافي على بقائها لكن التوازن الخارجي بين اليهود والعرب يشكل تحديا استراتيجيا أقل بكثير من التحدي الداخلي للتوازن بين الشرائح المتنامية بسرعة في المجتمع الإسرائيلي مثل اليهود الأرثودكس المتطرفين والبدو العرب وما لم تتمكن (إسرائيل) من إقناع هذه الجماعات بتكييف سلوكها مع الاحتياجات الاستراتيجية للقرن الواحد والعشرين، فإن صعودها سوف يشكل تحديات قوية للأمن الاقتصادي والدبلوماسي للدولة العبرية.

ومن المهم أن نعي أن الفلسطينيين ليسوا أكبر قلق ديموغرافي في (إسرائيل). وقسمت البلاد بالفعل السكان إلى منطقتين جغرافيتين منفصلتين، وبالتالي منعت قيام دولة موحدة من الصعود لتحديها، ويبدو الشغل الأكبر المتعلق بمستقبل (إسرائيل) هو النمو السريع للسكان البدو والأرثوذكس اليهود، الذين يمكن أن يغيروا معا التكوين الديموغرافي للبلاد بشكل كبير، ووضعها الاقتصادي واستراتيجيتها الأمنية.

مشكلة متنامية

على الرغم من أن (إسرائيل) كانت تعاني من قلة عدد سكانها، إلا أن سياسات الهجرة السخية تجاوزت جميع التوقعات في زيادة عدد سكان البلاد.

فمنذ بداية القرن الحادي والعشرين، شكل معدل توسع السكان مشكلة كبيرة لـ(إسرائيل)، على الأقل من وجهة نظر اقتصادية حيث انكمش نمو إجمالي الناتج المحلي بنسبة 2% خلال ما يقرب من 20 سنة، ولدى البلد أعلى معدل للفقر مقارنة بأي عضو آخر في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، وسوف يزيد نمو البدو والسكان الحريديين من الضغط على الاقتصاد.

تشكل المجموعتان الشريحة الأكثر فقرا والأقل تعليما في المجتمع الإسرائيلي، ولديهما أعلى معدل للبطالة، وهما أيضا الأسرع نموا في (إسرائيل)، وتشير التوقعات إلى أنه بحلول عام 2059، سيشكل الحريديون وحدهم ربع الإسرائيليين.

ولا تلعب القيم الثقافية دورا كبيرا في معدلات المواليد المرتفعة للمجموعات فقط، حيث يبلغ متوسط ولادة النساء الحريديات 6.5 طفل، في حين أن النساء البدويات لديهن معدل يبلغ ستة أطفال، ولكن أيضا في الوضع الاجتماعي والاقتصادي.

وعلى المدى الطويل، يمكن لهذه القيم أن تقوض ازدهار (إسرائيل)، فضلا عن استراتيجيتها التقليدية لاستخدام التكنولوجيا للتغلب على نقاط الضعف الجغرافية. (الرسم: نمو المجتمع الحريدي)

تصادم الثقافات

تعمل الأعراف الثقافية المحافظة على تثبيط النساء عن الانضمام إلى القوى العاملة أو البقاء في التعليم، وعلاوة على ذلك، ناضل النظام التعليمي الإسرائيلي لاستيعاب نمط حياة البدو الرحل، حيث يتطلب الأمر تغيير هذه الظروف وإجبار البدو الإسرائيليين على الاستقرار في مواقع ثابتة وإعادة النظر في الثقافة الذكورية التي تحرم الفتيات من التعليم وتحصر النساء في المنزل. وكما تعلمنا من تجربة دول مجاورة مثل الإمارات مع سكانها البدو، فإن مراجعة التقاليد هي عملية قد تستمر لعقود.

وستكون إعادة هيكلة القيم الثقافية للحريديم أكثر تحديا. وذلك لأن المجموعة اليهودية الأرثوذكسية أكبر بكثير حيث يبلغ عددها تقريبا 1.1 مليون شخص ، مقارنة بـ200 ألف فقط من البدو.

ومثل البدو، فإن تمثيل الحريديم في المدارس والقوى العاملة قليل نسبيا وعادة ما تبدأ النساء في إنجاب أطفال في سن مبكرة، ويتخرجن من التعليم والتدريب الديني، وعادة ما يحصلن على وظائف منخفضة الأجر لدعم الرجال الحريديم، الذين يعطون الأولوية لدراسة التوراة عن العمل.

كما أن تفضيل دراسة التوراة أبقى تقليديًا أعضاءً شبابًا في المجتمع الحريدي خارج المؤسسة العسكرية. وعندما كان عدد السكان أقل سمحت الحكومة الإسرائيلية لطلاب التوراة بالتخلي عن خدمتهم العسكرية الإجبارية.

واليوم، مع ذلك، فإن عدد السكان اليوم أصبح كبيرا بحيث لا يستطيع جيش الدفاع الإسرائيلي أن يخسر هذا العدد من المجندين، وقد قضت المحكمة العليا الإسرائيلية في سبتمبر/أيلول 2017 بأن على شباب الحريديم أن يخدموا، مما أثار احتجاجًا شديدًا من الجالية اليهودية الأرثوذكسية. (الرسم: نسب التوظيف في مختلف الطوائف الإسرائيلية)

وعلى عكس البدو الإسرائيليين، يتمتع الحريديم بتمثيل قوي في الكنيست، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى انهيار الائتلافات الحادة في حكومة البلاد، وطالما كان منح الامتيازات الخاصة للحريديم لإرضاء المحافظين الإسرائيليين تقليدا عريقا في السياسة الإسرائيلية، وهو نهج يجعل من الصعب على الحكومة تغيير سياساتها في محاولة لإجبار المجموعة على التكيف.

وعلى الرغم من التحديات، ليس أمام (إسرائيل) خيار سوى العمل على إعادة تشكيل سلوك سكانها البدو والحريديم المتناميين إذا أرادت الحفاظ على اقتصادها واقفا على قدميه، وحذر صندوق النقد الدولي من أنه إذا لم يتم دمج المجموعتين بشكل أفضل في الاقتصاد الإسرائيلي، فسوف تنخفض مشاركة القوى العاملة في البلاد وإنتاجيتها بشكل أكثر حدة وستتوسع فجوة الثروة في (إسرائيل).

قلب المعايير السياسية

في غضون ذلك، سيغير التحول الديموغرافي التوازن في السياسة الإسرائيلية حيث يدعم مجتمع الحريديم اليوم أحزاب اليمين المتطرف مثل حزب شاس وحزب البيت اليهودي.

ومع نمو المجموعة الدينية ومع تضاؤل أعداد العلمانيين الإسرائيليين ستواجه الأحزاب ذات الميول اليسارية مثل الاتحاد الصهيوني أوقاتا صعبة في بناء الائتلافات الحاكمة في العقد القادم.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن مجموعة الناخبين الحريديم المتزايدة قد تقوم بسحب أصوات من أحزاب يسار الوسط، وتمنح الأحزاب اليمينية حصة أكبر من المقاعد في الكنيست، في الوقت الذي تعزز فيه وجود يمين الوسط في السلطة.

وغالبا ما عانت حكومات يمين الوسط في (إسرائيل) للعثور على حلفاء موثوق بهم، وكلما كانت سياساتهم أكثر تحفظا، كلما كان من الصعب عليهم العثور على دعم دولي ويظهر هذا الاتجاه بشكل خاص في الولايات المتحدة، حيث بدأت الشقوق تتشكل في الإجماع القديم بين الحزبين على (إسرائيل).

وأعلن أعضاء في الحزب الديمقراطي بشكل متزايد عن هواجسهم بشأن (إسرائيل) على مدى السنوات القليلة الماضية، ووجد استطلاع أجرته مؤسسة بيو في عام 2017 أن 27% فقط من الديمقراطيين تعاطفوا مع (إسرائيل) بشأن تعاملها مع الفلسطينيين وهو أدنى مستوى منذ 40 عاما. ولأنه لا يوجد بلد آخر يضاهي أهمية الولايات المتحدة بالنسبة إلى (إسرائيل)، فسيتعين على الحريديم في نهاية المطاف أن يواجهوا المواقف السياسية الأمريكية من أجل الحفاظ على دعم الولايات المتحدة. (الرسم:: توازن القوي في الكنيست)

حتمية التغيير

في الواقع، لا بد أن يصبح المجتمع الحريدي أكثر تنوعا في آرائه السياسية والاجتماعية مع زيادة أعداده وكلما ازداد عدد الحريديين، ازدادت قدرة المجموعة على اقتحام مجالات جديدة، خاصة وأن الشباب الأصغر سناً قد وصلوا إلى مرحلة النضوج لفهم التحديات التي تطرحها قيمهم على بلدهم.

وفي مواجهة المشاكل الجديدة والقيود الجديدة، قد يضطر الشباب في مجتمع الحريديم إلى التكيف من أجل الاستقرار والازدهار ولن يتبنوا بالضرورة نفس وجهات نظر الأجيال الأكبر سنا.

ويبدو هذا التطور واضحا بالفعل في الجدل الدائر حول تجنيد الحريدين فبعضهم صاروا يدعمون الخدمة العسكرية بشكل متزايد.

وفي سبتمبر/ أيلول 2017، قال أكثر من ثلاثة أرباع أعضاء حزب البيت اليهودي الذين تم استطلاع آراءهم إنهم سيعارضون تشريع إعفاء شباب الحريديم من الخدمة العسكرية (على الرغم من أن أحزاب حريدية أخرى، مثل يهودات هتوراة، شاس، أيدت هذا الإجراء).

ومن المرجح أن تجد الحكومة الإسرائيلية وسائل لتشجيع هذه التحولات في الموقف بين الحريديم ويعد قرار المحكمة العليا الأخير الذي يقضي بعدم إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية هو مجرد جملة افتتاحية في حملة الدولة لتحفيز المزيد من المشاركة الاقتصادية والعسكرية في المجتمع سريع النمو، وبما أن إجراءات التعيين تحميهم من الضغوط السياسية، فإن القضاة الإسرائيليين هم أفضل من يستطيعون عكس الامتيازات التي وفرت للحريديم مثل هذا التحدي للدولة.

وفي العقود القليلة المقبلة، سيكون على (إسرائيل) أن تواجه مشكلة ديموغرافية تختمر، وسوف يتطلب نمو مجتمعات البدو والحريديم الإسرائيلية اهتمام الدولة أكثر من نمو السكان الفلسطينيين، وسيجبر التغيير الديموغرافي الجاري (إسرائيل) على محاولة تحسين إدماج هذه المجموعات في استراتيجيتها الاقتصادية والسياسية وإذا حدث خلاف ذلك، يمكن أن تتعرض الدولة العبرية لخطر اقتصادي كما يمكن أن تتعرض علاقتها الحيوية مع الولايات المتحدة للخطر.

  كلمات مفتاحية

(إسرائيل) الحريديم البدو التحدي الديمغرافي